عندما يسند إلى شاعر مجيد , شرف كتابة أوبريت وطني محددة أطره وتوجهاته العامة , فإن مساحات الإبداع تضيق أمامه, وكتابات السابقين تسد على مفردته كل المعابر المؤدية إلى مناطق الإبهار , ولكن الشاعر الخلاق المتكئ على مجموعة من المواهب اللافتة , والمتماس بـ..( وعي) مع المنابع العذبة لتاريخ وحاضر بلده , قادر على الإفلات من هذا الحصار , وخلق عوالم شعرية خاصة به , تمكنه من الكتابة المدهشة , وهذا ما فعله سمو الأمير الشاعر / خالد بن سعود الكبير عندما كتب بشاعرية باهرة , ووعي ٍ عميق لفقه الواقع وأمانة التاريخ , غير القابل للجدل أوبريت ( عرين الأسءد ) والذي جاء خطابه الشعري غاية في الإتقان , وهذا الإتقان المتعذر في أشعار المرحلة, بمختلف أجناسها الكتابية لم يتخلق صدفة , ولكنه كان نتيجة استشعار بالغ الدقة لمسئولية التكليف , التي تم احتواؤها بصورة أمينة داخل اللوحات الشعرية المكونة لنص الأوبريت , فجاء الخطاب الشعري رفيع اللغة . شمولي التناول . محدد الدلالة . واضح الأهداف . مركز التضمين , وبالرغم من كل هذه التشعبات المربكة للذات الشاعرة , إلا أن شاعرية سمو الأمير خالد , استطاعت باقتدار غير متكلف , الهيمنة على كل هذه المساحات المتناولة , فجاء العمل الشعري مشبعا ً حد الامتلاء , بخلجات فؤاده المحب لوطنه التي شحنت النص بنفحات إيمانية جلية , وعاطفة وطنية راشدة , وشاعرية متفجرة أخذت التمرحل التاريخي بذكاء ٍ شديد , عندما استطاعت القفز بمهارة بالغة , على فترات التشتت التي لم يدون فيها التاريخ ما يستحق التناول , فجاء الحديث عن الدول السعودية الثلاث منسابا ً من خلال نص ٍ متماسك وجاذبً للوجدان , بطريقة حررت المتلقي من إطار الزمن و وجودية المكان , وسافرت به على غيمات الشعر , إلى نقطة قصية من صفحات مجد السابقين , الذين جدلوا عرى العلاقة المتينة بين الدين والدولة , حتى اصبح الحكم وسيلة تكليف ٍ نبيل , لإقامة شرع الله وإعلاء شأن الدين في مهبط الوحي ابتداء ً من الدولة السعودية الأولى حتى يومنا هذا , ولعل الذي منح النص جمالا ً أدبيا ً ملحوظا هو سمو الخطاب الشعري, والذي بدأ جليا ً في كل ثنايا النص على خلاف ( بعض الأوبريتات ) السابقة , وقد جاء هذا السمو الخطابي متلازما ً مع منهجية الحكم السعودي المتسامية عن الصغائر, بالرغم من أن للسياسية أعذارها وتبريراتها , ولكن من أقاموا شرع الله في مهبط الوحي , كانوا نزاعين اصطفاء ً واختيارا ً لمنهجية السلوك الإسلامي , في كل علاقاتهم مع الآخر , وهكذا جاء خطاب ( عرين الأسءد ) لأن من كتبه , تعامل مع الشعر بنفس المنطلقات والأدبيات وفرض شخصيته الوقورة على كل أجزاء العمل الشعري , فلم ينسق خلف إغراء التدفق الشعري , وبريق المفردة الجانحة , وإغوائية التهويمات الشعرية . بل كتب بوجدانه القادر على إخضاع عاطفته الجياشة لمسئولية المواطنة , فجاء الشعر منساقا ً معه إلى مساء الجنادرية ليشهد كيف كان احتفاؤنا جميعا ً بسموه الذي ( كتب فغنى الوطن ) غناء ً غمر كل مساحات العطش المتمددة في أفئدتنا للأشعار المسكونة بالألق والدهشة والإبهار والتي لا يجيدها إلا الشاعر الخلاق . التهنئة لشعر المرحلة بإنعتاقه من تهمة موت الإبداع بعد أن أعاد كاتب ( عرين الأسءد ) للشعر هيبته وجماله ووقاره . همسـات مكتـوبة :
- لمهرجان الجنادرية : شكرا ً لمن اتخذ قرار إيقاف أمسيات الشعر الشعبي فقد استنفدت الممارسات اللامسئولة كل مساحات التسامح الممكنة . العقلاء من اهل الشعر ينظرون لهذا القرار على أنه دعوة لإصلاح
بيت الشعر الذي عاث به الصغار فسادا ً بمباركة إعلام ٍ مصاب بالجهل المركب .. أتمنى ألا يكون التراجع عن القرار سهلا ً .
- للفنان محمد المغيص :
جاء جمال لحن أوبريت ( عرين الأسءد ) متناغما ً إلى درجة كبيرة مع روح النص وغنائيته وهذا يدل على أنك لم تلجأ إلى الألحان المعلبة في زمن تعليب الفن , بل تجولت بحسك الفني في أرجاء النص وتفيأت في ظلال كل مفردة من مفرداته فقدمت عملا ً فنيا ً كبيرا تستحق عليه التهنئة .