من القرارات السديدة التي اتخذها مجلس الوزراء وهي عديدة.. وذات اهداف سامية في تحقيق التنمية والارتقاء بالوطن والمواطن.. ذلك القرار الذي انتظرته الجماهير في هذه البلاد منذ مدة لحماية الاجيال القادمة من الامراض الوراثية ومن أهمها: (أمراض الدم الوراثية) المتمثلة في الحمى المنجلية والثلاسيميا وغيرها) ولقد سعى الى اتخاذه الخبراء والاطباء والهيئات الطبية المتخصصة والمؤسسات القضائية الشرعية. فلقد قرر المجلس في جلسته الاعتيادية الاسبوعية في يوم الاثنين 6 ذي القعدة 1424هـ الموافق 29/12/2003م موافقته على ماعرضه وزير العدل بشأن الفحص الطبي الذي يجري قبل الزواج تطبيقا لقرار مجلس الوزراء رقم (5) وتاريخ 4/1/1423هـ وذلك بتطبيق الضوابط الصحية للزواج على جميع السعوديين والزام طرفي العقد باحضار شهادة الفحص الطبي قبل اجراء عقد النكاح ويكون تطبيق ذلك ابتداء من اليوم الاول من شهر المحرم لعام 1425هـ مع عدم الزام اي من طرفي العقد بنتائج الفحص الطبي متى ماشاء ذلك.
يجيء القرار نقلة كبيرة في مجال الوقاية من الامراض بعد ان تبين من خلال الفحوص الطبية والاحصائيات المسجلة بدقة في مراكز امراض الدم في الاحساء والقطيف وجازان وغيرها تزايد اعداد المصابين بامراض الدم الوراثية والتي افادت بان نسبة المصابين وصلت الى حوالي 30% من سكان هذه المناطق، وتزايد عدد الوفيات للمصابين ولست بصدد ذكر حيثيات القرار ومبرراته ولكن المهم ان يتم الفحص الطبي قبل الزواج في وحدات صحية تشرف عليها وزارة الصحة وفروعها في المملكة.
ويحمل القرار رسالة واضحة الى أفراد المجتمع في جميع مناطق المملكة سواء المصابة او الخالية من امراض الدم الوراثية وذلك لان افحص الطبي قبل الزواج يمكن الناس من معرفة الحالة الصحية لكل من الطرفين (العريس والعروس) وقد يكشف الفحص عن امراض اخرى غير امراض الدم كالمعوقات الذهنية والنفسية وكالامراض العقلية والامراض الجسمية الاخرى.
وان الانسان الذي يؤتيه الله الحكمة والعقل الراجح سوف ينفذ القرار برغبة ملحة في وقاية ذريته من الاخطار الصحية والامراض المختلفة وسوف لاينظر الى الوراء حيث تتراكم العادات والتقاليد السلبية التي تؤثر سلبا على مواقف بعض الناس الضعفاء والمهزومين المستسلمين لها.. كما ان الشخص العاقل سوف يسارع الى تطبيق قرار (الفحص الطبي قبل الزواج) عقليا وعاطفيا.
عقليا لان التفكير السليم يجعله مدركا للاهداف الخيرة التي يستهدفها القرار من وقاية لنسله: أولاده واحفاده وان المستوى الصحي السليم يجعلهم قادرين على النمو والتطور الجسمي والعقلي والنفسي السليم وعاطفيا لان عاطفة الابوة والامومة تتمنى للاولاد والاحفاد العافية والسلامة.
ولكن عاطفة الهوى والرغبة في الزواج من شخص معين دون اعتبار للفحص الطبي قبل الزواج هي عاطفة جارفة هوجاء قد تدفع الطرفين الى الحصول على تقرير طبي يمنح الموافقة الطبية على لياقة كل من الطرفين دون الاهتمام بمستقبل الاسرة. وقد يكون التقرير غير موضوعي وفي هذه الحالة يكون الخطر فادحا ولا يعلم اي منهما (اي الطرفين) مصير اولادهما.
ان قرار مجلس الوزراء المشار اليه فيما تقدم الزم باجراء الفحص الطبي قبل العقد واحضار وثيقة الفحص امام مأذون الانحكة او المحكمة ليكون احد مسوغات العقد مثله مثل بطاقة الاحوال او دفتر العائلة اوصك الطلاق ولكن القرار ترك حرية التطبيق للطرفين في عبارة: (مع عدم الزام اي من طرفي العقد بنتائج الفحص الطبي متى ماشاء ذلك).
اي ان وثيقة الفحص الطبي قبل الزواج امر الزامي لجميع السعوديين الراغبين في الزواج واذا تبين وجود امراض وراثية في وثيقة الفحص المتقدمة للجهة المخولة بعقد النكاح فان الامر متروك للطرفين ان شاء الخاطب وولي امر المرأة الاقدام على عقد النكاح رغم محاذير الفحص الطبي فان من حقهما اتمام عقد النكاح.
اي ان مشروع القرار المذكور جمع بين الزامية اجراء الفحص الطبي قبل الزواج وترك للناس حرية الاقدام على عقد النكاح رغم ماتبين في وثيقة الفحص من امراض وراثية فكان القرار بذلك حكيما ويبقى للناس حرية الاقدام على مايرونه.
ان افراد المجتمع السعودي الذين وصلوا الى درجة متقدمة علميا وثقافيا.. وتنامى الوعي لديهم سوف يحرصون على سلامة الاجيال القادمة التي تشكل امة المستقبل.. وقد يلعب مأذون الانكحة دورا مؤثرا في توجيه الطرفين بعدم اتمام العقد اذا حذرت وثيقة الفحص من وجود امراض وراثية.
ويجدر بي أن احيي الجمعيات والهيئات التي نشرت الوعي الصحي عن الامراض الوراثية في مجتمع الاحساء والقطيف وغيرهما ونهضت ببرامج توعية المجتمع بكل شرائحه ومؤسساته في انحاء المملكة وهم بجهودهم وتفانيهم استطاعوا ان ينقلوا قضية امراض الدم الوراثية من غرفة المريض ومن بيوت حزينة على فقدان الاولاد المصابين ومن انات المرضى الى اعلى مؤسسة في المجتمع انه مجلس الوزراء الموقر بارك الله في اعماله وقراراته. واخص بالتقدير والامتنان اشخاصا كراما بذولا الجهد وحققوا الهدف بتوفيق الله ومنهم:
الاستاذة هدى عبدالرحمن المنصور مديرة مشروع مكافحة امراض الدم بالاحساء التي كانت مصباحا منيرا بكلمتها واخلاصها وجهودها التي تكللت بالنجاح فهي رمز وطني مخلص وفقها الله.
واقدر الدور الذي اسهم في اتخاذ القرار على يد صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز ودور وزير العدل معالي الشيخ عبدالله آل الشيخ وادعو الله تعالى ان يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه..