اذا سألت لماذا اختفى ورم الطفل براندون كونور فجأة عشية العملية الجراحية التي ستجرى له فسيجد الاطباء صعوبة في التفسير.
ربما هناك مفتاح جيني بدأ يشتغل، او ربما ان هناك تشخيصا خاطئا، ولكن اسأل والدة براندون لكي تقول لك ان ما حدث هو معجزة.
كثيرون من الاطباء لا يستعملون عبارة معجزة لانها مفهوم مشحون بالمغازي الباطنية او التداعيات الدينية، ان الشفاء غير المتوقع هو مفارقة غير عادية في معتقداتهم الطبية، الا انه يحدث.
يقول الدكتور دافيد ستاينبرغ، اخصائي الاورام في مركز لاهي الطبي في برلينغتون، مساتشوستس: انك تواجد مفاجآت لان الامراض لها شخصياتها الخاصة، وبين وقت وآخر يتصرف مرض ما سيء عادة بطريقة بطيئة اكثر.
منذ أكثر من عشر سنوات تلاحظ ستاينبرغ حالات عجائبية في المستشفى وهي تشمل قصص شفاء لافتة ترفع معنويات الاطباء والممرضات.
هناك اسباب مختلفة لتحسن حالة بعض المرضى بصورة غامضة. احيانا يتعلق الأمر ببيولوجية المرض، واحيانا اخرى قد ينتمي المريض الى نسبة الواحد بالمائة المحظوظة من الناس التي تستجيب للعلاج.
وقد يعيش مريض مدة اطول مما هو متوقع بسبب سوء تشخيص تكهن له بحياة أقصر، ثم هناك حالات الشفاء التي لا تفسير واضح لها، مثل حالة الطفل براندون كونور البالغ من العمر سنتين في أطلنتا، او حالة تيم كاجماريك من بنسلفانيا الذي رمم قلبه المشرف على الموت نفسه، او حالة ستايسي بيروتا من نيويورك التي شفت من سرطان نادر سبب ورما بحجم كرة اليد في معدتها.
في حالة براندون اكتشف الاطباء ورما غريبا ينمو قرب عموده الفقري وهو لا يزال في رحم امه. وبعد خمسة اسابيع من ولادته تلقى والده النبأ السيئ: براندون مصاب بالنيوربلاستوما ـ احد اشد سرطانات الطفولة فتكا.
والجراحة خطرة في مثل هذه الحالات لأنها قد تؤدي الى الشلل. ولذلك قرر الاطباء الاكتفاء بمراقبة الورم الذي كان بحجم حبة الكرز، لان مثل هذا النمو يختفي تلقائيا في بعض الاحيان قبل ان يبلغ الطفل المصاب سنته الاولى.
الا ان براندون استمر ينمو ولم يختف الورم. وفي النهاية عندما بلغ السنتين قرر والداه كريستين ومايك كونور ان الوقت قد حان للقيام بعمل ما.
وتوجه الزوجان الى جامعة كاليفورنيا بسان فرنسيسكو حيث وافق احد جراحي الاعصاب على اجراء عملية للطفل. ولكن عشية العملية في شهر نوفمبر الماضي اختفى الورم تماما. ولم يظهر في التخطيط اي مؤشر للكتلة النسيجية الدهنية.
وتقول كريستين التي ذهلت عندما وصلها النبأ الطيب: لقد كانت هذه معجزة الهية وحدوث شيء كهذا كان شيئا سورياليا بالنسبة الينا.
ويعتقد الاطباء ان ورم براندون نيوروبلاستوما قام بانتحار خلوي ـ وهذا عمل يسعى بعض طرق معالج السرطان الى تقليده. ولكن بالنظر الى انه لم تجر خزعة فمن الممكن ان الورم كان نوعا آخر من الاورام التي تتراجع، حسب الدكتورة كاترين ماتاي، اخصائية اورام الطفولة في الجامعة.
والآن يتمتع براندون بحيوية تامة ويعيش حياة طبيعية تماما ويلهو مع شقيقه رايان الذي يكبره بثلاث سنوات.
واحيانا تشعر كريستين كونور بعقدة ذنب الناجين لحسن حظ العائلة في الوقت الذي يستمر اطفال كثيرون في معاناتهم، وقد استطاعت جمع تبرعات قيمتها 150الف دولار ستخصص لاجراء ابحاث حول سرطانات الاطفال النادرة.
اما تيم كاجماريك فان سماعه ضربات قلبه هو البرهان على انه اعطي فرصة ثانية ليعيش. فأستاذ التاريخ ومدرب كرة السلة هذا سقط ارضا داخل مركز تجارب في الصيف الماضي اثر نوبة قلبية هائلة كادت تقتله.
وبعد اجراء عملية قلب مفتوح رباعية له في مستشفى محلي تم نقله الى المركز الطبي لجامعة بيتسبرغ حيث فتح الاطباء صدره من جديد وزرعوا فيه مضخة ميكانيكية.
وعلى الفوز اخذ الجهاز يؤدي وظيفة القلب في ضخ الدم في جسم كاجماريك تاركا القلب ليستريح.. وتوقع الاطباء ان يبقى كاجماريك معتمدا على المضخة الى حين اجراء عميلة زرع قلب له.
لقد سبق ان سجلت حالات ازيلت فيها المضخة الآلية من صدر مريض القلب، الا ان هؤلاء المرضى كانوا قد عانوا هبوط القلب منذ عهد قصير. ولم يكن كاجماريك مرشحا محتملا لمثل هذا الشفا، لانه اصيب بأول ازمة قلبية له منذ عشر سنوات.
ولكن بعد مضي شهر ونصف الشهر على زرع المضخة له لاحظ الاطباء تحسنا كبيرا في اداء قلبه مما حملهم على تفكيك الآلة وازالتها من المريض.
وقال الدكتور روبرت كورموس الذي يدرس برنامج القلب الاصطناعي في بيتسبرغ ان من غير العادي نسبيا رؤية مريض مثله يشفى من ازمة قلبية كبرى. لقد كانت مفاجأة مسرة ان نكتشف انه كان لديه احتياطي قلبي كاف لشفاء قلبه وادائه بشكل حسن.
ويستعد كاجماريك الذي ازيلت مضخته الاصطناعية في شهر يوليو الماضي للعودة الى ممارسة التعليم قريبا، ولاحقا في العمل كمدرب كرة السلة انه سعيد لتوفر فرصة جديدة له لقضاء عطلته مع زوجته وابنتيه البالغتين من العمر 20 و22 سنة.
ويقول كاجماريك: انها معجزة. لا يمكن تصديق ان شيئا كهذا يحدث لانسان، وهو موجود الآن ليشهد على ذلك.
والآن، الى ستايسي بيروتا قبل سنتين اكتشفت ساتيسي كتلة غامضة في معدتها. واحيانا كانت تنبز اشبه بكرة غولف، ولكن دون اذى او الم... واحيانا تحدث الكرة صوتا اذا ضغطت عليها لكي تعود الى مكانها.
وظلت ستايس تحاول طيلة اربعة اشهر ان تتجاهل الكرة على أمل ان تختفي من تلقاء ذاتها ولكنها في النهاية، وقبل اسبوع من موعد فحصها الطبي الدوري الروتيني ـ ابلغت والدتها بالأمر.
وصلت ساتيسي الى مستشفى غوليسانو للاطفال في المركز الطبي لجامعة روشستر حيث بين التخطيط وجود ورم. وقد استأصل الاطباء الجراحون الكتلة دون ان يعرفوا ما اذا كانت سرطانية أم لا.
وجاء التشخيص مدمرا: ستايسي مصابة بسرطان نادر يصيب عادة الصبيان المراهقين ويدعى desmoplastic round cell tumor ، ويقتل حوالي 80 في المائة من المصابين.
ولم يسبق الاطباء في روشستر ان عالجوا شخصا مصابا بهذا السرطان من قبل، فراجعوا السجلات والمطبوعات الطبية وتشاوروا مع اخصائيي سرطان. وبعد ذلك قرروا المعالجة بطريقة تتضمن جرعات زائدة اضافية من العلاج الكيميائي ثم المعالجة بالاشعة.
ويقول الدكتور دافيد كورنيس، خبير اورام الاطفال انه عندما بدأ يراجع حالات تفاعل الاطفال مع هذا المرض فكر ان حالة ستايسي سيئة للغاية وانها ستواجه اوقات عصيبة.
وخلال فترة المعالجة التي دامت ستة اشهر عانت ستايسي الغثيان والحمى واحتاجت الى عدة عمليا نقل دم. واوقفت جولة المعالجة الكيميائية الاخيرة بسبب اشتداد المرض عليها.
ولكن طيلة المرحلة كانت ستايسي تنكت عن تساقط شعرها. وتقول انها لم تفكر ابدا في الموت، ولم اشعر ان وقتي قد حان لأموت.
ومع ذلك، يقول الاطباء انه لو اجلت التعامل مع ورمها مدة اطول لانتشر سرطانها الى بقيمة انحاء جسمها.
واليوم، وبعد سنتين، لا تزال ستايسي (17سنة) خالية من السرطان. وتغلبها على المرض ارغمها على ان تكبر بسرعة. وكل ما طلبته بمناسبة الاعياد هو جهاز هاتف خلوي جديد مكان هاتفها الذي تحلم به، ومعطف شتوي جديد.
واعلن مستشفى الاطفال ستايسي واحدة من الاطفال الخمسة للمستشفى في العام 2003 وهي ستتخرج من المدرسة الثانوية هذه السنة وتنوي دراسة التمريض.