في محاضرة له بعنوان (المرأة والإعلان التجاري بجمعية الثقافة والفنون بالدمام) قال د. مبارك الخالدي ان الإعلان بصفته صناعة ضخمة تضخ عبر العالم الملايين من الرسائل الإعلانية على مدار الساعة, هو منظومة من الرسل/ المرسلين يتوجهون برسائل الى مستقبلين بهدف دعوتهم الى الدخول فيما سماه مجازا, دينا, تتزامن فيه الممارسة ونيل الجزاء, لا فاصل زمني يمتد بين أفعال الطاعة والثواب الذي يعد به المرسل المستقبل. وتفاديا لسوء الفهم والتأويل لمفهوم الدين الموظف هنا, استبدله بمفهوم ثقافة الاستهلاك التي تسعى اعلانات المنتجين الى بثها وإغراء الناس الى تبنيها والتماهي معها من حيث كونها منظومة من الممارسات والعادات هي الطريق الممهد الموصل الى الحياة الرغيدة الواعدة بإشباع الرغبات والغرائز وتلبية المطالب الإنسانية المتعددة النجاح, السعادة, تحقيق الذات, حوز احترام الآخرين وتقديرهم, الشعور بالأمن, والجمال عبر استخدام مستحضرات التجميل والنحافة والجاذبية والحصول على الزوجة او الصديقة. هذان هما الثواب والنعيم اللذان تعهد بهما ثقافة الاستهلاك التي تروجها الأيديولوجية الرأسمالية بجانبها الاجتماعي عبر الصور والمجادلات والحكايات التي يتضمنها الإعلان التجاري وهو يعرض بالنص والصور فوائد وخصائص السلع التي يتم ترويجها.
وشرح د. الخالدي كلامه قائلا: وفق منطق ثقافة الاستهلاك يتزامن الفعل ونتيجته وهي نتيجة ايجابية كما يعد الإعلان المستهلكين, بان جنة الاستهلاك آنية غير مؤجلة وأصبحت تتمدد في عصر العولمة على طول امتداد العالم طولا وعرضا, ولتسهيل دخول هذه الجنة الدنيوية التي يقف على أبوابها أناس من كل الأعراق البشرية, يقوم المنتجون بتقديم اغراءات دخولها عبر البيع بالتقسيط وبطاقات الائتمان والتخفيضات التي يراد بواسطتها نشر وهم ديموقراطية السوق والحرية, الحرية التي تتعرض للانزياح من معناها القديم الأصل لتدل على القدرة على الشراء والحرية في الشراء. ان هؤلاء العمال قد اكتسبوا عاداتهم في الاستهلاك وعادات انفاق في مدرسة التعب, في زمن جعلت فيه الأسعار المرتفعة والأجور المنخفضة نسبيا من الضروري بذل كل طاقاتهم في تأمين الغذاء والملبس والمأوى.
ويتساءل د. الخالدي: هل يدعو الإعلان الى الطاعة والخضوع لايديولوجيا الثقافة الاستهلاكية؟ ويجيب بقوله: نعم!! فمنطق الإعلان او فلسفته تنهض على فكرة إغراء المتلقي على الامتثال لرسالته, أي الامتثال لرغبة المرسل وتعويد الأول (المتلقي) على الشراء المحموم لتلبية حاجات ومطالب وهمية غير حقيقية تولدت فيه نتيجة لعب الإعلان على امنياته ومخاوفه وتطلعاته واحباطاته وشعوره بالنقص والدونية وانعدام الأمن النفسي في البيت او في الشارع او في مكان العمل.
وينتقل د. الخالدي الى الإعلان بوصفه موجها للمرأة فيقول: ان فهم طبيعة الرسائل الإعلانية الموجهة الى المرأة يستدعي تركيز الاهتمام على نوعية المنتجات والسلع الاستهلاكية التي يسعى الإعلان بشكل متكرر الى توليد الحاجة الملحة اليها عند المرأة وبالتالي ضمان اقبالها على شرائها, تمثيلات وصور المرأة سواء من ناحية الأدوار التي تلعبها المرأة غالبا في الرسائل الإعلانية او الصورة المتخيلة للمرأة خارج الإعلان والمستهدفة بالإغراء.
ويستشهد ببعض الدراسات التي أجريت في هذا المجال ويقول: قبل سنوات قليلة قام الاساتذة دانيال جي. بريتل وجون كانتور من جامعة ويسكنسون بدراسة لصور وأدوار المرأة في الإعلانات التلفازية انطلاقا من دراسات مشابهة أجريت على مدى خمس عشرة سنة. وقد حددا نقطة البداية الزمنية لدراستهما عام 1985 وقد نشرت نتائج الدراسة في تقرير لمجلة الطفل الآن 1997م, اتضح للباحثين خلال قراءة وتحليل عينات إعلانية من عام 1985 انه لم يحدث أي تغير ملحوظ في تمثيلات المرأة في اعلانات تلك الفترة بالمقارنة مع صورها وأدوارها في إعلانات كانت موضع التحليل والقراءة في الدراسات السابقة.
وفقا للدراسة, حصر الإعلان المرأة بدورين تكرر ظهورها فيهما في الغالبية العظمى من الإعلانات:
1ـ دورها في المنزل باعتبارها مستخدما للمنتج والمجرد من أية سلطة وسيطرة.
2ـ دور المتحدث او الناطق بلسان المنتجات الخاصة بالاستعمال في المنزل, بالاضافة الى الأطعمة والأواني ومنتجات العناية بالجسد. كما اتضح للباحثين ان ثمة تفاوتا واضحا وعدم تساو او مساواة بين الجنسين في لعب دور المتكلم/ الراوي في الإعلانات. فقد كان نصيب الرجل 90% من مجموع المدة الزمنية للإعلانات موضوع الدراسة, وظهر بشكل بالغ الدلالة على انه عند قيام المرأة بدور الراوي في الإعلانات التلفازية فإن المنتجات التي تكلف بالتحدث عنها وسرد خصائصها وفوائدها لا تتعدى حقل العناية بالجسد وتعزيز مظهر المرأة. ولم يؤد تحليل اعلانات من عام 1997 الى اكتشاف أي تغير واختلاف هام من الناحية الكمية بين ظهور الرجل والمرأة. نال الرجل 58% من الأدوار, فيما نالت المرأة 42% اما من ناحية النوعية والمضمون فان 70% من الاعلانات التي استهدفت المرأة كانت اعلانات منتجات ذات علاقة بمظهر المرأة, مقابل 9% من النوعية نفسها توجهت الى الرجل.
وفيما استقبل 29% النساء الممثلات في الإعلانات تعليقات على مظهرهن فان 7% من الرجال فقط تلقوا تعليقات مماثلة. وقد سجل رصد تفاوت آخر بين الجنسين في النحافة: 32% من النساء في الاعلانات كن نحيلات مقابل نسبة 6% من الرجال.
وخلص د. الخالدي بعد عرض هذه الأرقام ونتائج الدراسة المذكورة الى ان الإعلان يهدف الى بث القلق والخوف لدى المرأة والرجل على السواء لكي يصبحا أسيرين للإعلان قائلا: الخوف والقلق من أفول الجمال واكتساء جلد الوجه بالشحوب وتنقطه بالبثور وتغضنه بالتجاعيد, تراكمات الشحوم تحت الجلد, مشاعر انعدام الأمن والطمأنينة جراء الخوف من زوغان عيون الزوج صوب امرأة أخرى. او الفشل في الظفر بالزوج الحلم, والخجل من مواجهة الآخرين بوجه باهت, او الرغبة في حوز رضا الزوج او الضيوف عن طريق أطباق المأكولات المتنوعة التي تقدمها لهم. تلك بعض المخاوف والرغبات والحاجات التي لا يكف الإعلان عن الضرب على وترها او ايجادها في حال عدم وجودها ليقدم نفسه واهبا مانحا الحلول عبر المنتجات المقترحة يعرضها في مرمى عينيها البعيدتين والقريبتين في الآن نفسه.
ثم يتحدث عن أهمية الممثلات في الإعلان بقوله: يشكل اعتماد المعلنين على الجميلات من الممثلات والموديلات/ العارضات وغيرهن ظاهرة لافتة للنظر, ليس في إعلانات منتجات الزينة, بل في إعلانات أخرى مثل إعلانات السجائر والسيارات والقوارب. فحسب تقرير نشرته ميديا سكوب (الانترنت) يولي المعلنون اهتماما كبيرا لمسألة الجاذبية الجسدية, مما يسبب ضغطا نفسيا شديدا لا مبرر له على النساء اللائي يجدن أنفسهن مضطرات الى التركيز والاهتمام الشديد بمظهرن. وينهي د. الخالدي محاضرته بالتحدث عن المرأة المحجبة في الإعلان ويقول: تبدو سيطرة النظرة التقليدية الى دور المرأة على طبيعة الإعلان وحمولاته في الإعلانان المختمرة, الإعلانات التي تظهر فيها الممثلات الإعلانيات مرتديات الخمار. المرأة في هذا النوع من الاعلانات رهينة المحبسين: المطبخ وغرفة النوم. وان تجاوزت حدودهما فهي اما تنظف الحمام او في الفناء تنشر او تجمع الغسيل. في أحد هذه الإعلانات وقد عرض مرات عديدة في شهر رمضان, يقف طفلان عند باب المطبخ يرويان بالكلمة ولغة الإشارة ما تفعله أمهما في المطبخ وهي تعد لفائف السمبوسة او وجبة أخرى لا استطيع تذكر نوعها. ويصف الطفلان بالكلمة والإشارات كل مرحلة من مراحل اعداد الطعام: تفردها او تبسيطها, تحشيها, تقليها. ثم يسود الصمت في المكان بعد ان يختفي الطفلان من المشهد. يدلف الأب الى المطبخ ليستطلع ما حدث. لا يرى شيئا ولا احدا, يفاجأ بصوت طفليه آتيا من ورائهما وهما يقولان: (يا كلوها). تبحث عن المرأة (الأم) الزوجة. اختفت حتى دون ان تترك أثرا في المكان, انما قد تكون تركت الانطباع عن المرأة الأم والزوجة المثالية, التي اعدت الطعام لأسرتها, وانسحبت بهدوء مؤثرة إياهم على نفسها. او ربما ذهبت إكمالا لدورها كزوجة لتستحم وتزيل رائحة القلي العالقة بشعرها وجسدها ولتتزين استعدادا للزوج. او لتبهره بنعومة شعرها ورائحته العطرة فيقرر اصطحابها في سفره الى الخارج, مثلما حدث لاحدى نظيراتها في إعلان آخر بفضل ذلك الشامبو الذي دفعه تأثيره على زوجته ان يفاجئها بدس فستانها في حقيبته, ومن طرف فستانها الظاهر من تحت غطاء الحقيبة.. تفهم الزوجة ان الشامبو فعل فعله. قد يحدث هذا لمن فردتها, ثم حشتها, ثم قلتها, لكن لم تأكلها.
ثم أفرد مقدم الأمسية القاص عبدالله السفر مساحة للمداخلات حيث تحدث الشيخ عبداللطيف العقيل عن الإعلان في القرآن وأهميته وانه يقدم إغراءات كثيرة للإنسان المسلم عليه ان يستفيد منها كما يستفيد من الإعلان التجاري.
وقال القاص مصلح جميل في بداية مداخلته أن المرأة بدأت تستبعد نوعا ما من الإعلان التجاري ولم يعد الإعلان مقتصرا عليها مستشهدا ببعض إعلانات بطاقات الائتمان وغيرها, ثم تساءل قائلا: هل الإعلان بالضرورة يستهدف الشعب السعودي وأين دور منظمات حقوق الإنسان من استهداف المرأة في الإعلان؟؟.
وأجاب الخالدي بأن الشعب السعودي ليس مستهدفا ولعل هذا أمر مضخم من قبل البعض ولم يجب بشكل كامل عن السؤال الثاني مكتفيا بالقول ان الكثير من النساء مضطرات للعمل في المجال الإعلاني.
اما الناقد محمد العباس فقد أشار الى أهمية البحث الذي قدمه المحاضر لكن لم يكن وافيا مؤكدا ان الإعلان التجاري استحوذ على الكثير من الأشكال الفنية والثقافية مثل الفن التشكيلي والاسطورة والسينما.. انها مجموعة متواليات جيرت لصالح الإعلان.