أخبار متعلقة
بعد ايام من اغلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب ابوابه وبعيداً عن عروض الترفيه والمناقشات التي تبحث عن قضية، تبين في الازمة الخانقة التي تعانيها صناعة الكتاب والمتمثلة في تقلص اعداد الناشرين وتحول الصورة عند ناشرين اخرين فهم يتقاضون مبالغ باهظة من المبدعين لقاء طبع كتبهم وارقام المبيعات تدنت بصورة لافتة. هذه الازمة ونتائجها المعلنة فرضت نفسها موضوعاً رئيسياً على الساحة الثقافية.
ويرى د. حسن فتح الباب ان الكتاب يسترد مكانته اذا تضافرت المؤسسات والاجهزة المختصة بالتعليم اولاً، ثم بالاعلام وكذلك المنظمات المدنية بمختلف انشطتها واهدافها من سياسية وثقافية وفي مقدمتها الاندية والنقابات المهنية، واذا طبقنا تجربة الدول المتقدمة التي تجعل القراءة في منزلة الواجب المقدس والضرورة الحتمية ان المرء سيشعر بقيمته ودوره في المجتمع ومن جهة اخرى يمكن اشغال بعض اوقات راكب السيارة او القطار او الطائرة او حتى الواقف في طابور، مؤكدا قوله لقد تحولت القراءة في الغرب إلى عادة تنشأ منذ الصغر فمن شب على شيء شاب عليه، كما يقول المثل وتحقق ذلك عندنا منذ سنوات في مكتبة الاسرة وقد يتحقق في المدرسة عن طريق تخصيص حصة اسبوعية للقراءة في المكتبة, داعيا إلى تقديم حصة يومياً في القراءة الحرة واهداء الكتب الشيقة للتلاميذ المتفوقين، وينبغي ان يكون من اهداف الاجهزة الاعلامية توعية المشاهدين والمستمعين بالفائدة والمتعة اللتين تحققهما قراءة الكتب والاقتناع بأن برامج التليفزيون او الفيديو لا تغني عنهما، وضرب د.فتح الباب المثل بالعباقرة الذين كان الكتاب من وسائل نبوغهم وهنا ينبغي مواصلة اصدار سلسلة الالف كتاب وتحديد سعر زهيد لشرائها، ومن البديهي ان القضاء على آفة الامية وعلى ظاهرة انصاف المتعلمين خطوة اولى واساسية، مشيرا الى ان الخطوة الثانية هي القضاء على العلل الاجتماعية وفي مقدمتها البطالة، وكذلك افساح المجال لحرية الفكر والتعبير لان الانسان الحر هو الذي يقبل على الكتاب ليتبين رأي الآخر ويحاوره.
ويرى عاطف العراقي انه يمكن تقديم مجموعة من الحلول المرحلية لحل ازمة الكتاب من جميع جوانبها، فمن المعروف ان الكتاب العربي يعاني عدداً من المشكلات. ومنها القيود الموجودة على تصدير الكتب، فالثقافة لا حدود لها ويجب فوراً الغاء جميع الجمارك بين البلدان العربية, خاصة اذا وضعنا في الاعتبار انه توجد مؤلفات كثيرة تصدر في بلدان عربية قد لا تعرف عنها باقي الدول شيئاً الا بعد مرور عدة سنوات, مضيفا ان هناك مشكلة اخرى وهي انه لا بد من تدعيم الكتاب. مشيرا الى انه لقي دعماً في الستينيات وظهرت سلاسل عديدة مثل اعلام العرب بخمسة قروش والمكتبة الثقافية بقرشين وتراث الانسانية بستة قروش وغيرهامتسائلا لماذا لا يتم تدعيم الكتاب كم يدعم رغيف الخبز؟. كذلك لا بد من توفير كل الفرص امام المؤلفين حتى لا يقعوا ضحية للناشرين فليس من المعقول ان يأخذ الناشر نصيب الاسد ولا يحصل المؤلف على شيء واذا قيل ان هيئة الكتاب تقوم بدور كبير في هذا المجال فان ذلك لا يكفي اذ توجد كتب عديدة مقدمة للطبع بهيئة الكتاب منذ سنوات ولم تنفذ كما ان الكتب التي تصدر عن مكتبة الاسرة تحكمها الشللية إلى حد كبير. ولا بد من وجود التزام لكي توجد مساحة اعلامية عند صدور أي كتاب في الصحف ووسائل الاعلام فليس من المعقول ان يدفع المؤلف او الناشر الاف الجنيهات لكي يعلن عن كتابه.
ويذهب عاطف الغمري إلى ان الطبقة الوسطى كانت هي التي تقرأ الكتاب وكان لديها تطلعات للعلم والمعرفة ولكن هذه الطبقة لم يعد لديها فائض تعتمد عليه في عملية القراءة. مشيرا الى ان هناك عنصرين اخرين لهما تأثير في حالة الركود الذي اصاب الكتاب حيث كانت مناهج التعليم في المدارس قديماً تشتمل على قراءة الكتب ذات القيمة الثقافية الرفيعة. فمن الكتب مثلا كانت كتب طه حسين والعقاد والمنفلوطي وكتب التاريخ وكان ذلك يؤدي إلى خلق حالة التذوق والتدريب العقلي من الصغر على حب القراءة اما الآن فذلك غير موجود، يتساوى مع ذلك إلغاء الانشطة التي كانت تنمي المدارك لدى الصغار منذ سنواتهم الاولى في المدارس كالمسرح والموسيقى والخطابة مؤكدا اننا اذا لم نصقل حاسة القراءة والتذوق لدى الصغار فلا يمكن ان تأتي في الكبر, فاذا اضفنا إلى هذا ما نراه من تدهور الالمام باللغة العربية حتى لدى خريجي الجامعة، واللغة العربية ايضاً هي وسيلة القراءة فاننا سنحصل على نتيجة هي ان الاركان الرئيسية التي تبنى عليها القراءة كقيمة ومتعة ليست موجودة في حياتنا.
ويقول د. عاطف خضيري ان الثقافة معلم اساسي في مصر والوطن العربي وان كتابها وفنانيها وعلماءها هم ثروتها العظيمة ولا بد من دعمهم وتشجيعهم بكل السبل مشيرا الى انه لا بد من الكشف عن المواهب ونشر انتاجهم، ويمكن للمجلات والجرائد ان تلعب دورا اكبر في نشر الابداعات الادبية والفنية وكذلك المؤسسات الهامة كمجمع اللغة العربية واتحاد الكتاب والجامعات ويمكن رصد جوائز في الرواية والشعر والقصة القصيرة والترجمة الادبية ويمكن ان ينشئ الكتاب والشعراء انفسهم دوراً للنشر كما صنع السحار بتكوين لجنة النشر للجامعيين وهو ما فعله ايضاً بعض الشعراء واساتذة الجامعات في ماليزيا مما يشجع النقاد على ان يراجعوا ما ينشر للشباب وغيرهم. واكد د. خضيري قوله انني اجد سهولة في نشر اعمالي في المجلات والكتب خارج مصر بأكثر مما اجد ذلك في مصر نفسها كما اجد في الخارج نقداً مباشراً وايجابياً لاعمالي مما يشجعني على الكتابة. مؤكدا على اهمية حفظ حقوق التأليف ولا بد للناشرين ان يدفعوا للمؤلفين عائداً مجزياً.
والمشكلة في تقدير كاتب الرحلات حسين قدري تتلخص في ان التفاحة المعطوبة تفسد قفص التفاح كله. ويقول اتصور ان الناشر يغالي ويبالغ جداً في تقدير السعر الذي يبيع به الكتاب للقارئ. قد يكون سعر الورق ارتفع إلى حد ما لكن ليس إلى الحد الذي يجعل سعر الكتاب يقفز هذه القفزة المجنونة. دور النشر تصدر الكتب الآن وكأنها تريد ان تملأ بها مخازنها، حتى مكتبة الاسرة التي تبيع الكتاب باسعار زهيدة اتصور ان اسعارها يمكن ان تكون ارخص من ذلك كثيراً، لكن ناشراً واحداً يرفع اسعار الكتاب ما يلبث ان يبيعه الناشرون الآخرون والضحية هو القارئ الذي يدفع، والواقع انه لن يدفع بمعنى انه لن يشتري الكتب بهذه الاسعار المجنونة فتركد حركة النشر ويقفل الباب امام الكتاب والمؤلفين ويعتقد قدري ان هذه المشكلة لن تحل الا بان تنشيء الدولة عشرين دار نشر مثلاً تتولى كل منها اصدار عدد من الكتب كل عام بأسعار زهيدة جداً بحيث تخلو المخازن من الكتب المكدسة وتحل مشكلة المؤلف الذي سيجد عشرين باباً مفتوحاً وليس باباً واحداً مغلقاً. اما الشاعر نبيل خالد فيرى ضرورة مناقشة ازمة الكتاب من جانبين اولهما جودة المادة المكتوبة وخاصة في دور النشر الحكومية حيث ان القنوات الفضائية صارت منافسة للكتاب. فاذا لم تكن المادة المكتوبة ذات اسلوب جيد وموضوع يهم القراء فلن يلتفت اليها احد وهذا ما حدث بالفعل مع اسهال الكتب التي تصدر من هذه الدور وللاسف فان هذه الكتب نشرت لاسباب شللية وعلى استحياء تظهر بعض الكتب الجيدة لكن القارئ الذي يشتري من النوعية الاولى سيفقد الثقة في الكتب كلها جيدها ورديئها. والجانب الثاني خاص بصناعة الكتاب ليصل إلى القارئ بسعر يتناسب مع الازمة الاقتصادية فأغلب دور النشر توقفت عن نشر الكتاب لانها لا تستطيع مجاراة الاسعار الزهيدة التي يصدر بها الكتاب في دور النشر الحكومية ويجب اعفاء كل مواد صناعة الكتاب من كافة الضرائب والجمارك لانها لم تعد سلعة مربحة بل رسالة. ان دولة بلا ثقافة يسهل اختراقها سواء من الخارج او من الداخل بدعم خارجي.