عزيزي رئيس التحرير
تتعدد المحطات التي يطوف بها الانسان في مساره اليومي من اجل قضاء حاجياته واكمال لوازمه، او من اجل ان يزيل عقبة في طريق كسبه، او لتسهيل مهمة تهمه، او فتح باب جديد يجلب له خيرا ويكسب من ورائه رزقا، ولاشك في ان هذا الطواف والتجوال يغشى كثير من الناس بمن هم حلقة وصل او واجهة او غيرها، فتنشأ وتكون العلاقات بين الاخرين، ومنها علاقة الموظف بالجمهور، او بالاحرى علاقة الجمهور او المراجعين بالموظف سواء في الدوائر الحكومية او القطاعات الخاصة، حيث تكثر المعاملات وقد تطول الاجراءات حسبما يقتضي الظرف والحال.
ولاشك في ان كل انسان حريص على وقته وجهده، يريد ان يقتصد ويقتصر بقدر امكانه وامكان الآخرين فيحقق ما يريد وينجز ما يبتغي.
فقد يتعدد المراجعون وتختلف الوان سلوكهم وطرق استفساراتهم وقدرتهم على التحمل تبعا لمقومات شخصيتهم وقوة عقيدتهم ورصيدهم من المبادئ السلوكية والآداب الاسلامية.
فمنهم من يكون مرآة تعكس حسن الخلق وسعة الصدر والقدرة على التحمل، وربما يتحفك ببعض المعاني والعبارات والالفاظ الطيبة التي لا تجدها بين السطور ولم تمر بخاطرك، فتحرك فيك الهمة وتبعث فيك روح النشاط وتزيدك حافزا وتدفعك قدما، فتلبي طلبه وتنجز معاملته، وتتمنى ان يأتيك هذا الشخص وامثاله دوما حتى يفوح المكان عطرا وتميل نفسك طربا.
وهناك صنف ثان ممن يقتصد ويقدر الزمن، فيقف عند طلبه ومعاملته، لا يميل يمينا ولا شمالا، ولا يسأل عما ليس له به شأن او علاقة وصلة، يجلس وينتظر الى حين ان يأتيه الرد والجواب، يكرمك بصمته ويجود عليك بأدبه وحسن مراعاته وتقديره للظروف المكتبية والاجراءات الادارية، لا يزيد في وقوله ولا يتجاوز في فعله، يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
وهناك صنف آخر ـ وهو مدار مقالتا هذا ـ ما ان يدخل المكتب او يقابل الموظف الا وكأن حادثا مروعا قد حدث، او جريمة قد ارتكبت، يهيج ويميج، يصول ويجول، لا يرتاح ولا يريح، يريد كل شيء في الدائرة عامة وفي المكتب خاصة ان يسمع صوته، ويلبي نداءه، لابد ان تتم المعاملة خلال دقائق، لا يعرف الانتظار ولا يملك قسطا من الاداب العامة والسلوك، فقير في تعامله، سريع في حكمه، ولا حول ولا قوة الا بالله، واليه اهدي هذه التنبيهات:
@ اعلم أخي ـ ارشدني الله وإياك ـ ان من اول اهداف هذه الدوائر والمؤسسات خدمة المواطن وتسهيل اموره ومعاملاته، وكم هي كثيرة تلك المعاملات، وكم هم كثيرون هؤلاء المراجعون، هذا ما يظهر للعامة، ولكن اعمال هذا الموظف الذي تقف امامه وتريد منه ان ينجز لك كل شيء في اقل شيء، له اعمال اخرى كثيرة تفوق ذلك، لا تعلمها انت ولا غيرك تحتاج الى انجاز وفي وقت محدد وفق جدول زمني وخطة مرسومة ومعدة من قبل.
@ ان مجرد الانتظار قليلا لا يعني اهمال معاملتك وعدم الاهتمام بها، فقد يتطلب الاجراء ذلك وربما يطول بحسب النظام، فبعض المعاملات لا يتوقف انجازها على هذا الموظف او الذي بعده، فتمهل وامهل، الهمني الله واياك الصبر.
@ لا تنتظر ان يحادثك هذا الموظف ويحاورك حتى لا تمل الانتظار وتسأم الجلوس، فهو في اشد الحاجة الى بضع دقائق ينجز ما ينتظره غيرك دون ملل.
@ لا تكثر الكلام والسؤال حول المعاملة او اي موضوع آخر غيرها، فتحكي قصة حياتك وربما قصة حياة الاخرين، او ذلك الموقف او المشهد مما لا فائدة منه ولا نفع فيه.
@ ربما يخطر ببالك ان تشتكي هذا الموظف وتنكر عليه عدم اهتمامه ولا مبالاته وقصوره في عمله، فتذهب يمينا ويسارا وفوقا وتحتا، حتى تشفي غليلك وتنتقم لشيطانك وتعاقبه على فعله هذا، فلتعلم ان مثل هذه الخطوات قد تتسبب كثيرا في احراج الاخرين او النزاع بينهم ولا تقدم لك شيئا.
@ لا تأخذك العزة بالنفس والكبرياء وتتبع خطوات الشيطان وتقول ما ليس لك به حق فتسخط وتتذمر وتسب وتسيء الظن، فكن هينا لينا في استفسارك فربما تكون المعاملة او المطلوب جاهزا لان يسلم لك.
@ هناك جانب آخر عليك اخي مراعاته والتنبه له، فان الروتين اليومي من الدوام والساعات الطوال من الجلوس على الكرسي وغيرها من الظروف المحيطة بالعمل والخارجة عنه في البيت وغيره، هذه الاشياء لا شك في انها تسبب قلقا وارتباكا في الذهن والتفكير فتؤثر على نفسية الموظف وسلوكه، فلا تكن اخي المراجع عاملا آخر يضاف على تلك العوامل.
يبقى علينا جميعا ان نؤصل سلوكنا ونهذب اخلاقنا، مرجعنا في ذلك ديننا الاسلامي الحنيف، فقد جاءت الاحاديث النبوية الصحيحة التي تدعو الى ذلك، فالكلمة الطيبة صدقة وتبسمك في وجه اخيك صدقة، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق، وليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء، واعلم ان الشيطان يجري في ابن آم مجرى الدم، وان الشيطان يئس ان يعبد في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ـ اي بين المسلمين، فلا تستجيب لداعي الشيطان ووطن نفسك وكن عند حسن الظن واغتنم الاوقات والمناسبات في مرضاة الله وطاعته وتجنب ذلل النفوس، وكن قدوة للآخرين ومصباحا يذهب ظلمة الليل ونبعا ينهل منه الاخرون.
وفقني الله واياك الى ما فيه الخير والصلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وللمقال صلة إن شاء الله.
@@ هشام بن صالح الهديب ـ فرع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد بالمنطقة الشرقية