الصورة الفوتوغرافية ممارسة جمالية للحقيقة، أي كتابتها بشكل مرئي. ومن الوجهة التعبيرية هي نص على نص، وليست مجرد محاورة تقنية بين العدسة والمادة المصورة، وعليه فهي فسحة لإشاعة الدلالات الفنية والموضوعية المتعلقة بسحرية الوجود. هذا ما حاولته الفوتوغرافيات المشاركات في معرض مسابقة التصوير الضوئي الأولى، المقامة على قاعة فندق وبرج شيراتون الدمام، في الفترة من 23/12 وحتى 28/12/1424هـ بمقاربات بصرية تراهن على كفاءة العدسة لا بدينامية الرؤية، فالصورة بمعناها الانطولوجي لم تتجسد فنيا، بقدر ما كانت عدسات الفنانات أقرب الى الأدائية في مجمل الأعمال، اكتفاء بتحقيق أعلى تقنية ممكنة، مع اقتراب نسبي من (كنائية الصورة) أو ما بات يندرج تحت عنوان (الشعرية البصرية) رغم ان موضوع المسابقة (التراث) يتيح الفرصة لتأكيد البعد الحيوي لشعرية السرد البصري.
ذلك ما قاربته مها الحرز الفائزة بالمركز الأول بالاضافة الى جائزة التحكيم، وكذلك تغريد آل شبيب باتكائهما على مفهوم (الصورة الخالصة) بتقريرية مستواها البصري، وتحويل الصورة الى ما يعرف فنيا بالحقل المفتوح، ولكن على المستوى البصري والتقني وليس وفق رؤية تحيل الصورة الى مكان يعاش بكافة الحواس، حيث بدا التناغم البنيوي بين الصورة ومرجعها الواقعي بشكل تطابقي، في دراما بصرية تعتمد في أصلها التكويني على دراسة الواقعة الجمالية وتوثيقها تقنيا، وبشكل استظهاري يحيل المعنى المتداول الى حالة بصرية محضة، ولا يتعاطاه كحياة، فيما يبدو ارتهانا الى مواضعات الضوء والظل والبعد البؤري والمنظور، وكافة العناصر الأدائية لفن التصوير الفوتوغرافي، بما هو محاولة تعبيرية لتقليد الحياة، حد التطابق بمشهديتها.
هكذا بدا مجمل المشاركات، من حيث محاولة الفنانات للتعاطي مع الصورة الفوتوغرافية كخطاب ثقافي، والارتباك الواضح أمام تماسه بجملة من الخطابات الجمالية سواء بمعناه المباشر، أو بروحه التركيبية، وعليه استندت أغلب الصور الى فكرة مركزية مبثوثة بزاوية رؤية خاصة، تقود مجمل عناصر السرد البصري، كما تنحى الصورة عند نسرين الدار مثلا، من حيث الحاحها على الدخول في المادة المصورة، وعدم الاكتفاء بمظهريتها، وتشكيل فضاء روحي، بنزعة رومنطيقية، وكذلك عند أمل حبيب حسن الذاهبة في صورها الى تبئير الرؤية، ومحاولة التدليل بمسحة صوفية على واقع آفل، أو بلمسة شعرية للحد من غلواء الموضوع، وأيضا عند صديقة الخلف التي تحاول صد الحضور المادي للمادة المصورة بلقطة ذات منزع أو معنى روحي، ولكن دون تشبيع اللقطة بمسحة حسية.
ولكن كل ذلك التصعيد التقني لم يجعل من الصور الا مجرد أوعية بصرية تختصر الواقع أو المرئي، ولا ترقى بالصورة الى ما يمكن أن يستزرعها بالمعنى، أو يحيلها الى مكان عاطفي، بمعنى أن تتحرك جملة من المدلولات المتخيلة والواقعية على المسطح التصويري في صيغة تفاعلية تتجاوز المستوى البصري، على اعتبار ان الصورة بطبيعتها تبث الدلالة دفعة واحدة، وبالتالي ينبغي التدخل في منسوب صراحتها لتكون فنا، بمعنى أن يكون للمصور حساسية اقتناص اللحظة، وتدوير زاوية العدسة، وإخضاعها لاحقا الى صيغة من صيغ (المونتاج الشعري) لإلغاء الزمن الميت، أو المتخثر جماليا من المشهد، ولإبقاء الزمان والمكان تحت سطوتها، أو استدامة أثيرية حضور المادة المصورة، بما هي حياة وليست مجرد شكل مجمد، لكن مجمل الصور لم تستبطن إلا القليل من المدلولات الرمزية في أليافها اللامرئية، ربما لأن الوعي بالتصوير الفوتوغرافي لم يتجاوز المفهوم الأدائي، لتصوير ما تستشعره الحواس وما لا تطاله العين فتنكره سذاجة العدسة أو صراحتها.
إذا فالصورة علامة تكنو ـ ثقافية، واخضاعها للمونتاج لا يعني بالتأكيد ازاحتها عن مكامن الحقيقة، أو تخفيض منسوب علاقتها بالمرئي، أو حتى ادخالها بشكل قسري في صلة تفسيرية شارحة للواقع، إنما توريطها بشكل أعمق في معادلة الوجود، بمعنى تزمين الحدث التصويري، على اعتبار أن الصورة ماضوية بطبعها، حسب القراءات النصوصية، وهو أمر لم يتوافر بشكل مقنع في مجمل الصور، خصوصا في موضوع وثيق الصلة بمفهوم (الزمنية) فالتحويرات في الأصل الواقعي محدودة، وهو أمر مرده الوعي الأفقي بفكرة التراث، ومحدودية التأمل ربما، أو تعاطي الموروث عموما كفكرة بصرية محضة، أو نوستالوجية أحيانا، كما بدت في المناظر التسجيلية والتوثيقية عند ندى الخليفة وزينب الأسود حيث الرهان على القيمة الشكلية على حساب الدلالة، بواقعية فارطة تزدري المجاز ولا تقر المسافة التمويهية بين الصورة ومرجعها.
أما في الصور المعتمدة على لقطات (الكلوس أب) كما تبدت بصراحة عند ايمان آل خليتيت وسوسن البحراني، فالتجسيد الاستظهاري للقيم المرتبطة بالأماكن والأزمنة يبدو واضحا، ومثبتا في شبكة سياقية ونصية لا تأبه كثيرا لأهمية المهاد الحاضن لثيمة العمل المركزية، بما يعني استخدام الكاميرا كمعادل بصري للعين، وليس كمكافىء لمزدوجة الحسي والذهني، فالعدسة مجرد عين تتلفت الى الوراء بحنينية ولكن دون أحاريك حسية يمكن عبرها استدعاء الحضور الطيفي للمصور في فضاء الفوتوغرام، وهكذا تبقى الصورة مجرد محاولة للتدليل على مكان أو زمن آفل، يقوم على تناسق الوحدات بمورفولوجية مسكوبة ضمن أنساق جمالية، ولكن دون تحليل للقيمة الشكلية أو الشكل نفسه من حيث علاقته بالفضاء.