أخبار متعلقة
الرائد الاستاذ عبدالله بن خميس ليس رائدا في الشعر فقط ولا في دراسة الأدب الشعبي وحده ولا في العمل الاداري فحسب ولكنه ايضا رائد من اوائل رواد العمل الاعلامي في بلادنا، خاصة في مجال الصحافة، عندما اصدر في بداية حياته العملية مجلة (هجر). وكان حينها مديرا للمعهد العلمي بالاحساء، ولم تكن تلك البداية سوى اولى الخطوات في طريق الصحافة، التي منها الكثير من جهده وماله ووقته، في زمن كان العمل الصحفي فيه من اصعب الامور واكثرها معاناة، لأنها كانت تحتاج الى ارادة قوية لا تتوافر الا لدى القلة من العصاميين الذين حققوا الريادة وفي مجالات عديدة، وبروزا فيها بشكل يستحق الاعجاب. ويقول الاستاذ محمد القشعمي في كتابه (البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية ـ (1) المنطقة الشرقية): وتولى رئاسة تحرير (هجر) الاستاذ عبدالله بن خميس وسكرتارية التحرير عبدالله شباط و(هجر) مجلة أدبية يصدرها النادي الأدبي بمعهد الاحساء العلمي، ـ العدد الاول ـ السنة الاولى ـ محرم 1376هـ اغسطس 1956م طبعت في مطابع المصري في بيروت، وثمن النسخة ريال واحد.
ومن هجر كانت الانطلاقة في عالم الصحافة، اذ اصدر مجلة الجزيرة عندما استقر في الرياض بعد انتهاء فترة عمله مديرا للمعهد العلمي في الاحساء، وهو المعهد الذي تخرج فيه اعلام الأدب والشعر والصحافة المعاصرون في الاحساء.
وفي كتابه (نبآت ونبوات) يقول الدكتور محمد العيد الخطراوي عن ابن خميس: وتقرأ في تاريخ الصحافة فتجد اسمه في أول القائمة، فهو من الرواد حين كتب في الصحف الموجودة آنذاك، على طريق طموحاته، وهو من الرواد حين اصدر جريدة الجزيرة، ابان صحافة الاشخاص، وزمان الفرسان حمد الجاسر، ابن خميس، احمد السباعي، احمد عبدالغفور عطار، عبدالفتاح ابو مدين، عبدالمجيد شبكشي، وغيرهم.
لم تكن الجزيرة في بدايتها جريدة، بل مجلة تحولت الى جريدة في عهد المؤسسات الصحفية. وخير من يلخص سيرة ابن خميس الصحفية هو الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في كتابه (صفحات وثائقية من تاريخ الاعلام في الجزيرة العربية) اذ يقول:
ولم يكد ابن خميس يستقر في الرياض، عائدا من مكة المكرمة والاحساء ليصبح مديرا لكليتي الشريعة واللغة العربية سنة 1376هـ، ثم مديرا عاما لرئاسة القضاء سنة 1379هـ، حتى داعب خياله تحقيق حلمه القديم باصدار مجلة شهرية اخرى، تعنى بخدمة الأدب والثقافة في الجزيرة العربية، وتشد من ازر شقيقتها (اليمامة).
ومن دارته في شارع الخزان بالرياض اشرقت الفكرة، بتشجيع من محبيه وزملائه وتلامذته الذين كانوا يلتقون عنده كل مساء، ومن بينهم عثمان الصالح وعبدالعزيز المسند ومحمد ابن عبدالله المسيطير (الشاعر) وعبدالرحمن المعمر، كما عمل معه في التحرير كل من: علي العمير وعبدالعزيز الربيعي ومحمد بن عباس ومحمد الحمدان وابراهيم السيف وغيرهم.
ومع انتقاله الى عمله الجديد وكيلا لوزارة المواصلات، اسند ادارة التحرير وسكرتاريته الى بعض تلاميذه الصحفيين، مكتفيا بالاشراف العام عليها بوصفه صاحب الامتياز واستمر في كتابة افتتاحياتها.
ثم استمرت الجريدة في الصدور بانتظار مدة اربع سنوات حتى توقفت مع صدور العدد السادس من السنة الرابعة، جمادى الاولى 1383هـ، مفسحة المجال لتطبيق نظام المؤسسات الصحفية الجديد حيث كان مجلس الوزراء قد قرر الغاء الامتيازات الفردية للصحف السعودية، وتحويلها الى مؤسسات تشارك في ملكيتها وادارتها مجموعة من رجال الصحافة والثقافة والاعمال، واثر ذلك توقفت (اليمامة والجزيرة والقصيم والبلاد وعكاظ والمدينة المنورة والندوة والرائد وقريش والرياضة) ثم اصدر نظام المؤسسات الصحفية في 24/8/1383م.
وبصدوره، دعا مؤسس (الجزيرة) مجموعة من كتاب مجلته ومن رجال الثقافة والاعمال الى اجتماع عقد في احدى امسيات شهر رمضان المبارك في دارته الجديدة في شارع جرير بحي الملز بالرياض، وتقدموا بتاريخ 14/9/1383هـ بطلب الى وزارة الاعلام وقعه ثلاثون مؤسسا (يمثلون ضعف الحد الادنى لقيام أي مؤسسة صحفية بموجب النظام في ذلك الوقت) لانشاء مؤسسة تصدر جريدة يومية تحمل الاسم القديم نفسه (الجزيرة) ومجلة شهرية باسم (المجتمع) فوافقت الوزارة بتاريخ 10/11/1383هـ.
وقد صدر العدد الأول من (الجزيرة) صباح يوم الثلاثاء 20/2/1384هـ ـ 30/6/1964م، وحدد عبدالله بن خميس وعبدالعزيز السويلم في الصفحة الاولى سياسة الجزيرة في عهدها الصحفي الجديد، واستمرت تصدر (كل يوم ثلاثاء) بشكل اسبوعي ولمدة ثمانية اعوام ونصف العام، حتى سمحت لها الظروف بالصدور يوميا بدءا من يوم الاربعاء 12/8/1393هـ ـ 20/12/1972م.
وقد اورد الكتاب الوثائقي الذي اصدرته مؤسسة الجزيرة الصحفية يوم الثلاثاء 19/11/1417هـ ـ 18/3/1997م تفاصيل اوسع عن قصة صدور الجزيرة (الأم) وقيام المؤسسة الصحفية التي اقترن اسمها، بعاطفة وحميمية، مع عبدالله بن خميس.
المحطات الاعلامية
ـ الأولى: عضوية المجلس الأعلى للاعلام.
ـ الثانية: برنامجه الاذاعي الشهير (من القائل).
ـ الثالثة: مطابع الفرزدق.
حدد ابن خميس الخط الامثل للصحافة بقوله: (ان الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والانانيات والنعرة الطائفية صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود).
ابن خميس والزيات
ويبدو ان عبدالله بن خميس، الذي تأثر بمجلة (الرسالة) وبأسلوب صاحبها أحمد حسن الزيات الذي كان على صلة وصداقة وأدب، وكانت مجلته (الرسالة) هي المفضلة والصديق له من بين سائر المجلات.
ازدهار العمل الصحفي
ويشيد محمود الرداوي بدور ابن خميس في الحركة الصحفية السعودية وبدور مجلته الشهرية في ازدهار العمل الصحفي اولا، وفي خدمة قضايا المجتمع، والارهاصات التي كان يستشرف بها المستقبل الأفضل، ويقول: (انه يعي جيدا اهمية الصحافة في نهضة الشعوب، وفي غرس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية، وكان يعي انها وجه من وجوه الفكر المعاصر ولون من الوان الثقافة، وانها اصبحت علما من العلوم كما هي فن من الفنون..).
قضايا اجتماعية وسياسية
واذا تصفح الباحث في (فواتح الجزيرة) والمقالات الصحفية التي كان يحررها في مجلته، يجد ان ابن خميس قد تبنى قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة ومهمة وفي مقدمتها شؤون فلسطين، كما افسح المجال واسعا للقلم النسائي بالتوقيع الصريح ولمناقشة قضايا المرأة، وقاد حملات صحفية جريئة من بينها موضوعات الزيت والماء وشؤون العمل والحفاظ على الهوية الاسلامية والعربية للمجتمع بأسلوب ينبض بالصدق والحماسة والوطنية والاصالة والتراث، ولقد قال لي ذات مرة: انه كتب في موضوعات المياه ما يصل حجمه الى كتاب، ويظل كتاب (فواتح الجزيرة)، رغم مرور عقدين على جمعه واصداره يتجدد ويزداد قيمة ووزنا، وان كان لا يتضمن كل المقالات التي كتبها في مجلته بسبب جرأتها.
ولم يكن ابن خميس ناقدا اجتماعيا وسياسيا وأدبيا فحسب، لكنه كان منظرا اعلاميا، يدعو لقيام صحافة ناضجة تسيرها الافكار المستنيرة، وتحررها الاقلام النزيهة الواعية المتحررة من الاهواء، والمبتعدة عن الاغراض، ذات الفقه السياسي والثقافي والاجتماعي، المدركة لمصائر الامم والعالمة برسالة الصحافة ودورها البناء، (فواتح الجزيرة ص368).
ان عبدالله بن خميس الذي كتب الكثير، وعاش هموم أمته، ودافع عن آمالها بفكر واع ومعايشة وطنية صادقة لشؤون المجتمع وقضاياه، لايكتفي بالتعبير النثري عن آرائه، وتقديم امثلة حية لزملائه وتلاميذه في كيفية الكتابة والمعالجة بل يطرح نماذجه بأسلوب شعرى مبتكر.
قصاصة