إن كنت محاطا بمجموعة من القرارات والمهام ومازلت تصر على القيام بها وحدك، وتشعر بالتردد الشديد لقبول من يحل مكانك ويصيبك الهلع إن مرت ورقة موقعة دون أن تراها، ويبدو عليك الارهاق والتشتت، ولا تسمح لمنفذ واحد أن يمر عبره هواء نقي من آراء الآخرين واقتراحاتهم فأنت بلاشك سوبرمان أي بطل خيالي يدعى المدير الخارق لأنه يعيش وكأنه وحده القادر على إنجاز أي مهمة. ومن منا لا يتمنى إدارة ناجحة، ولكن ماذا عن شركائك في هذه المؤسسة! أليس من حقهم الشعور بالانتماء إليها! وكيف يحدث ذلك وأدوارهم مهمشة وصلاحياتهم مكبلة، وإحساسهم بالثقة منك منزوع كليا!!
الادارة الناجحة مقياس حقيقي لقدرة الفرد على التعامل مع كثير من الأمور بسياسة وقدرة وذكاء. ومهما كانت قدرتك عالية على أداء كثير من المهمات إلا أنك لن تستطيع مهما كنت موهوبا أو ملتزما أن تحقق الأفضل في كل ماتريد بنفسك إذ أن استغراقك في أداء كل المهمات ماهو إلا عملية تشتيت للذهن، وهدر لمزيد من الطاقة العصبية وقد لا يثمر العمل في النهاية الحصاد الذي تنتظره، لأن نجاح عمل سيكون على حساب عمل آخر. لذا فإن مهارة القيادي الناجح تبدأ من قدرته على التفويض فهي مهارة تتطلب الخبرة والثقة بالنفس والأهم الشعور بالأمان. وغالبا مايتهرب كثير من المديرين من ذلك خوفا من تعرضهم للنقد، أو عدم قدرتهم على اختيار الاشخاص الجديرين بمنحهم الثقة، أو ربما شعورهم بأن هذا التفويض قد يفقدهم القدرة على السيطرة، وأحيانا قد يكون تكاسلا في تدريب هؤلاء الموظفين على أداء الأعمال ومن ثم الخوف من المجازفة بالتفويض.
يقول BRIAN TRACY في كتابه القيادة الفعالة (فوَّض الشخص المناسب للوظيفة المناسبة، وفي الوقت المناسب وكن مستعداً للتغيير السريع) فالتفويض عملية تكامل لا عملية تضاد، فإذا كنت تقضي كل وقتك في أعمال يستطيع غيرك القيام بها، فأنت تسير في الاتجاه العكسي للإدارة (المركزية). وكما قلنا التحدي في هذه المهمة هو كيف تقوم بالتفويض ولمن؟
إن التفويض يعتمد أولا على دراسة دقيقة للعاملين في المؤسسة وتحديد مدى قدراتهم فأنت لاتفوض مهمة كبيرة لشخص غير ملتزم في مواعيد عمله ثم تشتكي إهماله، ولا لموظف ذي قدرات ضئيلة ثم تفاجأ بما ينتجه. يقول المؤلف ذاته: (فوض المسؤولية فقط للذين أظهروا قدراتهم على تدبرها) وهذه القدرات: 1. أصحاب قدرات قصوى: وهم يملكون الخبرة الكافية والقدرة على القيام بالمهام.
2. أصحاب قدرات متوسطة: وهم يملكون خبرة معتدلة ويحتاجون إلى الدعم والمساندة من وقت لآخر.
3. أصحاب قدرات قليلة: وهم يملكون خبرة قليلة ويحتاجون إلى الكثير من الإعداد والتدريب والتشجيع وغض الطرف عن تقصيرهم.
4. المحترفون: وهم يملكون خبرة فذة وعالية، وهؤلاء هم أهل الطوارئ والأزمات وقد يكونون من غير موظفي المنظمة أي يحتاج إليهم عند الحاجة. وحينما تدرك هذه القدرات جيدا سوف يكون من السهل عليك اختيار الاشخاص المناسبين ووضعهم في أماكنهم المناسبة.
غير أن مهمتك لاتنتهي عند هذا الحد فالمتابعة هي المؤشر الحقيقي لإنجاح عملية التفويض، ولكن احذر من إشعار الموظف بأنه تحت سلطة عدساتك فتدفعه ليؤدي العمل بروح من التردد وعدم الثقة فيما ينجز. وقد حددت بعض الدراسات الآلية الفعالة لإنجاح التفويض من خلال النقاط التالية:
@ توفير الثقة الكاملة للمفوض إليه وتحديد مهامه وشرحها بوضوح كتابيا.
@ اختيار المهمة المناسبة لقدرات الموظف والتي يشعر بالمتعة في ادائها.
@ تدريب الموظف على القيام بالمهمة الموكلة إليه.
@ متابعة الموظف من خلال التقارير ومدى جودة الانتاج من وقت لآخر.
@ مكافأة الموظف في حال إنجاز العمل كما ينبغي.
إن أهم مزايا التفويض الناجح هوالتفرغ لأداء مهماتك الصعبة بمنتهى التركيز والفعالية، بل أنه يخلق لديك بيئة تنافس خصبة بين العاملين ويزيد من انفتاحك أكثر على قدرات جديدة لموظفيك وإبداع أكبر لأفكار مبتكرة. وبشكل خاص سيكون لذلك أثر بالغ في رفع حالة الموظفين المعنوية وثقتهم بك، ولا ننسى أيضا أهمية المشاركة في اتخاذ القرار والاستفادة من الخبرات مما يجعل المناخ التعاوني بين أفراد المؤسسة جزءا من هيكلها التطويري والتنظيمي. وفي المحصلة فإن انتاجك يزيد وقدرتك على وضع استراتيجيات أفضل لمؤسستك سيكون أكبر. ولكن تذكر عزيزي المدير أن الصلاحيات تفوض ولكن المسؤوليات لاتفوض.