حين سمع صاحبنا كلام ذاك الذي يصفونه (بالمفكر) امتلأ غيظا واجتاحته حمى من الغضب الجارف على هؤلاء الذين ما ان سمعوا وضعهم بالمفكرين حتى راحوا يسخرون من الناس ويستصغرون عقولهم، ولم يجد دواء لتلك الحمى الا ان يذهب الى دواوين الشعراء لعله يجد فيها مايغسل غضبه من ماء احترام الناس وتقدير عقولهم وكان من سوء حظه ان اول ديوان سمعه هو ديوان صلاح عبدالصبور (الناس في بلادي).
(الناس في بلادي جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة المطر
وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجأشون لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتي نقود
ومؤمنون بالقدر.. الخ)
حين سمع هذا الكلام من صلاح عبدالصبور راح يسب الشعراء ويشتمهم بأقبح الشتائم، ويود لو ان صلاح عبدالصبور امامه اذا لمزق ديوانه بين عينيه قائلا له: لماذا حصرت هذه الاوصاف بالفقراء حسب قولك (وطيبون حين يملكون قبضتي نقود؟) الم يكن الاثرياء الذين يتكبرون ويسحقون الفقراء بأحذيتهم اولى بهذه الاوصاف الجائرة؟!
اغلق فم ديوان صلاح، والقى به وبالدواوين الاخرى عرض الحائط، وراح يسمع نشرة الاخبار وكانت المذيعة الفضائية غارقة في الضوء والاناقة الى حد ان ثمن فستانها يعادل دخل كل الكتاب في ثلاث جرائد يومية وسمعها تقول:
قتل سبعون وجرح مئة وثمانون، اغلبهم من النساء والاطفال في هجوم للجيش الصهيوني على احدى مناطق الارض المحتلة.
قتل اكثر من خمسين الفا في زلزال ضرب ايران وقد تهدمت المدينة كلها على ساكنيها وكانت كارثة مروعة وتفضل الشعب الامريكي بارسال مساعدات.
قتل عشرة اشخاص على الاقل وشرد الالاف من جراء فيضان في الصين ومازالت الامطار مستمرة والرياح العاصفة على اشدها.
اجتمع وزراء الخارجية العرب واختلفوا على كل نقاط جدول الاعمال المطروح امامهم اما بخصوص جامعة الدول العربية فقد صرح عمرو موسى بانها مفلسة.
حين سمع هذا القتل وهذا التشرذم اقفل التلفزيون وذهب الى النوم لان الكوابيس اهون من نشرة الاخبار.