عزيزي رئيس التحرير
منذ نشأتي تكونت لدي نظرة ثابتة عن بعض المبادىء في التربية وبعض القناعات عن تربية النشء والمراهقين التي تفيد بأن نجعل جميع الوسائل الاعلامية بشتى أنواعها أمامهم وعدم منعهم من أيها بدون مبرر وذلك بعد غرس المفاهيم الأولية لديهم من الثوابت الدينية والفكرية والمفاهيم والمبادىء التي يجب أن يقيموا بها كل ما يأتيهم عبر تلك الوسائل ليقرروا بعدها قبول ما يأتيهم أو رفضه.
وتمشيا مع ذلك يمكننا ترك النشء مع أصدقائهم في زمن يستحيل علينا فيه معرفة كل صغيرة وكبيرة عنهم ونستطيع أن نتركهم أمام الانترنت والقنوات المختلفة يختارون ما يروق لهم ـ ولن يروق لهم إلا ما تفرضه عليهم رقابتهم الذاتية لهم ـ ولا نفرض عليهم مشاهدة ما نريده لهم ونحن نعلم أن بإمكانهم التمرد على ذلك بطرقهم الخاصة.
هذه الطريقة في التربية قد لا تروق للكثير منا ولكنني أؤمن بجدواها وقد رأيت الكثير ممن نشأ عليها تكونت لديهم الشخصية المتوازنة والتي تمتلك الرقابة الذاتية على نفسها.
هنا لا أنفي رقابة الأهل كليا ولزوم إعطاء النصيحة وابداء الرأي للأبناء بين حين وآخر ولكن بطريقة مدروسة ومتوازنة مع الرقابة الذاتية للناشىء طفلا كان أم مراهقا.
ومع ذلك هناك ما هو مهم أيضا.. فمع قبول مثل هذه النظرية في التربية ينبغي التذكير بوجوب مواجهة مصادر البت لمنعها من التمادي في العبث بعقول وقيم المجتمع.. وهنا أود التذكير بالقرار الذي صدر قبل أشهر في الصين عن منع اذاعة بعض الاعلانات التي تتضمن (الفوط النسائية، المراهم الشرجية ومعالجة البواسير..) عند قراءتي لهذا الاعلان لم تكن لتتبادر الى ذهني مسألة التربية وانتقاء الناشىء المادة المقدمة عبر التلفزيون بقدر ما تبادر الى ذهني مسألة الحقوق الواجبة على وسائل اعلامنا نحو المجتمع، ومراعاة هذه الوسائل لنفسية المتلقي وعدم بث ما يتعارض مع ما يقبله المجتمع أن يبث.. على العموم، تبادر الى ذهني الصورة الخاطئة التي قد تصل الى المراهق الذكر جراء ما يبث عبر الاعلانات (التلميحية) الخاصة بالفوط الصحية والتي لا تعطي الصورة الكاملة للموضوع بطبيعة الحال ولكنها تبث بعض الايحاءات التي يكون منها المراهق صورته المشوشة أيا كانت هذه الصورة، تماما مثل الثقافة الجنسية المكتسبة من الشارع ومن القيل والقال.
ما الذي يحدث اذن لو قسنا بنفس المقياس على نوعية جديدة من الاعلانات اعتمدت تقنية ثلاثية الأبعاد في التصميم ـ ولا أعتقد ان هذه الطريقة الجذابة ستكون بمنأى عن أطفالنا ـ للتسويق (لمنتج ما) بتصويرها (نماذج مجسمة) من أجل حياة زوجية سعيدة..! والفهم عليك أخي الكريم لما قد يصممونه من نماذج واشكال ونتائجها على وعي المتلقي.!
هل تنفع الآن النظرية السابقة وحدها فيختار الناشىء/ الناشئة تغيير المحطة تلقائيا لان الاعلان يتعارض مع ما يجب أن يراه؟ لكن ماذا بوسعنا أن نفعل تجاه ما يبث عبر الفضاء المفتوح؟
هل يجب منع مثل هذه الاعلانات؟
هل الأغلبية الساحقة من أولياء الأمور في مجتمعنا يوافقونني الرأي أم أن اعتقادي خاطىء؟
وان كان منعها متفقا عليه، فمن الملزم بمنعها..؟ هل تبادر الشركات الى تغيير نوعية اعلاناتها الى نوعية (مهذبة) أم ان على محطاتنا العربية الموقرة أن تمنع بث هذه الاعلانات ذات المردود المادي المغري؟
لا أعتقد بأن تشفير المحطات المشبوهة بالأرقام السرية يعد حلا مناسبا. لاسيما ان هذه الاعلانات اقتحمت حتى المحطات الاخبارية.. انه أمر محير فعلا.
@@ سامي آل عبدربه ـ الجبيل الصناعية