أحدى النتائج المؤكدة عندما يتوجه 4ر3 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع أن الرئيس القادم للسلفادور سيكون "فلسطينيا"، وذلك لان المرشحين الرئيسيين في هذه الانتخابات وهما أنطونيو السقا من التحالف الجمهوري اليميني الحاكم "أيرنا" وشفيق حنضل من جبهة التحرير الوطنية فارابوندو مارتي اليسارية المعارضة"أف أم أل أن" ينحدران من عائلات هاجرت إلى السلفادور من فلسطين.
لكنهما مختلفان إلى حد بعيد حيث أن السقا "39 عاما" هو رجل أعمال ومقدم برامج إذاعية سابق وحنضل الذي كان رئيس مجموعة حرب عصابات في وقت ما لا يزال متشبثا بالنهج الشيوعي المتشدد حتى بعد ان بلغ من العمر 74 عاما. ومرة أخرى تواجه السلفادور "5ر6 مليون نسمة" خيارا صعبا بين نقيضين مما يرجع صدى الانقسامات التي شابت الحرب الاهلية الوحشية خلال حقبة الثمانينات. وخلال الصراع إبان الحرب الاهلية كان التحالف الجمهوري اليميني"أيرنا" حزبا يضم كبار ملاك الاراضي والبرلمانيين من ذوي النفوذ بينما كانت جبهة التحرير الوطنية جماعة تضم رجال حرب عصابات تشن حربا ضد الحكومة. وفي نفس الفترة كان السقا الذي يتقدم سباق الرئاسة"حصل على تأييد 37 في المئة في استطلاعات الرأي" طالبا يدرس الصحافة ومحررا رياضيا.
أما حنضل ويأتي في المرتبة الثانية "حصل على تأييد 31 في المئة من الناخبين في استطلاعات الرأي التي تسبق الانتخابات" فكان قائد جماعة مسلحة تخوض حربا ضد الجيش الذي كان يحظى وقتئذ بمساندة أمريكية.
وقد أودت الحرب الاهلية في السلفادور بحياة 75 ألف شخص وخلفت وراءها الدمار والخراب في البلاد،الا انها انتهت في عام 1992 بمعاهدة سلام أبرمت بين جبهة التحرير الوطنية فارابوندو مارتي اليسارية والحكومة. وكان التحالف الجمهوري اليميني "أيرنا" موجودا بالفعل في السلطة عندما انتهت الحرب وبعد 15 عاما من ذلك فان العديد من مواطني السلفادور سئموا من حكمه الذي فشل في التوصل لحل ناجع لاكبر مشكلة تواجهها البلاد وهي الفقر. ويسجل للتحالف الجمهوري اليميني أن الاقتصاد أصبح أكثر استقرارا وشيدت جسور جديدة وجرى تحديث شبكة الاتصالات الهاتفية كما فتح عدد متزايد من الشركات الاجنبية المحال التجارية في مناطق محيطة بالعاصمة سان سلفادور. ولكن الحرب ضد الفقر لم تؤت بثمارها،حيث زادت في السلفادور الجرائم المتعلقة بالمخدرات وخرجت عصابات الشباب المسلحة عن نطاق السيطرة وانتشرت أعمال القتل والسلب. وعلى الرغم من ذلك فان الناخبين المعتدلين يفزعون من حنضل الذي يجدونه متشددا للغاية.
وتعهد مرشح جبهة التحرير الوطنية بإلغاء سياسات اقتصاد السوق والارتداد عن خصخصة الشركات التي تملكها الدولة والاعتراض على اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمت مؤخرا مع الولايات المتحدة.
من جانبهم يخشى رجال الاعمال من هجرة جماعية لرؤوس الاموال في حالة فوز حنضل ومجيئه إلى السلطة خاصة لانه يعرب عن إعجابه بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو والرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز.
وقال خوسيه ميجويل كروتس مدير معهد خاص بشئون الانتخابات في جامعة أمريكا الوسطي "كان من الممكن لجبهة التحرير الوطنية أن تفوز في الانتخابات لو تقدمت بمرشح آخر."
الى ذلك أصبحت الحملة أكثر سخونة مع اقتراب يوم الانتخابات. ونعت التحالف الجمهوري حنضل "بالارهابي" وردت جبهة التحرير بوصم السقا "بالفساد". وفي خضم هذا استغل مخططو الحملة الانتخابية للتحالف الجمهوري الفرصة بتغذية المخاوف المحيطة بمرشح الجبهة الوطنية حنضل ببث إعلان تلفزيوني يزعم أنه إذا فاز فان واشنطن سترحل قرابة مليوني مواطن سلفادوري يعملون في الولايات المتحدة ومن ثم ستتوقف التحويلات النقدية التي يرسلونها إلى ذويهم في الوطن. وهذا تماما هو ما يضرب الناس في الصميم لان تحويلات العاملين في الخارج تمثل بالنسبة لغالبية مواطني السلفادور حبل الانقاذ بالنسبة لهم. ويقيم معظم السلفادوريين في الولايات المتحدة بصورة غير مشروعة. وإذا ما طرد عدد ولو ضئيلا منهم فان الوضع في السلفادور سيصبح أكثر تعقيدا. ويصر التحالف الجمهوري اليميني على أن فوز حنضل سيضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة وأن المسئولين الامريكيين مثل روجر نورييجا وأوتو رايش المسئولين عن سياسة واشنطن في أمريكا اللاتينية أوصوا بالا يصوت الناخبون في السلفادور لصالح حنضل. ويقول مرشح جبهة التحرير الوطنية إنه إذا ما جرى انتخابه فانه سيسعى إلى إقامة علاقات من الاحترام المتبادل مع واشنطن وليس سياسة الخضوع. وتعهد حنضل هذا الاسبوع بسحب قوات السلفادور من العراق في حال فوزه بمنصب الرئيس. ودعي ما يقرب من 220ر1 مراقبا دوليا لمراقبة الانتخابات في السلفادور وأمرت الحكومة 17 ألفا من إجمالي 18 ألفا من عناصر الشرطة بحفظ الامن في يوم الانتخابات.
وفي بيت لحم بالضفة الغربية في فلسطين المحتلة، تنتظر عائلتان بفارغ الصبر نتائج الانتخابات الرئاسية اليوم في السلفادور، لأن كلا من حنظل والسقا ينتميان لمدينة مهد المسيح عيسى عليه السلام.
ويقول توفيق ابراهيم حنظل ابن عم المرشح الرئاسي حنظل، أنه يملك مفاتيح المنزل الذي بني عام 1880 والذي كان يقيم فيه أهل المرشح في المدينة القديمة من بيت لحم قبل ان يهاجروا عام 1924.
ويتذكر توفيق وهو تاجر في الواحدة والاربعين من العمر قائلا لقد زار المنزل حين جاء الى فلسطين عام 2000. وزار ايضا كنيسة المهد حيث تزوج والداه. واضاف انه يحب بيت لحم وفلسطين.
وخلال زيارته استقبل شفيق حنظل كضيف شرف في مقر المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله.
ويقول توفيق حنظل ان بعض العائلات القديمة في بيت لحم مهتمة بسير الحملة الرئاسية في السلفادور وتجري اتصالات بين الحين والاخر للحصول على اخبار جديدة.
ويقول ابن عم آخر للمرشح السلفادوري ميشال عيسى حنظل الذي يدير محل تذكارات، ان شاء الله سيفوز مرشحنا. سيكون يوما عظيما لبيت لحم ولفلسطين. واعتبر أن شفيق رجل يستحق الاحترام وكل بيت لحم تحبه.
من جهته يؤكد فيكتور عيسى السقا (45 عاما) قريب المرشح الاخر للانتخابات الرئاسية انه على اتصال هاتفي مستمر مع عائلته في السلفادور للاطلاع على سير الحملة الانتخابية.
وقال انني متفائل جدا في ما يتعلق بالياس. في حال انتخابه، سيكون ذلك شرفا كبيرا لبيت لحم ولفلسطين.
واضاف ان وفدا من سفارة السلفادور لدى اسرائيل جاء الى بيت لحم قبل ايام للتعرف الى افراد عائلة السقا التي هي اصغر بكثير من عائلة حنظل.
وقال فيكتور عيسى السقا انه يفكر هو ايضا بالهجرة بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي السيء في الاراضي الفلسطينية. وانتقد محطات التلفزة العربية التي لا تولي اهتماما كبيرا للانتخابات في السلفادور رغم ان المرشحين فلسطينيان، معتبرا أن ذلك مصدر اعتزاز كبير لكل الامة العربية.
وللمفارقات فإن مهى السقا، خمسينية، تدعم حنظل في مواجهة المرشح من عائلتها.
وقالت أود ان يفوز حنظل في الانتخابات لأن له مواقف واضحة في سبيل القضية الفلسطينية.
والسلفادور التي سيحكمها رئيس من اصل فلسطيني، هي للمفارقات الدولة الوحيدة في العالم، مع كوستاريكا، الممثلة لدى اسرائيل بسفارة اقيمت في القدس، بينما كل السفارات الباقية تتخذ من تل ابيب مقرا لها لأن القدس عاصمة محتلة.