اهداني الصديق العزيز اللواء (عبدالرحمن بكر ياسين الياسين) كتابه الذي صدر له اخيرا بعنوان (الارهاب.. سرطان المجتمعات المعاصرة) فتركت ما بين يدي من كتابات ملتزم بتقديمها لبعض الصحف لثلاثة اسباب:
1- كون الكاتب صديقا نشطا.. يحاول اثبات وجوده بما اصدر من كتب لها علاقة باختصاصه (الامني) وربطه بما يحيط به من ظواهر ومظاهر معاصرة.. مستخدما تجربته العملية في حقل (الامن العام) لسنوات ليست قصيرة, محاولا ارفاد هذه التجربة من خلال مطالعاته المستمرة.
2- لان قضية (الارهاب) اصبحت الشغل الشاغل للعالم.. تحاول امريكا بصفتها (القطب الاوحد) او (الشرطي الوحيد) الذي يمتلك اليد الطولى للوصول الى اي مكان في العالم بالقوة دون الاهتمام بالدول الاخرى كبيرها قبل صغيرها.. ودون الاخذ في الاعتبار دور (الامم المتحدة) و(مجلس الامن) الى حد ان احد المحللين السياسيين صرح بكل وقاحة وجرأة (ان اعضاء الامم المتحدة, ومجلس الامن موظفون في وزارة الخارجية الامريكية).
قلنا تحاول امريكا ان تجعل من نفسها المسؤول الاول والوحيد القادر على القضاء على (ظاهرة الارهاب) في العالم بترسانتها العسكرية المتطورة, والقادرة على الوصول الى اي مكان في العالم.. وفرض هيبتها, وسيطرتها حتى لو كانت اهدافها الحقيقية التي تقف خلف غزو بلدان, وشعوب العالم غير القضاء على الارهاب الذي تتخذه قناعا لاخفاء الاهداف الحقيقية التي لم تعد تخفى على العالم (المبهور - المنبهر)!!
3- لانني توقعت من صديقي (الياسين) ان كتابه سوف يكون (منهاجه) من (منظور اسلامي) بصفته مسلما يطلب منه طرح قضية الاسلام في مواجهة المغالطين والجاهلين لواقع الاسلام وتعاليمه الداعية الى (السلام) لحمة وسدى وادعاؤهم بانه (دين ارهاب).. وان المسلمين جماعات (ارهابية)... (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).
لهذه الاسباب اوليت هذا الكتاب اهتمامي. رغم ان مؤلفه ليس علما. وهو لا يدعي ذلك والكتاب يقع في (155) صفحة, من القطع المتوسط من اصدار (دار طويق للنشر والتوزيع بالرياض) في غلاف جميل.. وفاتني ان اشير الى ان المؤلف (الياسين) يحمل شهادة (الماجستير) والكتاب يحتوي على اربعة ابواب:
الباب الاول: يتمثل في النفس البشرية والارهاب.. يشتمل على ثلاثة فصول هي:
1- طبيعة النفس البشرية.
2- اختلاف التوازن في النفس يولد العدوانية.
3- صفات الشخصيات الارهابية.
الباب الثاني: ظاهرة الارهاب.. ويشتمل على اربعة فصول هي:
1- مفهوم الارهاب واهدافه.
2- الجريمة الارهابية تكسب طابع زمانها.
3- الاديان السماوية تناهض الجريمة الارهابية.
4- الارهاب والسياسة.
الباب الثالث: اهداف الارهاب وتأثيراته.. ويشتمل على ثلاثة فصول هي:
1- اهداف العمليات الارهابية.
2- حادث تفجيرات امريكا, والحرب الدولية لمكافحة الارهاب.
3- عولمة الحرب ضد الارهاب او عولمة الامن.
الباب الرابع: الاعلام والارهاب.. ويشتمل على ثلاثة فصول هي:
1- الاعلام والارهاب.
2- الارهاب والحاسبات الآلية (الكمبيوتر).
3- الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب.
هذا مع بعض الصور وفهرس المصادر والمحتويات.
وكما يلاحظ تشعب الحديث عن الارهاب والعلائق التي يرى الكاتب ارتباطها به لكثرتها لكن مالا يدرك كله لا يترك جله.. فلنا وقفات مع الكاتب هي:
الموقف الاول: هو ان الكاتب لا يعالج الارهاب من منظور اسلامي بداية ونهاية فقد لزم الحياد في بعض المواقف لتبيان جوهر الاسلام وحقيقته.. والا يكون الحديث عنه حديثا عابرا.. ولو عاد الى اهم المصادر والمراجع الاسلامية لا ستطاع ان يخدم دين الحق وشريعته السمحة.. حتى تلميحه الى موقف الاسلام كان تلميحا عابرا لم يشبعه ذلك الاشباع المؤثر على ذهنية القارئ - المتلقى مثل موقف الاسلام من الغلو والتشدد ص (22).
الموقف الثاني: استجلاء للموقف الاول فقد اشار الى رد الدارسين المسلمين على علماء النفس الاجتماعي دون ان يذكر رأيا واحدا موثقا لاولئك الدارسين المسلمين وكان الحديث عنهم عاما يفتقر الى الحجج والبراهين ص (26).
الموقف الثالث: استعمل كلمة الاشارة (هناك) وهي اشارة عامة.. وان كان يقصد بها الغرب لكن التحديد في الدراسات مطلب مهم (ص28).
الموقف الثالث: يورد بعض المعلومات دون الاشارة الى مرجع المعلومات للتوثيق ص (29) وص(38) وص (33). وغيرها.. ربما اعتمد في هذه المعلومات على قراءاته الصحافية.
الموقف الرابع: اورد في ص (41) معجم المصطلحات للعلوم الادارية والاجتماعية.. لكنه في الهامش ذكر اسم معجم آخر؟!
الموقف الخامس: اورد في ص (42) تعريف مكتب المباحث الفيدرالي (FBI) دون ان يذكر في الهامش المرجع الذي استقى منه هذا التعريف للتوثيق.
الموقف السادس: قسم الارهاب الى (فردي وجماعي ودولي) لكنه في التوضيح يتحول الارهاب الفردي الى ارهاب جماعي, لان فردي نسبة الى (فرد واحد) اما الارهاب الجماعي فيتكون من عصابة او مجموعة افراد ص (43).
الموقف السابع: كنت اتمنى على الصديق المؤلف الاشارة الى النزاع الذي حصل بين الكنيسة التي كانت تسيطر على كل شيء وبين الدولة وكانت نتيجه هذا النزاع - انفصال الدين عن الدولة وظهور العلمانية التي فرخت جماعات الخارجين من قمقم الكنيسة وظهور الرأسمالية التي ظهرت في مواجهة الشيوعية الماركسية التي كان من نتائجها تسلط (القطاع العام) الذي استحوذ على كل شيء, وحول الانسان الى مجرد مسمار في آلة الانتاج, بعد ان قتل في نفسه الشعور بالذات, وصادر حقه في الامل باحلام هلامية لا تلتقي مع الحياة والفطرة الانسانية وواقع الامور ص (49).
الموقف الثامن: ألا يرى بعض التكرار في ذكره عن الشباب الذين ارتموا في احضان بعض المنظمات.. ثم يأتي ليقول بعد عدة اسطر وتشكلت المنظمات فهل هذا التشكل في المنظمات الارهابية الذي جاء بعد الارتماء في احضان المنظمات الارهابية الاولى يختلفان ام مجرد تكرار انشائي لهما ص (50).
الموقف التاسع: الاحرى بالكاتب استعمال لفظة (تفسخ اخلاقي) لا (تحرر اخلاقي) وكذلك (موجة التيار التفسخي) للدقة ص (58).
الموقف العاشر: اشعر بان الصفتين اللتين اشار اليهما في ص (59) يلاحظ انه لم يورد الا صفة واحدة.. والصفتان ارى مكانهما احد الفصول السابقة مثل فصل (اختلال التوازن في النفس يولد العدوانية) ص (21).
الموقف الحادي عشر: لم يذكر اسم كتاب (علي الشرفي) رغم اشارته اليه.. انه مصدر سابق ص (62).
الموقف الثاني عشر: تحدث عن الاسلام من حيث كونه دين العدالة والسلام.. وتحدث طويلا الى حدما عنه دون ان يورد نصا قرآنيا او حديثا شريفا تدعيما لكلامه مكتفيا ببعض ما قاله (بسام العلي) وهو ليس حجة قوية كالآيات القرآنية والاحاديث الشريفة ص (70-71).
الموقف الثالث عشر: لامانة النقل والتوثيق كان يجب وضع رأي العميد (احمد صالح العمران) بين قوسي التضمين (..) ابتداء من بداية كلامه (ان جرائم الارهاب..) ص (102) الى نهايته (التجهيل العام) ص (103) وان يوضع رقم الهامش في نهاية آخر كلمة ص (103). والامر نفسه بالنسبة ل (راشد بيات) وكذلك بالنسبة للدكتور محمد الاصبيعي ص (105).
الموقف الرابع عشر: ذكر في ص (114) ان هجوم سبتمبر المروع اطلق عليه الرئيس الامريكي انها (حرب شنت على الاراضي الامريكية وضد الحضارةالانسانية المتقدمة وهي وجهة نظر امريكية فات المؤلف ان يذكر ان اول عبارة قالها بوش (انها حرب صليبية) وهي عبارة لا تحتاج الى تفسيرها, وتفكيك غموضها لانه بهذه العبارة يوجه الاتهام للاسلام والمسلمين.
هذه ليست كل الملاحظات التي لا تقلل من الجهد الذي بذله المؤلف لاعطاء الارهاب كل ابعاده التي تهدد الانسانية وحضاراتها وهي ملاحظات متواضعة في مواجهة جهد حاول المؤلف من خلاله استيفاء موضوع كتابه من دراساته الامنية, وروافده القرائية المتعددة.. وهذا ما يجعل الكتاب يشكل ما يمكن ان يسمى (اضافة خاصة) في مجال الارهاب, وانواعه وصفاته مع تسلسل "علائقي" بغيره من ظواهر العصر كالسياسة والعولمة والاعلام والحاسبات الآلية (الكمبيوتر) وبعض الملاحظات تتعلق بمواقف منهجية لا موضوعية.. وهي على العموم ملاحظات ليست نهائية بحيث لا تقبل كلها الجدل والنقاش مما يجعلنا نبارك الجهد المبذول الذي يذكر ويشكر.. ولو اعطى الكاتب مزيدا من عناية قائمة على مزيد من الوقت لحساسية موضوع الارهاب لاستطاع ان يجعل من كتابه مرجعا مهما للدارسين والباحثين في المستقبل.
الموقف الخامس عشر والاخير: لقد وفق في سؤاله الحساس الجيد الذي قال فيه: هل هذا يعني ان التضامن الدولي لمحاربة الارهاب سيلقي بنا على بوابة عولمة الامن؟ بمعنى ان امن الدول ستكون مفاتيحه في يد امريكا ودول حلف الناتو.. وربما لا تنسى روسيا نصيبها من مكاسب الهيمنة.. وهنا تكون العولمة قد اطبقت مخالبها ص (124).
وهذه مأساة او كارثة بدأت خيوطها في افغانستان والعراق ويعلم الله ما يخبئه المستقبل.. لقد اصبت بسؤالك يا اخ (عبدالرحمن) موجعا.. أو جرحا قابلا للفتح دون مبضع طبيب اختصاصي ماهر!!.