لا تفتك ملاحظة أن النظام العراقي السابق سقط في ثلاثة أسابيع، أما الشعب العراقي فانه لم يسقط، ولا يزال يقاوم بشراسة واستبسال رغم مضي عام على الاحتلال، الأمر الذي قلب المخططات الأمريكية رأساً على عقب، وجعل "النموذج العراقي" الذي رشحوه للتعميم في المنطقة مجرد مزحة سخيفة وسوداء!
(1)
حتى الآن، اثبت العراقيون أن لحمهم اشد مرارة مما تصور كثيرون، والأمريكيون على رأسهم، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة الأمريكية كوابيس المغامرات الفاشلة السابقة، من فيتنام إلى الصومال ولبنان. وأصبحت وسائل الإعلام تتحدث عن "الورطة" و "الفخ" و "المستنقع" و "الفتنمة" - نسبة إلى فيتنام، والمصطلح استخدمه السناتور ادوارد كينيدي.
مجلة "نيوزويك" نشرت في عددها الأخير (13/4) تقريراً بعنوان "الطريق المظلم أمامنا"، وأبرزت على الغلاف نبأ التمثيل بجثث أربعة من الأمريكيين معتبرة أنها "مذبحة في العراق"، ثم ألقت على نفس الغلاف بالسؤال الكبير: هل جعلتنا الحرب اكثر أماناً؟ - وثمة كتابات أخرى تحدثت عن الخوف الذي اصبح يهيمن على الأمريكيين حتى في بلادهم بعد أحداث 11 سبتمبر واحتلال العراق. فقد نشرت "الشرق الأوسط" في 4/1 الماضي مقالاً بهذا المعنى للكاتبة ايلين جودمان كان عنوانه "الأمريكيون يعيشون مع الخوف"، ذكرت فيه انه بعد ستة أيام من اعتقال الرئيس السابق صدام حسين قررت السلطات الأمنية الأمريكية رفع حالة التأهب إلى ثاني أعلى مستوى لها، تحسباً لهجمات إرهابية. وهو ما استصحب رفعاً موازياً لحالة الخوف، حتى تسبب صندوق أحذية كانت بداخله دمية، عثر عليه على درج إحدى المكتبات في مدينة بيوريا (ولاية اريزونا) في إخلاء المبنى من حوالي خمسة آلاف شخص.
القلق نفسه عبر عنه المعلق الأمريكي توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" (عدد 24/2). إذ رصد مظاهر الخوف التي شاعت في الولايات المتحدة، ثم ختم تعليقه قائلاً: ما فائدة إجبار أسامة بن لادن على الاختباء في كهف ما، إذا كان قادراً بمجرد إطلاقه همسات يبثها على شريط مسجل أن يدفعنا للاختباء في غرف مغلقة ومختومة؟!
في مناسبة مرور عام على احتلال بغداد (9/4) استعرض كتاب (غربيون كثيرون) ما أسفرت عنه "الحرب على الإرهاب" التي أطلقها الرئيس بوش، وتطرقوا إلى سلسلة التفجيرات التي حدثت في جزيرة بالي الإندونيسية وصولاً إلى تفجيرات مدريد، ومروراً بما حدث في كينيا والمغرب وتركيا، مضافاً إليه المحاولات التي أحبطت في إنجلترا وفرنسا، واعتبر ستيفن ميتز من كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي أنه "التمرد العالمي الأول" (ضد السياسة الأمريكية) الذي نسبه إلى تنظيم القاعدة. (نيوزويك - 13/4).
(2)
الأمريكيون في العراق يتعرضون للهجوم بمعدل مرة كل ساعة، كما يقتل واحد منهم على الأقل كل يوم. وينفق الشعب الأمريكي ما يزيد على مليار دولار أسبوعيا للإبقاء على القوات جاهزة للعمليات القتالية هناك. هذه المعلومات أوردها تقرير "نيوزويك" في عددها الأخير الذي سبقت الإشارة إليه. وحسب تقرير وكالة اسوشيتد برس الذي بثته في 8/4 الحالي فان حصيلة قتال خمسة أيام فقط - من الأحد إلى الخميس - بلغت 459 قتيلاً عراقياً (مساء الخميس أعلن أن القتلى في الفلوجة وحدها 450 شخصاً) و 38 قتيلاً أمريكيا. واختطاف ثلاثة يابانيين. أما المعارك التي سقط فيها هؤلاء القتلى فقد دارت في مختلف أنحاء العراق، من كركوك شمالاً إلى البصرة والناصرية جنوباً، مروراً بكربلاء والكوت والفلوجة والرمادي في الوسط. اعني أن مسرح العمليات كان واسعاً للغاية، وشاملاً مختلف أنحاء البلاد، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أيام الحرب التي قال الرئيس بوش انها انتهت. خصوصاً أن الرد الأمريكي كان عنيفاً، حيث استخدمت فيه القنابل العنقودية وطائرات اف 16 واف 18، التي ألقت صواريخها على المباني السكنية ودور العبادة (أحد الصواريخ أطلق على مسجد وقتل 40 من المصلين). وقد رفع ذلك من وتيرة الغضب، حتى أن بعض المدن العراقية خرجت عن سيطرة القوات الأمريكية. وهو ما حدث في الفلوجة والكوت والنجف.
والأمر كذلك، فلسنا نبالغ إذا قلنا إن العراق شهد "انتفاضة" ضد الاحتلال الأمريكي لم تكن في حسبانهم، قوبلت برد ساحق من جانب القيادة الأمريكية، التي حاولت "تأديب" الجماهير العراقية وترويعها، خصوصاً بعد مقتل الأمريكيين الأربعة في الفلوجة والتمثيل بجثثهم.
ما جرى في الأسبوع الماضي، في مناسبة مرور عام على الاحتلال، كان بمثابة هزيمة منكرة وفشل ذريع للحاكم الأمريكي بول بريمر، الذي يعمل بأوامر مباشرة من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز، الأمر الذي يعني أن الفشل الذريع منسوب إليهما أيضاً. وإذا جاز لنا ان نرصد ابرز سمات تلك الانتفاضة على الجانب العراقي، فسوف نلاحظ ما يلي:
@ أنها جاءت تأكيداً على ثبات قدم المقاومة الوطنية العراقية، التي لم يعد وارداً التشكيك في وجودها، أو التهوين من شأنها بنسبتها إلى "فلول" النظام السابق مثلاً، أو إلى عناصر القاعدة أو غيرهم "المتسللين" من الخارج.
@ أنها شهدت مشاركة فعالة من جانب الشيعة، على الأقل اتباع مقتدى الصدر، علماً بأن هناك شيعة آخرين يشاركون في المقاومة بصفتهم الوطنية وليس المذهبية. وأياً كانت دوافع الصدر، فالثابت انه بموقفه رد الاعتبار إلى شيعة العراق الذين كانوا في طليعة القوى الوطنية دائماً. من ثم فلم يعد ممكناً الآن القول إن المقاومة محصورة فيما سمي بالمثلث السني. كما لم يعد ممكناً تعميم فكرة مهادنة الاحتلال على كل فئات الشيعة، وأهمية هذا التطور لا تكمن فقط في انه يوسع من نطاق مواجهة الاحتلال. وهو الأمر الذي حرص الأمريكيون على تجنبه، عبر سعيهم الدائم إلى تسكين الشيعة وإخراجهم من ساحة المقاومة، لكنها تكمن أيضاً في أن من شأن تلك المشاركة أن تسبب حرجاً للقيادات الشيعية الأخرى التي تبنت موقف المهادنة باسم "المقاومة السلمية"، وانشغلت بمصالح الطائفة وحظوظها في السلطة عن مصير الوطن ومستقبله.
@ في هذا الصدد لا بد أن يسجل للعراقيين تجاوزهم لأسباب الفتنة وعدم استجابتهم لمحاولات إشعال نارها من قبل المندسين أو الغلاة على الجانبين الشيعي والسني. وقد بلغت تلك المحاولات ذروتها في المقتلة الشهيرة التي حدثت في كربلاء يوم ذكرى استشهاد الإمام الحسين (4/3)، وأدت إلى مقتل حوالي 80 شخصاً، وقد احبط الوعي العراقي المساعي التي بذلت لاتهام السنة بالمسؤولية عنها.
@ من الملاحظات التي لفتت الانتباه في هذا السياق أن عدداً غير قليل من ضباط الشرطة والجنود الذين دربهم الأمريكيون خلال الأشهر الماضية، انضموا إلى المتظاهرين ضد الاحتلال، ومنهم من انخرط في صد المحتلين في بعض المدن. وثمة معلومات مشجعة للغاية في هذه النقطة ليست هناك مصلحة في نشرها لأسباب أرجو ان تكون مفهومة.
@ في هذه الجولة الأخيرة من المقاومة بدا مجلس الحكم معزولاً وعلى مسافة بعيدة من المجتمع، حتى يمكن القول إن قيادة الاحتلال ومجلس الحكم أصبحا يقفان في مربع واحد، بينما يقف الشعب العراقي في مربع معاكس. وهو ما سبب حرجاً لبعض أعضائه ودفعهم إلى تعليق عضويتهم فيه، حفظاً لماء الوجه.
(3)
الانتفاضة العراقية حشرت الإدارة في زاوية حرجة، خصوصاً أنها جاءت وسط حملة الانتخابات الرئاسية. فالتراجع كارثة محققة والتقدم وإرسال مزيد من القوات كارثة محتملة، والضحية في الحالتين هو الرئيس بوش وفريق الغلاة والصهاينة المحيطون به.
يزيد من حرج موقف الرئيس بوش تلك الشهادات المتواترة التي دلت على أن الرئيس الأمريكي وهو يعلن حربه على الإرهاب في أعقاب ما جرى في 11 سبتمبر، اتجه إلى ضرب العراق وليس إلى ملاحقة أو ضرب تنظيم القاعدة، وكان وراء هذا التحول، الذي تبرز فيه المصلحة الإسرائيلية بوضوح، وزير الدفاع رامسفيلد ونائبه وولفوتيز، وهما يهوديان من الغلاة الموالين لحزب الليكود. وقد كشف النقاب عن تلك الحقيقة ريتشارد كلارك مستشار الأمن القومي في كتابه الأخير "في مواجهة كل الأعداء"، وأكدتها مستشارة الأمن القومي الحالية كوندوليسا رايس في شهادتها أمام لجنة الكونجرس يوم الخميس الماضي (8/4).
مع تزايد واستمرار المقاومة في العراق تتردد في واشنطون أسئلة مكتومة حول الذين تسببوا في توريط الولايات المتحدة في ذلك المستنقع. وإزاء كثرة أصابع الاتهام التي تشير إلى رامسفيلد وولفوتيز، والى نائب الرئيس تشيني أيضاً، فهناك اكثر من تحليل يذهب إلى ان هذا الثلاثي اصبح عبئاً على الرئيس بوش ورصيداً سلبياً في حملته الانتخابية. في هذا الصدد قرأت تحليلاً حول حرج موقف الرئيس بوش كتبته الزميلة راغدة درغام مراسلة صحيفة "الحياة" في نيويورك. وفيه رجحت ان الرئيس الأمريكي لن يتراجع عن موقفه، فهو يتمسك بـ "خير" حروبه بالعناد الذي يتميز به، وقد يكلفه ذلك مستقبل رئاسته، ويقطع عليه الحلم بولاية ثانية. فجورج بوش ضحية هوسه الديني الذي حوله أصولياً في مهمة تبشيرية. وهو أيضاً وقع فريسة لزمرة متطرفين امتهنوا الشطارة لإبهاره بالعقيدة الاستباقية، وإعمائه عن مخاطر التوأمة مع إسرائيل في حرب الإرهاب، وفي تطبيق نموذج احتلالها لفلسطين على الاحتلال الأمريكي للعراق... ثم انه محمل بأخطاء حاكم العراق المدني بول بريمر، الذي يعمل بتعليمات من رامسفيلد وولفويتز، وبمساهمة من عضو مجلس الحكم العراقي احمد جلبي. وهي أخطاء كثيرة شملت تسريح الجيش العراقي والنقص في الأموال الضرورية لتوفير الوظائف للعراقيين، وإبعاد الأمم المتحدة عن العملية السياسية واستدعائها بعد فوات الأوان، والإملاء على العراقيين بدلاً من خطب ودهم إلى شراكة، وكذلك فرض الحلول بصورة أطلقت الشكوك والازدراء، وتجاهل الميليشيات في البداية وإغلاق صحيفة "الحوزة وإصدار أوامر بالقبض على الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في توقيت غير مناسب. وأيضاً تبني الأسلوب الإسرائيلي في الاحتلال من تدمير البيوت إلى الاعتقال بلا محاكمة إلى إغلاق منطقة الفلوجة، وإدخال العناصر الإسرائيلية التي تقدر بنحو 800 إلى العراق، مما ترك لبعضها حرية التخريب باسم عراقيين أو باسم "القاعدة". - (هذه المعلومة الأخيرة جديدة وخطيرة).
شككت مراسلة "الحياة" في احتمال نجاح بوش في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذكرت أن شطراً مهماً من الجمهوريين المستقلين الذين انتخبوه عام ألفين اقسموا اليمين على أنهم لن يعيدوا انتخابه، لان هذا الشطر "مستاء من التضليل والتوريط في حرب لها ملامح فيتنام، كما انه بدأ يدرك بؤس فكر المحافظين الجدد وخطورته على أمريكا. لكنها ختمت تحليلها بإشارة متشائمة قالت فيها: لا سبب للبهجة مما قد يصيب أمريكا ويختزل عظمتها، لان ساحة تدهور العظمة الأمريكية مرشحة جداً لكثير من الانتقام" - (الحياة - 9/4).
(4)
ثمة قلق بالغ في إسرائيل من جراء تطورات المشهد العراقي. فوزير الدفاع الأسبق موشيه ارينز القيادي في حزب الليكود صرح للإذاعة الإسرائيلية في 7/4 الحالي بأن الأمريكيين حققوا فشلاً ذريعاً في العراق، وقال إن العالم حين يشاهد القصف الأمريكي العنيف لبعض المدن العراقية وتدمير البيوت ودور العبادة وقتل المئات، فلن يصدق أن الأمريكيين جاءوا لكي يقيموا الديمقراطية هناك. وأعرب عن خوفه من ان يحدث الاحتلال تغيرات استراتيجية في المنطقة ضد الولايات المتحدة وضد إسرائيل أيضاً. وقال في هذا الصدد أن توحد الشيعة مع السنة ضد الاحتلال هو في حقيقة الأمر "وصفة دمار قاتلة لأمريكا وإسرائيل".
في نفس الصباح تحدث وزير الدفاع الأسبق بنيامين اليعازر، أحد قادة حزب العمل والمولود في العراق، محذراً من تأثير ما يجري على الشباب العربي والفلسطيني والإسلامي بوجه عام، قائلاً ان نتيجة واحدة قادنا إليها الغباء الأمريكي في العراق تمثلت في سيادة ثقافة المقاومة في العالمين العربي والإسلامي. ثم أضاف ان من الأمور المثيرة للسخرية والمرارة أننا راهنا على احتلال أمريكا للعراق من اجل ان يتم اجتثاث هذه الثقافة، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، حيث اصبح الملايين من الشباب في العالمين العربي والإسلامي ينظرون إلى المقاومة العراقية باعتبارها النموذج الذي يتعين الاحتذاء به.
قال بن اليعازر أيضاً ان الولايات المتحدة التي كانت تريد القضاء على طالبان والقاعدة، تسببت في ظهور بدائل عن الاثنين تحمل رسالة اكثر إقناعا من طالبان والقاعدة، وستكون إسرائيل هي الخاسر الأكبر من جراء ذلك.
الجنرال اوري ساغيه الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي في نفس الصباح ان الطابع الديني للانتفاضة العراقية ضد الأمريكيين يعد ظاهرة خطيرة، حيث يظهر ذلك التيار الإسلامي باعتباره الوحيد في العالم العربي الذي يتحدى الحلف الأمريكي الإسرائيلي. ثم أضاف: لقد سررنا حينما رأينا تمثال صدام وهو يسقط، لكن تبين أن ذلك السرور سابق لأوانه، لان التطورات المقبلة في العراق قد تجعل إسرائيل وأمريكا تترحمان على الأيام التي كان فيها صدام حاكماً للبلاد!
الوزير الإسرائيلي الأسبق افرايم سنيه، القيادي في حزب العمل، الذي كان قائداً للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، وساهم في إقامة جيش جنوب لبنان بقيادة سعد حداد وبعد ذلك بقيادة انطوان لحد، قال إن الرهان الأمريكي على مجلس الحكم في العراق يشبه إلى حد كبير رهان إسرائيل على جيش جنوب لبنان. أضاف في تصريحات لإذاعة "عروتس شيفع" مساء 6/4 الماضي إن الولايات المتحدة اعتبرت أن نجاحها في تشكيل مجلس حكم مكون من أدوات لها يمكن ان ينجيها من "وجع الرأس"، المتمثل في انطلاق المقاومة، هو رهان خاسر تماماً بكل المقاييس. وأكد انه كما التف الشعب اللبناني حول حزب الله، واعتبر جيش لحد مجرد مجموعة من الخونة، فان أبناء الشعب العراقي عندما يشاهدون أن أعضاء مجلس الحكم يحملون أبناء شعبهم الذين يذبحهم الأمريكيون مسؤولية تفجر الأحداث لمجرد أن يحظوا برضا أمريكا لضمان بقاء وجودهم في كراسيهم، فانهم سينظرون إلى هذا المجلس كمجلس للخونة، والنتيجة أن تتحمل أمريكا تبعات وجود هذا المجلس، بحيث يصبح عبئاً عليها كما صار جيش لحد عبئاً في نهاية المطاف على إسرائيل.
الملاحظة الجديرة بالانتباه في الصدى الإسرائيلي انه بعد مظاهر الشماتة والتشفي التي عبرت عنها الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية بعد تأجيل القمة العربية في تونس، فان الانتفاضة العراقية جعلت كثيرين يعبرون عن قلقهم من انهيار النظام العربي من جراء ما يحدث في العراق. على اعتبار أن الوضع العربي الحالي هو اكثر ما يخدم تطلعات الدولة العبرية. وهو ما عبر عنه القيادي في حزب العمل حاييم رامون قائلاً ان استمرار بعض الأنظمة العربية الراهنة افضل كثيراً من تغييرها وظهور حركات للمقاومة معادية لأمريكا وإسرائيل، كما حدث في العراق، وهو ما تبناه أيضاً يعكوف بيربي الرئيس السابق للمخابرات الإسرائيلية العامة، الذي حذر من مغبة مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وما قد يستصحبه من تغييرات في خرائط المنطقة، ودعا إلى عدم إحراج الأنظمة بالضغط عليها لإحداث تغييرات داخلية، لان أية ديمقراطية حقيقية ستكون مباشرة ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
(5)
يوم الأربعاء الماضي تساءل أحد علماء المسلمين في العراق على شاشة تليفزيون الجزيرة: أين العالم العربي؟ - بعد قليل جاءه الرد. إذ في يوم السبت التالي - 10/4- نشرت صحف الصباح نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية أن قوات الأمن في تونس منعت مظاهرة احتجاج لطلاب الجامعة حاولت الخروج في ضاحية بنزرت، وان متحدثاً باسم الشرطة قال ان المظاهرة لا داعي لها لان الحكومة تقوم باللازم وتعبر عن رأي الشعب فيما يخص العراق وفلسطين. وفي اليوم نفسه نشرت "الأهرام" رسالة ضمن بريد القراء، بعث بها أحد أساتذة هندسة الإسكندرية، د. علاء يوسف، ذكر فيها انه لم يتمكن من الوصول إلى كليته ذات صباح بسبب كثافة قوات الأمن التي أغلقت الطرق المؤدية إليها، لان طلاب الجامعة قرروا إقامة صلاة الغائب على الشيخ الشهيد احمد ياسين، ثم تساءل في رسالته: كم سيكون عدد قوات الأمن لو أن هؤلاء الطلاب اجتمعوا للاحتجاج على سياسة الدولة، كما اجتمع عشرات الآلاف من الأمريكيين للاعتراض ومناهضة سياسة حكومتهم إزاء العراق؟!