يعيش مجلس الحكم الانتقالي في العراق اسوأ ايامه حاليا بعد تصدع وحدته الهشة التي كان يظهر بها طيلة الاشهر الماضية متكتما الخلافات التي كانت تدور خلف الكواليس فجاءت المواجهات الاخيرة مع قوات الاحتلال لتكشف ضعفه وتضعه في مفترق طرق اقل نتائجها تجاهل واشنطن له وتأكيد ضعفه وعجزه عن ادارة الوضع في العراق ، وعدم قدرته على كسب الشارع العراقي.
ممثل الاحتلال الامريكي الحاكم الفعلي للعراق بول بريمر اعلن صراحة ان مجلس الحكم العراقي فشل في تهدئة الازمة فاكتفى بعض اعضائه بانتقاد بريمر ويدينون ما سموه التصرفات الامريكية ضد العراقيين في الفلوجة ومدن الجنوب وتهديد اخرين بتعليق عضويتهم وإقدام عضو واحد فقط على الاستقالة.
الدليل على تفكك مجلس الحكم نقلته مصادر مقربة عنه لـ (اليوم ) كشفت ان جلسته الاخيرة التي عقدت في وزارة التجارة بعد استهداف مقره ونقل الجلسات منه انتهت بالخروج عن جادة الصواب ووصلت حد الاشتباك بالايدي والالسن بين اعضاء الانتقالي وبحضور مستشار الحاكم الامريكي بول بريمر .
وقالت هذه المصادر لقد اقدم عدد من الاعضاء على التعبير عن رفضهم للتعديلات الاخيرة وتوزيع المناصب عن طريق الصراخ والاشتباك بالايدي مما دفع رجال الامن للتدخل لوقف الاشتباكات وفض الجلسة واشارت المصادر الى ان تجاوز بريمر للمجلس وتعيينه وزير الداخلية الجديد دون استشارتهم كان من بين اسباب هذه المعركة التي نشبت مع تصاعد الاحداث في العراق .
اما الدليل الثاني فهو انسحاب عضو مجلس الحكم اياد علاوي من رئاسة اللجنة الامنية في المجلس كما انسحبت حركة (الوفاق الوطني العراقي) التى يتزعمها من جميع وزارات الدولة العراقية، احتجاجا على تعيين بريمر عضو مجلس الحكم سمير الصميدعي وزيراً للداخلية وعضو مجلس الحكم موفق الربيعي مستشاراً للامن القومي بدون علم المجلس وحتى من دون استشارته، وأن هذا قد ولد ردود فعل كبيرة لدى اعضاء مجلس الحكم ازاء هذا التصرف الانفرادي من جانب بريمر.
اعضاء المجلس الذين استنكروا تلك التعيينات برروا موقفهم المناهض لبريمر بأنه اساء تقدير الموقف ازاء احداث الفلوجة والمدن الجنوبية وهو ما دفع عضو مجلس الحكم نصير الجادرجي الى توجيه التهم وانتقاد بريمر بشكل مباشر .
الجادرجي اتهم بريمر بسلب صلاحيات مجلس الحكم عند اقدامه على اتخاذ قرارات من دون مشاورة اعضاء المجلس خاصة ما يتعلق بأحداث الفلوجة والنجف وإقالة وتعيين الوزراء.
مشيرا في رسالته الى رئيس الدورة الحالية مسعود البرزاني الى ان الحاكم المدني الامريكي انفرد باتخاذ الكثير من الاجراءات والقرارات الخطيرة دون علم المجلس وتكرر ذلك لعدة مرات. ثم ذهل لابعد من ذلك فاتهم بريمر بارتكاب أخطاء كثيرة منذ تسلمه الادارة المدنية التي من أبرزها عدم التشاور مع مجلس الحكم باتخاذ القرارات خاصة ما يتعلق بمستقبل العراق السياسي. وأضاف ان بول بريمر سلب صلاحيات مجلس الحكم من خلال اتخاذ قرارات هي من اختصاص المجلس دون ان يكون للمجلس راي فيها من أبرزها إسناد المناصب الوزارية وتسمية الوزراء.
وانتقد الجادرجي قيام الحاكم المدني باقالة وزير الداخلية نوري البدران وتعيين سمير الصميدعي بدلاً منه واعتبر ذلك (اثارة للنعرة الطائفية والمحاصصة وان ذلك لا ينفع العراق وشعبه في المرحلة الراهنة) ، كما انتقد ( الاخطاء المتكررة من قبل الحاكم المدني وإخفاقه في معالجة الازمة الحالية في الفلوجة والنجف من خلال الاسلوب والتوقيت وتلكؤه في اتخاذ الخطوات اللازمة . وطالب الجادرجي اعضاء مجلس الحكم الانتقالي الى اتخاذ مواقف واضحة من تصرفات الادارة المدنية الامريكية وتذكيرها بالمسؤولية المشتركة امام الرأي العام العراقي .
وامام التطورات السريعة والمتلاحقة في الساحة العراقية وموقف مجلس الحكم منها فان المحللين يشيرون الى ان احتمال نقل السلطة الى مجلس الحكم الانتقالي تراجع الى الخلف كثيرا بعد التصدع الذي اصاب المجلس وعدم قدرته على ايجاد حلول لما يجري في العراق ، وتباين مواقف اعضائه منها . وقد شهدت الايام الاخيرة مع تصاعد الاحداث الدامية في العراق جفوة واضحة بين مجلس الحكم الانتقالي العراقي والحاكم الامريكي بول بريمر الذي حاول استخدام مجلس الحكم في تهدئة الشارع العراقي دون منحه صلاحيات واضحة في ادارة البلاد ، وهو ما انعكس على تهديد عدد من اعضاء مجلس الحكم بتعليق عضويتهم او انتقاد السياسة الامريكية في العراق بشكل واضح تقربا من الشارع العراقي الذي صعد من رفضه للاحتلال الامريكي ، بما يهدد مستقبل مجلس الحكم في قرار نقل السلطة الذي بدا هو الآخر محل شك في الشارع العراقي بعد تصاعد دعوات امريكية غير رسمية بتأجيل نقل السلطة .
وكشفت مصادر مقربة من مجلس الحكم العراقي ان الاغلبية في المجلس ترى ان استخدام القوة المفرط ضد الانتفاضة العراقية والمدنيين في الفلوجة ومدن اخرى يهدد السياسة الامريكية في العراق ومستقبل اعضاء مجلس الحكم في هذا الوقت الخطير قبل نقل السلطة ، وانهم وجدوا انفسهم فجأة في فوهة المدفع الامريكي في وقت حرج باستخدامهم ضد التيارات الدينية في العراق خاصة تيار مقتدى الصدر الواسع الانتشار وتأجيج الخلافات العراقية - العراقية على حساب تهدئة الموقف لانقاذ الجنود الامريكان مما دفع عددا من اعضاء المجلس الى الاكتفاء بلعب دور الوسيط والتخلي عن حقهم كشريك اساسي في السلطة مع بريمر .
هذه المواقف مجتمعة ابعدت فكرة نقل السلطة الى مجلس الحكم كما سعى اعضاء المجلس الى ذلك طيلة الفترة الماضية ، الامر الذي رجح ان تقوم سلطة الاحتلال بالتعاون مع مبعوث الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي الى تعيين جمعية استشارية قد تضم 400 شخصية عراقية من احزاب وشيوخ عشائر وقادة اجتماعيين ودينيين ليتم نقل السلطة اليها فيما تقوم هذه الجمعية بانتخاب هيئة رئاسية ورئيس وزراء وتشكيلة وزارية جديدة بعد ان يتم حل المجلس ، حيث يمنح هذا السيناريو فرصة كبيرة للادارة الامريكية للتخلص من المأزق الذي تعيشه الآن في مواجهة الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال الامريكي والذي لا يبدو انها ستهدأ في القريب العاجل مع المواقف المتباينة منها من قبل اعضاء مجلس الحكم الانتقالي .