عدنان الصائغ.. شاعر متميز، ويتمثل تميزه في ابداعه المتواصل من مغتربه حيث التحم شعره بالوحشة حتى تغلغل في مسامات الغربة.. "اليوم" التقت به وحاورته حول تجربته الشعرية وقضايا اخرى:
قصيدة النثر
@ كتاباتك تنوعت بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر أيهما أقرب اليك.. ولماذا؟
- عرفت ومارست كتابة الشعر العربي باتجاهاته وبحوره وأصوله، ثم تمردت على أوزانه وقافيته التي أرى أنها مجرد إكسسوارات قد تجمّل النص أو تثقله. مؤمناً أن جذوة الإبداع غير هذا تماماً.. إنها الروح الحية في القصيدة من كثافات مبهرة وموسيقى داخلية واشراقات.. ومن هنا أرى أن لا مواصفات جاهزة لتعريف النص المبدع.. والذي يبقى دائماً مفتوحاً على جميع الاتجاهات والاحتمالات.. وأمامكِ النصوص الصوفية والنثرية القديمة، التي حملت مناخات شعرية خلاقة دون أن تتمترس بخندق شكل أو مدرسة فنية. فكل قصيدة مبدعة تحمل قوانينها وتعريفاتها ومدرستها.. حين أشرع في كتابة القصيدة، لا أدري إلى أين ستأخذني موجاتها مثل ربان ترك لرياح المعنى أن تحركه وتمضي به في دروب السيرورة. وفي هذا لذة الاكتشاف ومفاجآت النص الجديد.. ويبقى الأقرب لي دائما روح النص، بأي شكل كان.
تجديد
@ هل لنا ان نتعرف على التجديدات التي اضفتها على كتاباتك الشعرية؟
- كل شاعر يحاول أن يضيف سطراً لأبجدية هذا الكون الشعري. قد يتركُ شيئاً، يظلُّ مضيئاً إلى الأبد في كل عصرٍ وذاكرة وذائقة. وقد تمسح الريح ما تركه بعد هنيهة من الزمن. وهذا السؤال الوجودي المهم يقلق الشعراء والمبدعين في كل الأزمنة والأمكنة، ولن يجيب عنه سوى الزمن. بالنسبة لي، أحاول أن أختط لي مساراً مختلفاً إلى حدٍّ ما عمن سبقوني أو جايلوني. قد أفلح في إيجاد هذه المغايرة، أو ربما سيطويني النسيان. أنها محاولة أسعى فيها بدأبٍ ليس إلاّ، ومازال أمامي الكثير. هذه المحاولة تجسدت في بعض ما كتبته من قصائد الومضة والتوقيعات في ديوانيّ "تكوينات" و"تأبط منفى". وفي التعبير الملحمي المعاصر "في نشيد أوروك" الذي مزج الواقعي بالتاريخي بالسحري، وحشد القصيدة بالطاقة الإيحائية والشعرية إلى جانب حشدها بالمعارف الإنسانية دون السقوط في المباشرة، والابتعاد عن الغموض المفتعل. ربما أفلحت في هذا وربما لا.. الأمر متروك - كما أرى - للزمن وللنقاد وذائقة القارئ الجاد.
لماذا؟
@ بصراحة.. بعض النقاد لا يعترفون بابداعك الشعري.. لماذا؟
- ربما لأنني لست شاعراً كبيراً ومعروفاً ومدعوماً من البلاط العربي الرسمي: حكومة أو أحزاباً أو طوائف أو عشائر، فلا طاقة لبعض الكتاب والنقاد والصحفيين على تمحص المنتج وحده بجدية، ولا طاقة على استيعاب الاسم الجديد في ثقافتنا العربية ومهرجاناتنا واحتفالاتنا إلا بعد زمن طويل.. لا بأس، سأنتظر هذا الزمن! واقعنا الثقافي في أحيان كثيرة معتاد على النمطية والثبوتية والتكريس فليس من السهل لديه أبداً أن يفتح أبوابه للطارق الجديد حتى لو حمل شيئاً. إنه يحتاج إلى زمن طويل من الطرق حتى يعتاده أو يفتح بابه وأنا عنيد وجاد بهذا الطرق منذ أول قصيدة! أول قصيدة نشرتها في صحيفة الجمهورية نهاية عام( 1982)أثارت اهتمام الناقد المعروف يوسف نمر ذياب فكرس مقالته الاسبوعية عنها لكن رئيس التحرير رفض نشرها وأصر الناقد وأصر رئيس التحرير وعلى أثر ذلك غادر الناقد عمله في الجريدة إلى جريدة أخرى لينشرها هناك. وكل المشكلة والاعتراض لدى رئيس التحرير أنني شاعر شاب غير معروف أنشر نصي للمرة الأولى فكيف تكرس الجريدة عموداً كاملاً للكتابة عني. ولم أعلم هذا الأمر وقتذاك إلاّ بعد فترة طويلة لأنني كنتُ جندياً، مرمياً على سواتر الحرب بعيداً عن بغداد ومقاهيها وصحفها وأدبائها.
اغتراب
@ في قصائدك نجد أحلاماً ما زالت تبحث عن أفقها وكأنها مبعثرة وفي نفس الوقت مفعمة بالاغتراب ... وكما تقول في أحد المقاطع في ديوانك (تأبط المنفى). معنى هذا أن المنفى لم يكن ذاتيا ليقع عليك وإنما بعثر أحلامك؟
- أحاول بالحلم أن أنتصر على رتابة الواقع وفجائعه. أؤسس لي عالماً من اليوتوبيا أبحر إليه مع أوراقي وخبزي القليل، لأجد بعضاً من الراحة والمتعة بين أحراشه التي لا تذبل.
قد يكون المنفى جزءا من الحلم، أو هو اليوتوبيا الذي رحل إليه يوليسيس، بحثاً عن أثيكاه.
لم أشأ، ولم يشأ الكثير من الشعراء العراقيين أن يختاروا منفاهم بل التجأوا إليه باعتباره منفذاً أو مهرباً من القمع والكوابيس والضغوطات السياسية والاجتماعية التي تحاصرهم في وطنهم
لقد عرف المنفى شعراء وأدباء منفيين منذ فجر الكتابة، فقد نُفي الشاعر الروماني أوفيد بعد كتابه "فن الهوى" إلى مدينة توميس المهجورة على شاطئ البحر الأسود.. وما زال المنفى يستقطب المئات والمئات من الأدباء والفنانين والمفكرين.. والحلم والمنفى مترادفان، فقد يعجز الكاتب عن تغيير واقعه، فيلجأ إلى الحلم وما الفنون والآداب إلا أحلام تمشي بين الناس. والمنفى لم يبعثر أحلامي فقط بل شتت حياتي كلها. هأنا أتطلع من نافذتي في - جنوب القطب الشمالي - كل صباح إلى سحب أحلامي المتناثرة في هذا الفضاء المترامي الخيبات، حالماً بوطن حر وطاولة للكتابة. ولولا هذا الحلم كيف يمكن تجرع غصص المنفى التي عبر عنها الشاعر ناظم حكمت، صارخاً فوق ثلوج سيبريا: "يا لحياة المنفى من مهنة شاقة".
عولمة
@ ما رأيك فيما يقال ويكتب بأن الأدب العربي بانثيالاته المتنوعة مرتبط بالتحديث الجديد والذي يتضمن رؤى الفكر الأوربي وخاصة (العولمة)؟
- التأثر والتأثير الطبيعيان واردان في كلِّ شؤونِ المعرفة الإنسانية وهو أمر إيجابي يثري النتاج الإبداعي ويضيف إليه، عكس الاستنساخ والتقليد الأعمى الذي هو كسل فكري لا يمت للإبداع بصلة.. وقد مر العصر الحديث بتيارات فكرية جديدة كان لا بد للأدب العربي أن يتأثر بها ويتلاقح معها وقسم كبير من هذا التأثير كان إيجابياً أثرى الساحة الأدبية بالكثير من الأفكار المعاصرة. ولا خوف على المبدع المتجذر بأصالته وتراثه من التأثر بمناخات الثقافات الجديدة، مثلما لا خشية عليه من الاقتلاع.. يقول غاندي: "لا اريد لبيتي أن يكون مستوراً من جميع الجهات ولا أريد أن تكون نوافذي مغلقة. أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الأمم، لكني أنكر على أيٍّ منها أن تقتلعني من جذوري" ويبقى التأثر والتأثير مصطلحاً معرفياً إنسانياً حراً، لا يخضع لإشكالية العولمة والاشتراكية والليبرالية وغيرها. لندع المصطلحات السياسية للسياسيين ونأخذ من هذا التمازج الحر هدفه الإنساني والإبداعي الأسمى. عندما نقرأ ماركيز أو نجيب محفوظ أو ميلان كونديرا أو سان جون بيرس أو السياب أو المقالح أو أدونيس أو بورخس أو سترنبيرغ نتوقف عند منجزهم الإبداعي أكثر مما نتوقف عند وطن الكاتب وسكناه واديولوجيته ومعتقداته الدينية وغيرها.. ولا خوف عليهم ولا علينا من التأثر والتأثير.
تردي
@ كيف تفسر الحالة المتردية التي يعيشها المثقف في العالم العربي اليوم؟ وهل الانكسارات التي تتوالى في الوطن العربي ستؤثر سلبا على رؤى المثقفين؟ أم تتفجر لديهم رؤى مغايرة تخدم الإبداع الحضاري وتطويره في الوطن العربي؟
- تردي واقعنا الثقافي جزءٌ من تردي المشهد السياسي والاجتماعي بشكل عام. وغياب الحرية ساهم إلى حدٍّ كبير في انحسار المد الإبداعي، فالهواء في وطننا العربي الواسع لم يعد يكفي لرئة كاتب واحد كما عبر يوسف إدريس ذات مرة. وبالإضافة إلى تفشي الأمية الثقافية والقيود والهزائم والانكسارات تطفو على السطح عوامل أخرى كثيرة فنرى مثلاً أن دار نشر أوربية واحدة تعادل ما تنتجه دور النشر العربية مجتمعةً. لقد أُصبت بالدهشة والذهول قبل سنين حين قرأت إحصائية لليونسكو تقول إن معدل حصة المواطن العربي من القراءة خلال العام كله لا تزيد على 6 دقائق! وأتساءل بمرارة كبيرة: ماذا يفعل المواطن العربي في بقية السنة؟ أليس يذهب أغلب وقته في اللهاث وراء اللقمة ومتابعة المسلسلات.. هذا المشهد القاسي والمعتم لا يلغي ومضات الإبداع المذهلة التي نراها هنا وهناك وهي تتصاعد رغم الإهمال والأسلاك والتعتيم وتلفت إليها أنظار العالم يوما بعد يوم.. إنني أرى أن على المبدع أن يزيده هذا الوضع إصراراً على المضي، ولا يصيبه بالإحباط. إن الانقطاع واليأس أمر فاجع للثقافة، لكن التواصل والبحث عنصرٌ فعال، فالثقافات الإنسانية تزدهر وتنمو بالتواصل والجهد الحقيقي لذا فعلى المبدع أن يستمر ويستمر، لكي يأتي بعده مَنء يواصل مسيرته. إن رحلة الإبداع طويلة وتحتاج لإضافات تكملها إضافات أخرى، جيلاً بعد جيل.
الرمز
@ بدأ الكثير من الأدباء وخاصة الشعراء يتسلقون نحو أفق (الرمز) واعتبر بعض النقاد ذلك الرمز مجرد ألغاز ويهدف منها الهروب من مقص الرقيب لكن هذا الرمز يتصف أحيانا بعدم الارتباط بمضمون الفكرة التي يطرحها... ما رأيك في تلك الرؤى؟
- الرموز واللغة الطلسمية والغموض المفتعل، أوقع شعرنا العربي في منزلق خطير وقاده إلى دهاليز مظلمة ليست لها بداية وليست لها نهاية بحجة التجديد والحداثة، وهي قطعاً ليست كذلك..إنني أرى أن الكثير من قصائد المتنبي والشريف الرضي وأبي نواس، أكثر حداثة مما يكتبه البعض من نصوص "حداثوية" فارغة شكلاً ومضموناً وما زال الكثيرون، وخاصة التجارب الجديدة، تتخبط في هذا الأمر. إنه طريق سهل لا يحتاج سوى إلى تسطير كلمات غامضة لا يربطها رابط وحشوها برموزٍ وصور متقاطعة لتصبح قصيدة نثر، لا نجد من يتجرأ على تعريتها خوفاً من اتهامه بالرجعية الشعرية. فأصبح لها جمهور واسع من الشعراء والمريدين، وصارت لها سلطة! نعم سلطة كاملة فليس من السهل أن تقول رأيك عنها بصراحة، فأول الاتهامات التي ستواجهك أنك رجعي وكلاسيكي متخلف وغير حداثوي، والخ.. لهذا لاذ الكثيرون - نقاداً وشعراء وحتى قراءً- بالصمت، بل اندفع بعضهم لمماشاة الموضة. قرأت قبل فترة لأحد الشعراء بحثاً طويلاً تحت عنوان (المكعب الدلالي - قراءة سيميائية لنص تكعيبي للشاعر حميد سعيد) ولم أجد لا في الشعر ولا في النقد شيئاً ذا أهمية بل كان النقد أكثر غموضاً وتكعباً من النص نفسه. إنني أرى في الكثير من هذا الغموض (المصطنع) عجزاً وتغطية لشحوب النص أو الفكرة، وليس هرباً من الرقيب. لماذا يخشى الرقيب وهو - أي النص - لا يقول شيئاً بالمرة؟ إنني أرى في القليل من الغموض (الحقيقي) شطحات شعرية وتهويمات، أو خطاباً مستتراً للهروب من مقص الرقيب ومراوغته.. وهذا التحايل على المقص الرسمي - من خلال الغموض واستخدام الرمز والخطاب المستتر- يحتاج إلى دربة ومهارة وذكاء وموهبة شعرية. وهذه الموهبة الشعرية لا تلجأ إلى الاتكاء على الغموض المعتم والخزعبلات بقدر ما تلجأ إلى الرمز الموحي والمعنى المستتر والفنية العالية.
الرقابة
@ رغم التحديثات التي تتم إضافتها في الشعر إلا إنها ما زالت تعاني الضعف أحيانا وخاصة في التكثيف اللغوي! برأيك هل الضعف يرجع إلى الرقابة وتأثيرها السلبي؟ أم إن هناك أسبابا أخرى من وجهة نظرك؟
- ليس كل تحديث خرقا إبداعيا يؤسس على ما تم تهديمه ويضيف إليه ويجدد ويحدّثه..
هناك تحديث لمجرد التغيير، لمجرد مماشاة الموضة الشعرية، فرأينا قسماً كبيراً من الشعراء يكتب اليوم قصيدة النثر تماشياً مع موضة الحداثة لكنك حين تقرأ نصه تراه يكتب قصيدته الحديثة بروح الشعر العمودي الكلاسيكي، وأن تغير شكلها. وهذا الضعف الذي أشرتِ إليه لا يرجع إلى عنصر الرقابة (التي لها سلبيات كثيرة غير هذا) إنما أساسه فقر الموهبة أو كثرة الادعاءات.. التحديث ينمو طبيعياً ويغتني ويتوسع نتيجة قراءات الشاعر المتعددة وتجاربه ونضوجه الفني وسعيه الحثيث لتطوير نصه واجتراح آفاق جديدة له.
@ يرى البعض ان قصيدة النثر لم تخلق لغة شعرية وانها ليست فناً جديداً في الشعر.. برأيك ما اسباب رفض قصيدة النثر؟
- تتعدد أسباب رفض قصيدة النثر من قبل الكثيرين، شعراء أو قراء أو نقاد، إلى جملة من الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية: منها مبدأ الثبوتية الذي دأبت عليه ثقافتنا العربية ورفضها الجديد دائماً، يقول أوجين أونسكو: (كل أدب جديد هو عدائي. العدائية تمتزج بالأصالة وهي تقلق ما اعتاد عليه الناس من أفكار)، ومنها اعتداد الكاتب المتقدم بسنه وتجربته، فلا مجال أمامه لتغيير مساره، ومنها الحرص على تقاليد القصيدة العربية التي لها هذا التاريخ الطويل. ومنها هذا الطوفان العارم من قش القصائد الشاحبة التي تكتب اليوم باسم قصيدة النثر والتي تكاد تسد مجرى نهر الشعر العربي.. هذه الأسباب وغيرها قادت إلى تلك النتائج التي رأيناها في مهرجان القاهرة وغيره، ونراها اليوم هنا وهناك.. لكن حين يقوم المتفحص بنظرة منصفة إلى إشكالية قصيدة النثر سيفرد لكل معضلة باباً ويناقشه ليجد أن قصيدة النثر حالها حال كل ما مر بتاريخ الشعر، من أبي تمام وأبي نواس وحتى الموشحات والبند وغيرها إلى القصيدة الحرة ومن ثم قصيدة النثر.. وهي تنمو وتتطور وتجترح مسارها رغم كثرة الأدعياء فيها وركام القش، ورغم كثرة أو قلة الرافضين لها. نعم. ستواصل قصيدة النثر دورتها الطبيعية شاء الرافضون أم أبوا.. فتسقط عنها أوراقها الذابلة والكاذبة لتتبرعم وتتفتح زهورها الجديدة الحقيقية مع كل ربيع.
صعوبات
@ يواجه الكثير من المبدعين صعوبات اهمها: المصلحة، الناشر، المادة.. برأيك هل هذه المحاور تمنع الطاقات الشبابية من الإبداع؟ أم الإصرار الحقيقي يحطم هذه الأسوار؟
- لا شيء في العالم يمنع الكاتب الجاد من مواصلة مشروعه الإبداعي، أيّاً كانت الحواجز: سياسية أو اجتماعية أو حزبية أو دور نشر، وعلى امتداد تاريخ الإبداع الإنساني لم نجد الطريق سهلة أبداً أمام المبدع.. كان عليه على الدوام أن يعاني لكي يجترح له مكاناً في جدار الوجود، كان عليه أن لا يستجيب لضغوطات الواقع ولا لتوصيفات دور النشر، كان عليه أن يقفز باستمرار كلًّ الأسيجة التي زرعوها أمامه. وكلما علت هذه الأسيجة احتاج المبدع إلى طاقة أعلى للقفز عليها أو تحطيمها.. وذلك هو قدر المبدع في كل زمان ومكان. غالباً ما لا يرضي النصُ الجديدُ ذائقة المجتمع وبالتالي لا يرضي دور النشر التي تفكر في الربح وإرضاء الجمهور قبل أي شيء آخر، تبعاً لمنطق الحسابات التجارية الذي يلزم الناشر أن يفكر فيها قبل أن يفكر فيما عداها.. بعض الأدباء أو الشعراء يكتب وفق ما يمليه عليه شباك التذاكر ودور النشر. والبعض الآخر لا يعير بالاً لذلك .. يمضي بمشروعه إلى أقصى تخومه واثقاً من فكرته مؤمناً بطروحاته التي سيلتفت لها الزمن اليوم أو غداً.
موقع
@ ساهمت بنشر موقع ادبي في الانترنت.. برأيك هل الانترنت كفيلة للاتصال بالآخرين ولها دور فعال للنشر والتأثير على المتلقي؟ وهل انت منحاز لكل ما تفرزه التكنولوجيا؟
- لست منحازاً لكل افرازات التكنولوجيا بشكل مطلق. هنالك ما هو كارثي فيها، قادنا إلى اليورانيوم المنضب والقذائف وكواتم الصوت. وهناك ما قادنا إلى عوالم النور والتحضر في مختلف المعارف والمعالم الإنسانية المعاصرة. ويتجه بنا اليوم إلى أرخبيلات الانترنيت المدهشة.
أنا كشاعر وكإنسان، آخذ من التكنولوجيا ما أراه ضرورياً للتواصل، وتجميل الحياة، وخدمة البشر وسعادتهم. ومن بين ذلك الانترنيت التي هي أحدى من أهم افرازات وانجازات العصر الحديث. والتي مدت جسور التواصل بين البشر بسرعة وسهولة وجمال وأزالت الحدود والأسلاك أمام النص. وهل هنالك أجمل من هذا؟ ها نحن نتواصل عبر أسلاك الانترنيت، أنا الساكن في جنوب القطب الشمالي وأنت الساكنة في مصر.
دوافع
@ أخيراً.. هل لنا ان نتعرف على دوافع الكتابة لديك؟ او دعنا نقول: لماذا تكتب؟
- نعم أنا أكتب لكي أعيش حياتي نصاً يتماشى بين الناس، ولكي أرى نفسي في مرايا الوجود. في مفتتح ديواني (تأبط منفى) هناك قصيدة قصيرة بعنوان (نص) أقول فيها: (نسيتُ نفسي على طاولةِ مكتبتي/ ومضيتُ/ وحين فتحتُ خطوتي في الطريق / اكتشفتُ أنني لا شيء غير ظلٍّ لنصٍ / أراهُ يمشي أمامي بمشقةٍ/ ويصافحُ الناسَ كأنه أنا) منذ سنين علقت على جدار غرفتي الصغيرة في بغداد قصاصة كتبتُ فيها شيئاً من غابريل غارسيا ماركيز وهو يقول: في اليوم الذي لا أقرأ فيه ولا أكتب، لا أستحق وجبة الطعام. لقد أصبحت الكتابة بالنسبة لي طقساً يومياً، كثيراً ما أجد أناملي تحكني لأمسك القلم، أحركه بين أصابعي، أقضم أطرافه، أتلذذ به كما يتلذذ المدخن المدمن بفرك سيجارته بين أصابعه كأنه يتحسس معشوقته.