لاشك ان الضبابية الواضحة في تعامل القيادات السياسية العربية مع جملة المستجدات التي تحدث على الساحتين العربية, والاقليمية وبالذات خلال الحقبة الراهنة تجعلنا نعود بالذاكرة الى ما يقارب السنة الى الوراء, وتحديدا عندما حطت اقدام اول جندي من جنود ما يسمى بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية على ارض العراق بدعوى تخليص العالم من اسلحة الدمار التي قيل انه يملكها على الرغم من عدم وجود اي مؤشر على ذلك الى الآن.
كل المؤشرات تؤكد ان الوجود الامريكي المدعوم بتواجد (رمزي دولي) يواجه بالفعل مأزقا حقيقيا, وبالذات بعد تزايد عمليات المقاومة الشعبية ضد وجود جنود الاحتلال التي استطاعت ان تلحق اضرارا بشرية بليغة في صفوف القوات الامريكية الامر الذي انعكس بدوره على شعبية الرئيس جورج بوش الابن في وقت من اصعب الاوقات التي تواجهه خلال حملته الانتخابية الثانية من جهة وتلك التلميحات لبعض الدول المشاركة في التحالف بسحب قواتها من جهة اخرى.
لقد اكتشف المحتلون لارض العراق بعد عام من السقوط الدراماتيكي لبغداد انهم قد وقعوا فعلا في مصيدة السقوط السهل لعراق بعث صدام, وانهم يواجهون بالفعل امرين احلاهما مر فاما استمرار الوجود مع تحمل تبعه اعباء الفاتورة المادية والبشرية الهائلة التي يدفعها يوميا, او خيار الخروج الذي يبدو هو الآخر صعبا لانه قد يضيف الى التاريخ الامريكي الحديث صفحة اخرى من صفحات فيتنام لذلك فلا غرو ان اتجهت انظار صناع القرار الامريكي الى قضية الخروج المشرف الذي يحفظ ماء وجه الادارة الامريكية من خلال التأكيد على تنفيذ عملية نقل السلطة للعراقيين في موعدها المحدد. اي قبل الثلاثين من يونيو القادم.
اضافة الى ماسبق فان تصاعد النغمة الامريكية خلال الايام القليلة الماضية حول ضرورة الوجود الفاعل للامم المتحدة على ارض العراق بعد ان تجاهلت - بل وحاربت - الادارة الامريكية ذلك الوجود حتى وان كان رمزيا يعكس في حقيقته وجها آخر من وجوه الازمة الحالية التي تواجه الادارة الامريكية خلال وجودها على ارض العراق.
واذا ما القينا نظرة على الوضع الحالي في فلسطين, وما تمارسه القوات الاسرائيلية من قتل ودمار وتشريد لابناء الشعب الفسطيني العزل, وفي نفس الوقت عملية المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف يوما منذ الاعلان عن اندلاع انتفاضة القدس قبل ما يقارب ثلاث سنوات. جازلنا القول بان هناك تشابها كبيرا بين الخطة الامريكية الرامية الى نقل السلطة للعراقيين, وتلك الاسرائيلية الداعية للانسحاب من قطاع غزة المحتل مع فارق بسيط هو معارضة بعض اقطاب حزب الليكود لتلك الخطة التي تدل كل المؤشرات على انها سترى النور ولكن بعد ان ينفذ رئيس الوزراء الاسرائيلي مايدور برأسه مما لا يتسع المجال لذكره في هذه المقالة على الاقل في حين ان هناك ما يشبه المطالبة الشعبية بضرورة عودة الجنود الامريكيين الى وطنهم الام.
فخطة الرئيس الامريكي جورج بوش لنقل السلطة الى العراقيين تنطلق اساسا من محاولة تحييد - او لنقل الغاء - كل دور محتمل للمقاومة العراقية في عراق المستقبل والذي تجلى في اوضح صوره من خلال الحصار الذي تشنه القوات الامريكية ضد مدينة الفلوجة.. وغيرها من المدن العراقية التي قررت حمل السلاح دفاعا عن حريتها ضد المحتل والذي ادى بدوره الى مقتل 700 عراقي حسب المصادر الامريكية اضافة الى اعداد اخرى من القتلى والرهائن في صفوف قوات التحالف الاخرى وبالتالي فما تحاول الادارة الامريكية نقله للعالم هو التأكيد على ان نقل السلطة للعراقيين قد تم ضمن برنامج زمني معلن لا دخل للمقاومة العراقية فيه.
وفي المقابل فان خطة رئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون قد بدأت بعملية تصفية واسعة النطاق لرموز المقاومة الاسلامية كالشهيدين احمد ياسين والدكتور الرنتيسي على امل تفكيكها تمهيدا لفرض الامر الواقع الاسرائيلي من جهة.
وارضاء للغرور الشاروني الذي يرفض ان يكرر ما فعله العمالي يهودا بارك في انسحابه من الجنوب اللبناني ومع ذلك فلا شارون قادر على استئصال المقاومة الفلسطينية ولا بوش نجح في تدمير ارادة العراقيين والسبب هو ايمان وارادة الشعبين العراقي والفلسطيني بحقهما المشروع في الحياة.