وسمية غيمة وردية، متوردة ومكتنزة، وتحب اللعب لا سيما مع الرياح التي تنقلها بخفة ورشاقة في أرجاء السماء .
سئمت وسمية اللعب وحيدة مع الرياح، فقررت أن تبحث لها عن أصدقاء يؤنسون وحدتها، وتلفتت حولها بحثا عن صديق، فكان أول ما صادفها هي الشمس، لامعة ذهبية متوقدة .
فاتجهت الغيمة وسمية نحو الشمس وقالت لها: يا ملكة السماء ومصدر الضياء هل أصبحت صديقتي؟ ونلعب ونرمح سويا ؟
فصاحت الشمس غاضبة : ابتعدي عني قد حجبت ضوئي عن الأرض، ستبرد المخلوقات، والأرض بحاجة ماسة لي، فأنا أغذي النبات، وأبخر البحار لتهطل الأمطار، وأدفىء البشر، وأنير صباحهم. أنا وقود الحياة في الأسفل، أبعدي ... ولا تحجبيني عن الأرض لن ألعب وإياك . انسحبت وسمية بألم، وظلت هائمة في السماء إلى أن حل المساء، ومن الأفق الشرقي بزغ القمر، وحين رأت وسمية نوره الفضي الجميل ووجهه المشع، هرولت باتجاهه وقالت له :
أيها السيد القمر يا صاحب الوجه المشع الجميل ويا مالىء الليالي بالضياء والسحر، هل ترضى بأن نصبح أصدقاء ونلعب سويا ؟ فزجر القمر غاضبا :
ـ ابتعدي عني قد حجبت ضوئي عن الأرض، أنا أمير الليالي ومصباح الظلام الكوني، وأنا الذي أعلم الناس وأرشدهم لعدد السنين والحساب، وبمواقيتي يعرف المسلمون شهورهم المقدسة ومواسمهم وأعيادهم، وأنا الذي أصنع المد والجزر البحري وورائي الكثير من المهام ... فاذهبي عني .. لن ألعب معك .
حزنت الغيمة وسمية واشتدت وحشتها، وأخذت تتهادى ببطء في أرجاء السماء حتى لمحت في أقصى الأفق الشرقي نجمة جميلة تخفق بأضواء حمراء وزرقاء وذهبية، وكأن فوق سطحها عشرات الأراجيح النيرانة.
خطف المنظر الجميل عقل وسمية، وسبحت بين أرجاء السماء بحبور وثقة إلى أن وصلت إلى الشمال وقالت :
ـ يا نجمة الشمال البهية، يا من تحملين أسرار الليل بين جنباتك، وتتزينين بتيجان من الضوء الوهاج .
هلا لعبت معي، لنصبح أصدقاء ؟
أشاحت النجمة الزرقاء وجهها بتكبر وقالت:
ـ لا ..لا أبداً .. ابتعدي ولا تحجبي ضوئي، أنا قنديل السماء، أعلم الناس الاتجاهات، واخبرهم عن دخول المواسم وأزين ظلمة السماء فاذهبي ولا تحجبيني فهناك من ينتظر ضيائي .
تقهقرت الغيمة إلى الخلف رويداً رويداً وأحست بألم وافر يعتصر قلبها.
ولما أحست بأنه سيمضي يوم آخر دون أن يكون لها صديق، قبعت في زاوية قصية من السماء وانهمرت بالبكاء .. اخذت تبكي .. وتبكي .. وانهمرت دموعها سحا ثقيلا مدراراً . ولما وصلت تلك الدموع إلى الأرض كان هناك المئات من النباتات الصغيرة العطشى، التي رفعت فروعها وسيقانها الرقيقة وأخذت تلوح للغيمة بحب شديد، بعد أن سقتهم الغيمة من مائها، وأطفأت عطشهم، ومن ثم أخذت النباتات تغني أغاني سعيدة مبتهجة، سمعتهم الغيمة اتجهت نحوهم، ورحبوا بها بشدة وطلبوا منها أن تغني وتلعب معهم شاكرين لها أمطارها التي روت عطشهم .
فرحت الغيمة بأصدقائها ، وبادلتهم اللعب والمرح، وأصبحوا أصدقاء متلازمين تجمعهم السعادة والحب والمطر .