لم يكن مساء الخميس ككل المساءات التي تشهدها (اليوم) بإيقاعها اليومي بل كان مساءً استثنائيا حفل بمواقف وأحداث عدة: أولها استضافة الأمسية القصصية التي نظمها نادي القصة بجمعية الثقافة والفنون ـ الدمام وثانيها التوهج الإبداعي لإبداعات قاصة متميزة وكاتبة لها حضورها الفاعل هي القاصة والكاتبة أميمة الخميس، ونقد مجتهد لناقدتين هما مريم بوبشيت ومريم الغامدي .
وثالثها الحضور المتميز من الجانب النسائي الذي احتل المدرج الرئيسي في المبنى بينما قبع الرجال في صالة جانبيه اكتظت بهم .
مشهد لم تألفه (اليوم) كثيراً إلا في حالات استثنائية ولكنه أكد في كل الأحوال على العلاقة الوثيقة بين الإبداع والإعلام .
الأمسية التي شهدتها (اليوم) وأفتتحتها د. أمل الطعيمي مديرة التحرير (القسم النسائي) بكلمة ترحيبية أكدت فيها على أهمية هذه الأمسية الابداعية ورحبت بالحضور وبالقاصة أميمة الخميس:
قدمت لها القاصة والكاتبة شريفة الشملان تقديما متميزاً أحاط بإبداعات أميمة الخميس وسيرتها الشخصية بكلمات منتقاه ربطت بين القاصة وإبداعاتها وسرد تاريخها الإبداعي منذ مجموعتها الأولى (والضلع .. حين استوى) وانتهاء بمجموعتها الأخيرة (الترياق) مروراً بأين يذهب هذا الضوء، ومجلس الرجال الكبير والوسمية وغيرها .
وتقول الشملان في تقديمها: تأتي مجموعتها الثالثة أين يذهب هذا الضوء ـ بمذاق جميل يعدينا للطبع الجميل وهي بكل الأمومة قدمت لنا وسمية لتحط بسمائها على أطفالنا لنرى حكاية العشق بين الفقع والسماء . وفي النهاية ترحب بأميمة الخميس حيث النخيل يعانق الأسطورة .
قراءات
بتميزها الإبداعي والقائها الثر تأخذنا أميمة الخميس إلى فضاءات الإبداع عبر مقدمتها التي حاولت أن تتهجى فيها أبجديات المحار وقناديل البحر ومزاج الصحراء الغامض والبحر المبتهج والتي أشفقت فيها على قصصها من هيبة المنبر المزركش بهيبة التاريخ وسن القوانين .
وقبل أن تسرد هذه الأمسية التي تعنى بداية ونهاية وخيوط سرد تسأل قصصها من منهن لديها القدرة على مطاولة المنبر .. ويبدو أن الـ (هنا أو هناك) كانت السباقة فافتتحت بها السرد لترصد الوجود الأنثوي يتمثل انسانيا يقابله الوجود المكافي المتشظي عبر الهنا والهناك كشاهد أو دليل يتعتم أحيانا ويستضاء غالبا ليقاس تأثيراته ويستدعي المقارنة والتأسي وارتداء الأقنعة .. فمن خلال صدمة الانتقال إلى الضد تتكشف الحقيقة الأنسانية وتقتنصها الكاتبة لاستظهار العوالم الماضية أو لرصد المشاعر والذكريات المتقطعة والتحولات ولتبدو الحقيقة الداخلية عكس الحقيقة الخارجية ونفى لها ويصبح الـ (هنا) محض وجود موضوعي موحش وغريب لا يأبه للشخصية ولا يبادلها النظر ويكون الاغتراب وانتقاء الشخصية هوالأبرز ترصد القاصة كل ذلك بلغة شعرية مسكونة بالمرارة ومسنونة بالمفارقة ...وتمضى أميمة في قراءاتها الابداعية فتقرأ (الحلم) لتحضر الصحراء التي تغير خرائطها، وتهدم المشاهد والشوق المشدود لحلم لا يتحقق وصبح أصدق أنباء من نشوات الليل . ومن عالم القصة للكبار تقرأ أميمة الخميس من تجربتها للكتابة للأطفال قصة (وسمية) وتعود بنا إلى عوالم الطفولة وذكريات (الوسمية) بتشكلها الطقسي الذي يقبع في الذاكرة .
قراءات نقدية
بعد قراءاتها الابداعية تقدم مديرة الأمسية للقراءات النقدية التي تبدأها الناقدة مريم الامدي بقراءة لقصة (وسمية) تنوعت بين أستقصاء الدلالات وملامسة البعد التربوي (القراءة مرافقة للمادة) .
قراءة نقدية
وبعد قراءة الخميس كانت هناك قراءة أخرى في إبداعات أميمة الخميس قدمتها الناقدة مريم بوبشيت مشيرة إلى أن القراءة محاولة لإثارة موضوع خاص بالأدب والتعرف على الجوانب المعمارية والبناء الجمالي .
وقسمت بوبشيت قراءتها إلى محورين : المحور الأول تناول المضامين أما المحور الثاني فقد تناول اللغة وتقنيات السرد .
المضامين
في المحور الأول تشير مريم إلى أن القاصة تستمد موضوعاتها من الواقع المعيش وتقدم مثالا من قصة مسعود الجداوي موضحة أن القصة بدلالاتها التاريخية والاجتماعية والانسانية تتناول مرحلة عاشها ابن هذه الأرض .. وتبين الناقدة أن المرأة تحتل مركز السرد عبر مساحة رحبه فالمرأة هي الوطن وهي نصف المجتمع والقاصة تنتقي شخصياتها .
عودة إلى القصص
وتأخذنا أميمة هذه المرة إلى شخص ذكورية لتنفي كما تقول تهميش الرجل في إبداعاتها ولكنها لم تبتعد بنا كثيراً عن عوالم شخصياتها الأنثوية وإذعانها لواقعها أو تمردها الداخلي الذي لا يبين فمسعود الجداوي لو نزعنا عنه اسمه لوجدنا أنفسنا أمام شخصية أنثوية لا تحمل من سمات الوجود الذكوري سوى الاسم وتجىء افتتاحية القصة لتؤكد ذلك منذ البداية :
(بعد عيد الفطر كانت بيعتي الأولى .... ) فهي تنفتح على دلالات تؤكد اننا إزاء بيعة أنثوية أو صفقة لزواج غير متكافىء بطلها الأب والمشتري المالك الجديد الذي قد يكون الزوج أو السيد .
بعناية لتلقى الضوء على مشاكلها وتقدم بوبشيت أمثله عديدة من قصص الخميس موضحه أن أبرز ما تشير إليه دلالات القصص البحث عن السعادة وإيجاد علاقة تبادلية مع الرجل في مجتمع ما بعد النفط خاصة أن ثمة امرأة متعلمة برزت إلى الوجود تشارك في الحياة العامة وتدخل سوق العمل ومن خلال السرد ركزت أميمة على هذه القضية (مشاركة المرأة للرجل في المجتمع الجديد) مبينة ملامح الاغتراب في جيل ما بعد النفط واستلاب المرأة التي تبقى دائما في حالة انتظار ودخول الهاتف كعنصر رئيسي في الحياة الاجتماعية وتناولت بوبشيت مسرحية (البيضة والحجر) من مجموعة الترياق محاولة أن تبرز الرموز والعلاقات بين الشخصيات .
اللغة وتقنيات السرد
وعن لغة القص عند الخميس تقول الناقدة أنها لغة جميلة تمطرك ببناء منمنم والنصوص ترتكز على الجمالية والموضوعات منتقاه بعناية وتؤكد أن القاصة لم تستلم لمغريات اللغة وان لم تسلم قصصها من بعض الجمل التقريرية في البناء السردي وتوضح أنها لا تغوص في التفاصيل وتستند إلى التحليل الذي يدور حول اللحظة النفسية وتقدم نماذج من أعمال القاصة لتنهي قراءتها بالإشارة إلى أن بدايات أميمة الخميس تتميز بالمباشر وتربط القارىء بالقصة كما أن النهايات تأتي هادفة ودافئة.
المدخلات
* بداية المداخلات من الصالة الرجالية عبر الدائرة الصوتية وقدم لها القاص عبد الله الوصالي رئيس نادي القصة شاكراً للقاصة حضورها ولـ(اليوم) استضافتها للأمسية.
* كانت المداخلة الأولى من احمد سماحة الذي أشار إلى قراءاته السابقة لإبداعات القاصة خاصة مجموعتيها الأولى والأخيرة واكد على أن سرد الخميس بتميزه اللغوي والدلالي يمكن أن يطلق عليه (السرد المكتنز) وهذا المقوم يتصل بعملية القراءة ويفتح في بعض تشكلاته امكانية أن يتحرك التحليل السردي من النص إلى الواقع الثقافي الحضاري الذي انتجه، وأشار إلى جوانب فنية اخرى في إبداعات القاصة.
* محمد المعيبد كان المداخل الثاني وقد تساءل عن العلاقة بين وسمية المشري ووسمية أميمة الخميس وقد أجابت أميمة قائله أن الفضاء اللغوي متاح ومشاع من إيحاءات ورموز.
مداخلات نسائية
من الصالة النسائية داخلت منير العماري مشيرة إلى أن قراءة مريم الغامدي عن وسمية دقيقة وعميقة وثرية وموحه أن القصة اعادتها إلى سنوات قديمة عندما كانت تقرأ لأطفالها القصص وتساءلت هل نكتفي بهذه القصص البسيطة الواضحة؟.
وأجابت أميمة مشره إلى أن التلفاز والمغريات الأخرى انتزعا الأطفال من القراءة ولكن يظل للكتاب خصوصية ويجب أن يحتوي على البعد التربوي والتعليمي.
* أسماء أبو خمسين وصفت الأمسية بالرائعة وقالت لفتت نظري (وسمية) ولكن عندما أشارت القاصة أنها كتبت لأعمار من (5 ـ 8) سنوات لاحظت أن بعض عباراتها صعبة لغويا على أطفال هذه الفئة العمرية وتمنت من القاصة أن تعطي انتباهها لأدب الأطفال .
* عوده إلى الصالة الرجالية ومداخله من القاص (فهد المصبح) شكر فيها للقاصة تميزها واكد على الأعمال والقراءات النقدية وقدم بعض الرؤى حول أدب الأطفال والقص النسائي .
* نعيمي خليفات في مداخلاتها تساءلت عن معنى الانتظار في ورقة بوبشيت وهل مازالت المرأة قطعة السكر كما جاء في القص وهل الهاتف بالفعل جزء من الواقع وأجابت الخميس على كل هذه الاسئلة .
* فاطمة القحطاني تساءلت عن مستقبل أدب الأطفال في بلادنا ومتى يكون لدينا كاتب متخصص في هذا الأدب وأجابت القاصة على الأسئلة .
* الناقدة ريم بوبشيت قدمت للدور الذي يقوم به قطاع التعليم في مجال تأصيل القراءة عبر المشاريع التي تبنتها في الاشراف التربوي النسائي في الشرقية .
* عبد المحسن الشبل تساءل: هل وصلت القصة القصيرة السعودية إلى مرحلة فنية تستطيع أبراز وضع المرأة الحقيقي والاجتماعي والمحلي وأجابت الخميس أن الأدب ليس معنيا بان يحمل خطابا أو أدلجة مسبقة تحشد الأفكار والمقولات .
بهذه المداخلات تنتهي أمسية متميزة لقاصة مبدعة وناقدات مجتهدات وحضور تري لتشكر مديرة الأمسية القاصة والناقدات والمداخلات والحضور .. وبدوره من الصالة الرجالية ينهي الوصالي الأمسية بشكر لـ (اليوم) والجميع .