لا يمكن لشبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت) أن تقدم الحلول الشاملة للتنمية في دول العالم النامي ما لم تقم هذه الدول بطرح استثمارات وافية في مجالات التعليم والبنية التحتية والبحوث والتنمية وهي متطلبات ليس من السهولة تحقيقها. فخلال العقد الماضي شهد الأداء الاقتصادي للأسواق الناشئة نمواً متوسطاً. فعلى سبيل المثال كان إجمالي الناتج المحلي لدول أمريكا اللاتينية حوالي 3،3 بالمائة للاعوام من 1990- 2000 وهو أقل من الهدف الذي خطط له البنك الدولي بتلك المنطقة الذي كان حوالي 6 بالمائة. وينطبق هذا المثال على معظم دول شرق آسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية وهو ما يدل على أن هذه الدول لن تحرز أي تقدم في حال استمر نشاطها الاقتصادي على حاله. بالعودة إلى أمريكا اللاتينية باستثناء تشيلي نجد أن نمو العامل الإنتاجي الإجمالي لهذه الدول بطيء جداً خلال العقدين الآخيريين.وهو ما يدل على أن مثل هذه الدول تحتاج إلى ثورة في النتاج لتصحيح أوضاعها الاقتصادية. ولتحقيق آمال شعوبها، اتجهت العديد من دول العالم الثالث إلى زيادة استثماراتها في تقنية المعلومات والإنترنت والاقتصاد الجديد. بل أن معظم هذه الدول في أمريكا اللاتينية تنظر بنوع من الإعجاب وقليل من الحسد إلى تجربة كوستاريكا والتي افتتح فيها مؤخراً مصنع شركة الرقائق الشهيرة "انتل" وأصبح معظم رؤساء تلك الدول يفكرون في القيام بخطوه مماثلة لما قام به الرئيس التشيلي ريكاردو لاقوس عندما زار كبريات شركات تقنية المعلومات في وادي السيلكون بالكاليفورنيا. حيث أكد لاقوس في أكثر من مرة أن تقنية المعلومات ستكون محرك النمو لدولة تشيلي وهي التي ستلحق تشيلي بمصاف الدول المتطورة. وقد أعاد تأكيد هذا المعنى في رسالة بعثها إلى برلمان بلده في سنة 2000م. إلا أن الاستثمار في تقنية المعلومات وحدها لا يكفي لتحقيق الاستفادة الفعلية والشاملة من مختلف تطبيقات ومجالات تكنولوجيا المعلومات، بل يجب على دول العالم الثالث القيام باستثمارات مماثلة في العناصر المساعدة كالبحث والتطوير، التعليم، والبنية التحتية. ففي ظل غياب هذه الاستثمارات ستكون الفائدة من استثمارات تقنية المعلومات قليلة أو منعدمة أو سلبية في بعض الدول والسبب في ذلك أن هذه الاستثمارات تعتمد بشكل كبير على العناصر المساعدة. ومن هنا نبدأ
الحديث عن القنوات التي تستطيع من خلالها الإنترنت وتقنية المعلومات زيادة إنتاجية المجتمعات وادائها الاقتصادي.
الاقتصاد الجديد, الإنتاجية والنمو:
لعدة سنوات ظل الاقتصاديون يشكون في تأثير تقنية المعلومات على الإنتاجية الكلية والنمو الاقتصادي وقد عبر عن ذلك روبرت سولو الفائز بجائزة نوبل قائلا: نستطيع أن تجد الكمبيوترات في كل مكان إلا في مناحي الإنتاج , حتى أن الكثير من الدراسات التي أجراها طلاب علم الاقتصاد في عدة جامعات امريكية أكدت أن تقنية المعلومات صنعت زيادة صغيرة جدا في النمو الإجمالي الأمريكي خلال السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات , ومع ذلك أكدت معظم الدراسات الحديثة أن معظم الزيادة في الدخل القومي الأمريكي في النصف الثاني من التسعينات كانت ناتجة عن استخدام وتطبيق تقنية المعلومات في الصناعات الإنتاجية وليس بسبب مجرد انتشار واستخدام أجهزة الكمبيوتر في مجالات الحياة الأخرى . وهنا يجب أن نميز بين النمو في قطاع (تطبيقات الكمبيوتر) والنمو في قطاع(صناعة الكمبيوتر) ففي الولايات المتحدة كان النمو في قطاع(صناعة الكمبيوتر) أكبر بكثير من النمو في قطاع (تطبيقات) الكمبيوتر , حتى أن التجارة الإلكترونية لم تشكل الا جزءا صغيرا من مجمل النمو الاقتصادي الأمريكي مقارنة بدخل شركات مثل انتل ومايكروسوفت , الا ان مثل هذه الدراسات تعتبر محدودة نوعا ما لأنها دراسات ذات نظرة اقتصادية إجمالية لا تحدد الآلية التي تم عليها الحكم على دور تقنية المعلومات في زيادة الإنتاج والنمو, ولكن لندرك التأثير الحقيقي لتقنية المعلومات في زيادة الإنتاجية والنمو لابد لنا من اجراء دراسات حول مصانع ناجحة تقدم لنا معلومات تفصيلية عن نشاطاتها وهنا يأتي الدور الحقيقي لتقنية المعلومات.
لعل أهم ما نراه من هذه الدراسات أن التأثير المباشر لتقنية المعلومات ليس ملحوظا بل عادة ما يكون تأثير تقنية المعلومات بشكل غير مباشر ويتمثل ذلك في التغيرات التي تحدث على عملية الإنتاج لذا تلعب تقنية المعلومات دور المسهل الذي يسهل ظهور المخترعات الحديثة.
وقد اشار الى هذه النقطة (برينقل سفن وهوست) ان الاستثمارات في تقنية المعلومات تكمل التغيرات في بقية مظاهر النظام ,, لتكون الشركات ناجحة عليها ان تتبنى الحواسيب كجزء من النظام او عنصر مشترك تثبت به تغيرات النظام.
ويضيف الكاتب في خضم إثباته لنجاح تكنولوجيا المعلومات (ان القيام باستثمارات في الكمبيوتر بدون تغيرات في النظام أو جزء منه سيقود إلى خسائر إنتاجية ملحوظة لذا لكي تكون الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات مؤثرة تماما لابد من الاستفادة من إيجابيات الشبكات الخارجية وهذا يتطلب أن يقوم عدد كبير وكاف من الأفراد والشركات بهذه الاستثمارات وأن يكونوا مرتبطين بمصادر الشبكة الخارجية وهذا بحد ذاته غير كاف فإيجابيات المصادر الخارجية للشبكة لن تكون مستغلة استغلالا كاملا الا عندما يستخدم الأفراد والشركات تقنية المعلومات بفعالية واستمرارية وكفاءة هذه النتيجة في المقابل تتطلب ان يتقاسم المستخدمون مستوى متماثلا من المهارات العملية والتحليلية ومهارات حل المشكلات.
تؤكد التحليلات الاختبارية على مستوى الشركات ان الشركات التي لديها برامج تدمج تكنولوجيا المعلومات مع ادخال تغييرات في النظام بالإضافة الى البرامج التي تغير ثقافة الشركة هي اقدر على ان تجني زيادة ملحوظة في إنتاجيتها كما تشير هذه الدراسات الى أن معدل عوائد الاستثمار في قطاع تقنية المعلومات لدى هذه الشركات اكثر بكثير من معدل الإنفاق في رأسمال أنظمة تقنية المعلومات وقد وضعت هذه الدراسات عددا من العناصر والقوى التي تحدد نجاح استثمارات تقنية المعلومات كما يلي:
@ لكي تكون منتجا كاملا يجب أن تقرن تقنية المعلومات باستثمارات في القوة البشرية وخصوصا فئة الفنيين والتقنيين.
@ تتواجد بعض أنجح تطبيقات مشاريع تقنية المعلومات في الشركة الجديدة.
@ استثمارات تقنية المعلومات تزدهر في الشركات التي تقدم مزيداً من المرونة في علاقات العمل لديها.
@ نتائج استثمارات تقنية المعلومات : على مستوى الشركات والمصانع
@ الشركات الجديدة : تعتبر تقنية المعلومات عنصراً هاما في الشركات الجديدة خصوصا تلك الشركات غير المثقلة بالعلاقات الانتاجية التقليدية
@ الرأسمال البشري، المهارات التقنية، البحث والتطوير : أن أهم شرط لنجاح استثمارات تقنية المعلومات هو الاستثمار في القوى البشرية لذا فان الشركات التي تصرف أكثر على البحوث والتطوير تجني فائدة أكبر من تقنية المعلومات .
@ علاقات العمل : هناك ترابط وثيق بين نجاح أي مشروع لتقنية المعلومات وبين توفر بيئة عمل تتميز بمستوى أكبر من المرونة، لأن وجود هذه المرونة يساعد على الحرية والابتكار التي تدعم تقنية المعلومات .
@ الهيكل التنظيمي : لكي نحصل على جميع فوائد تقنية المعلومات يجب احداث تغييرات جذرية في المؤسسة هذه التغيرات يجب أن تكون مكتملة وشاملة والا من المحتمل أن تؤدي إلى هبوط في الانتاجية كما أن الشركات التي ليس لها ثقة كبيرة في موظفيها ستعاني مشاكل في تطبيق
تقنية المعلومات بشكل فاعل : على مستوى الدول والحكومات
@ الشركات الجديدة : سيقل الروتين الإداري المطلوب لتأسيس الشركات الجديدة .
@ الرأسمال البشري، المهارات التقنية، البحث والتطوير: يجب على الدول تطوير النظام التعليمي في البلاد والاهتمام بمواد الرياضيات والعلوم خاصة كما يجب أن تتجه الدول إلى تطوير سياسات وطنية تزيد من التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص .
@ علاقات العمل: يجب على الدولة تطوير نظام العمل والعمال لإنجاز العقود على مستوى الشركات، ومحاولة جعل عقود العمال تتصف بالمرونة. كما ينبغي للدولة الموازنة بين حماية العمال وخلق فرص العمل .
@ الهيكل التنظيمي : أن القيام بتغييرات في بنية مؤسسات الدولة وأجهزتها وأساليب عملها ستساعد تقنية المعلومات على القيام بالدور المطلوب منها .
كما يجب احداث التغييرات اللازمة في النظام القضائي، وخفض مستوى الفساد الإداري وتشجيع المزيد من الشفافية في العلاقات الاقتصادية. كما ينبغي التركيز على تطوير مقاطعات البلاد والاتجاه نحو اللامركزية الإدارية .
*جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ـ الظهران