أخبار متعلقة
يرفض بعض الشباب في مجتمعاتنا العربية النصيحة انطلاقاً من عدة مبادىء وقيم بدأت تسود تلك المجتمعات، وبالطبع فإن من الصعب تعميم القضية، فهذا الرفض قد لا يكون لنصيحة الأب وحده بل يتعدى ذلك للمعلم في المدرسة والأساتذة في الجامعات والجار والقريب.. إنها قضية جيل يتعامل مع الأمور بشكل تسقط فيه القيم على شريحة كبيرة من الناس إن لم يكن على جيل بأكمله.
فما العوامل والأسباب التي تنشأ من وراء ذلك؟ ولماذا يغلق البعض عقله وأذنيه عند سماع النصيحة؟ وهل من سبيل لإعادة الشباب للسير في الاتجاه الصحيح؟ وإن كنا هنا لا نرغب في أن نكون جهة تربوية نضع مجموعة من البنود لتوجيه الشباب؟ كما أننا لسنا بإزاء ندوة لوضع برنامج إصلاحي يسير من خلاله التربويون لتقييم مسيرة الشباب؟ إذاً فالقضية اجتماعية وتربوية أكثر منها تنظيرية، وهو الأمر الأكثر أهمية في هذا التحقيق..
بين الدمام والقاهرة وأي مدينة أخرى في العالم العربي قد لا يكون هناك فرق كبير في الهموم والتطلعات.. وربما الظواهر الاجتماعية والسياسية..
فروقات كثيرة
بداية يقول حسين المرشود (طالب جامعي) إن هناك فروقات كثيرة بين الآباء والأبناء أهمها المستوى التعليمي والثقافة الحياتية، ففي الوقت الذي يتمتع فيه الآباء بخبرة واسعة في الحياة وسلوكيات طيبة وقدرة على التعامل مع الحياة بما تمتلك من قسوة وضراوة إلا أن هؤلاء الآباء باتوا غير قادرين على التعامل مع معطيات الحياة الجديدة، ذلك لأنهم عاشوا مرحلة تقشف وجفاف في حياة كانت أشبه بالحياة البدائية الأولى، فكان تعاملهم مع تلك الظروف منسجماً مع تفكيرهم ومنطقهم العلمي البسيط.
ويضيف المرشود قائلاً: لقد تغيرت الأمور بشكل مذهل خلال العقدين المنصرمين وبات على الآباء أن يتعرفوا على هذه الحياة الجديدة التي انغمس فيها الشباب بشكل لا يتمكنون من الابتعاد عنها أو التنازل عن مكتسباته. ولأن العقلية متباعدة جداً بين الجيلين فقد يعد من الصعب الوصول إلى نقطة تلاق بينهما في ظل تمسك كل طرف بآرائه ومبادئه.
ويضع المرشود حلاً وسطاً أو اقتراحاً للشباب على اعتبار أن الجيل الذي يتحدث عنه لا يتجاوب مع بعض الأفكار الجريئة، ويصف المرشود هذه الأفكار بالتنازل من قبل الشباب عن بعض مكتسباتهم لصالح الآباء، ويضيف قائلاً إنني أخص جيل الشباب الواعي والمتفهم والقادر على وضع الأمور في ميزانها الصحيح.
الكرة ليست في ملعب الشباب
ويرى عامر حمود أن الكرة ليست في ملعب الشباب دائماً، فهناك فكرة سائدة في المجتمع مفادها أن الشباب دائماً هم المخطئون، وهو أمر يجب أن لا نأخذه على إطلاقه لأن هناك مجموعة كبيرة من الشباب منسجمون مع الآباء لكن النظرة السائدة تجعلهم شباباً نزقين ومعاندين ولا يحبون النصيحة.
ويضيف عامر قائلاً إذا كانت النصيحة قادمة من شخص يحبك فيجب أن تكون مغلفة بالحب، وهو أمر لا ينطبق على الآباء وحدهم بل حتى على المدرسين والموجهين عموماً.
الشباب المتعلم هو الأمل
ويعول أحمد مرسي (طالب بجامعة القاهرة) كثيراً على جيل الشباب المتعلم والمتمسك بدينه ويقول في العقدين المنصرمين: كان هناك تسيب كبير من قبل الشباب وكان هذا الجيل يوصف بالتمرد والخروج عن القيم، إلا أن انبثاق مجموعات كبيرة من الشباب الخارج من رحم المجتمع والتي تحمل أفكارا وتطلعات إسلامية جعل من الإمكان نشوء حوار من نوع آخر بين الأجيال، ذلك لأن هؤلاء الشباب يعرفون تكليفاتهم الدينية والاجتماعية ويقومون بواجباتهم تجاه آبائهم وتجاه المجتمع.
تقبل النصيحة واجب
ويؤكد أحمد أن الاستماع للنصيحة سواء جاءت من الأب أو من أي موجه أو مرشد اجتماعي أو ديني هو بمثابة الواجب على الشاب،إذا كان ذلك في مصلحته، أما إذا ابتعدت النصيحة عن هذا النطاق فالشاب غير ملزم، خاصة أن الوعي الذي يتمتع به الكثير من الشباب يجعلهم بدرجة أو بأخرى قادرين على تلمس طريقهم من خلال ما يتلقونه من فكر وإرشاد ثقافي واجتماعي.
طرق أخرى للتوجيه
وتقول ناريمان (خريجة ثانوية): لا يأتي الإرشاد والتوجيه دائماً من الأب، فقد يكون مشغولاً بأعمال تجارية أو قد يكون أكاديمياً لا يستطيع الالتقاء مع أبنائه، وهذه المشكلة ليست جديدة على مجتمعاتنا العربية، إلا أن المهم هنا هو أن الشباب الملتزم بدأ يستقي التوجيهات من طرف آخر قد يكون في المحاضرات أو الندوات التربوية والثقافية التي تعج بها القاهرة ومدن أخرى كثيرة، وأظن ذلك يحدث في جميع البلدان العربية، هذا ما نشاهده من خلال الفضائيات فهي تنقل الكثير من الندوات التربوية إما على الهواء مباشرة أو بطريقة التسجيل بحيث يستفيد قطاع كبير من الشباب ومن المجتمع عموماً.
وتخلص ناريمان إلى القول إنه ليست ثمة مشكلة بين الأجيال إذا عرف كل طرف كيف يعامل الطرف الآخر، وكيف يقوم بدوره على أكمل وجه دونما حاجة إلى مواجهة أو إلى تأزيم الوضع بينهما، فإذا كان الأب - كما أسلفت - مشغولاً فإن هناك من يقوم بهذا الدور، وإن كان لا يستعيض عنه، فنحن هنا لا نناقش ما إذا كان التوجيه العام بدلاً من الأب أم لا؟ إننا هنا بإزاء مناقشة موضوع الفجوة بين الطرفين.
ليست فجوة وإنما جفوة
ويرى أحمد جضر (خريج ثانوية) أنه ليست هناك فجوة في الأساس، وإنما هناك ما يسمى بالجفوة، فبعض الشباب يحملون قلباً قاسياً يجعلهم يكرهون سماع أي نصيحة تقدم لهم، ويضيف قائلاً: أعتقد أن كره كل شيء قديم بالنسبة للشباب جعلهم يستصغرون كل شيء يأتي لهم من الجيل الذي يمثل القديم، سواء كان نصيحة أو رأيا أو مشورة.
إن الحل - من وجهة نظر أحمد - أن يحاول الشباب التقرب من القديم وكل ما يربطه به وما يمثله سواء كان الأب أو المحيط الأسري والنظرة العامة في هذا المجال. وإذا كان الشاب يعتقد أنه متطور من الناحية العلمية أو العصر الذي يعيش فيه فيمكنه أن يحاول التأقلم مع هذا الوضع ومسايرته من أجل إرضاء الأب أو الكبار بشكل عام، هذا الأمر يحتاج منه إلى إبداء بعض التنازل، فمهما كان الأمر فنحن أمام شخص أكبر منا مما يدعونا لاحترامه مهما اختلفنا معه في وجهات النظر.
مسئولية الآباء
ومن الشباب إلى الآباء يرى علي حمود أن الكرة في ملعبهم، ويضيف قائلاً: على الرغم من أنني أب إلا أنه من الضروري الاعتراف بأن الكثير من الآباء غير قادرين على التقرب من أبنائهم ومع جيل الشباب بشكل عام بغض النظر عن العلاقات الأسرية.
وإذا كان علي حمود يتحدث عن الآباء فإنه لا يقصد الآباء من الأجيال القديمة، بل يتحدث عن الآباء الشباب العصريين حيث عاش أغلبهم التطور المذهل في وسائل التقنيات الحديثة وعايشوا المبتكرات التي تجتاح المجتمعات العربية بشكل مذهل، ويقول إن المعضلة تكمن في أن الأب قريب نوعاً من جيل أبنائه فكرياً وعمرياً ومع ذلك فهو غير قادر على الاقتراب منه وتقبل أفكاره ومن ثم إيصال نصائحه. وهذا يتطلب من الأب إبداء بعض التنازل وليس الشباب، لأن نزقهم قد يمنعهم من ذلك.
الأبناء مطالبون بالطاعة
أما حسنين إسماعيل فيرى أهمية أن يكون الأب موجهاً ومرشداً وأن لا يعتمد على التوجيهات الخارجية، كما أنه على الشباب أن يستمعوا إلى نصائح آبائهم، فمهما كان الأمر فإن الابن مطالب بالطاعة وسماع النصيحة، وفي المقابل على الأب أن لا يستغل هذه المكانة فيفرض رأيه بقوة ويمرر نصائحه بشكل غير حضاري مما يدفع الابن إلى التمرد وعصيان كلام الأب وربما ابتعاده عن الجو الأسري ويصعب من ثم حل المشكلة.
جيل متعلم من الآباء
وتؤكد هذا الكلام فاطمة القحطاني (معلمة) مشيرة إلى أهمية التفاهم بين الأب وأبنائه، وعلى اعتبار أن أجيال الآباء غير المتعلمين بدأ في الانخفاض في مقابل الآباء المتعلمين بل والمثقفين والأكاديميين، بحيث انه يمكن القول إن المسئولية تقع بشكل كبير على الأب في إصلاح هذه الفجوة وتجسيرها، خاصة أن سن المراهقة يصعب السيطرة عليه، وهي تلك المرحلة التي تجعل الشاب أشبه بالحصان الجامح الذي يصعب ترويضه إلا لمدرب ماهر وتمرس على التعامل مع الحالات الشديدة الانفلات والتمرد.
ثلاثة أمور
ويحلل الدكتور جلال البشار جذور المشكلة ويرجع عدم استماع الشباب لآراء ونصائح غيرهم خاصة الكبار إلى ثلاثة أمور أولها عدم وجود التنشئة الاجتماعية على احترام رأي الآخرين. أما الأمر الثاني فيتعلق بنوع الثقافة التي يتلقاها الشاب خاصة في مرحلة الطفولة وتأثرهم بها واستقرارها في نفسه.
ويضيف البشار قائلاً: يأتي التعصب لبعض الآراء والأفكار المختلفة في المرتبة الثالثة مما يجعل في العقل سداً منيعاً عن تلقي ما يخالف هذه الآراء.
أسلوب التجريح يبعد الشباب
ويلوم البشار بعض الآباء والموجهين في استخدام أساليب غير مجدية في التعامل مع الشباب، ويقول إن عدم استماع الشاب للنصيحة قد يرجع إلى أسلوب التجريح في تقديم النصح، مما يجعل الشاب يصر على ما هو عليه من الخطأ. أما إذا قدمت النصيحة في قالب من الحكمة ويهدف إلى زرع الثقة بالنفس وتهيئة الشاب لسماع النصيحة دون إهانات، فالمثل المصري يقول (النصيحة على الملأ فضيحة).
دور مناهج التعليم
من جهة أخرى فإن مناهج التعليم لم تعد تحقق القدوة للناشئة على أيدي المعلمين، وباتوا يركزون على الجانب المادي في صورة مجموعات أو دروس وبالتالي فقدوا التأثير في الطلاب، لأنهم يتحدثون في واد والشاب في واد وفاقد الشيء لا يعطيه.
دور المربي بعيداً عن المناهج
ويؤكد محمد الشمراني مرشد في إحدى المدارس الخاصة على أن المناهج لم تعد تلبي طموحات الشباب في كثير من الأحيان، ولكن على المدرس المتفاني والمربي الفاضل أن يتفانى في تقديم خدماته وخبراته للطلاب بشكل غير منفر، لأن دوره كبير في هذا المجال، وعليه أن يتحمل مسئوليته بشجاعة ويؤدي دوره المطلوب بغض النظر عن توافر الإمكانيات في المناهج، لأن الإنسان إذا حمل رسالة ما فإن من المفترض أن لا يعتمد على الظروف الخارجية، فإن كانت الظروف مواتية وإلا فإنه يبحث عن البيئة الأكثر خصوبة وعن أساليب وإمكانيات أخرى لينطلق من خلالها إلى آفاق أرحب في العملية التعلمية والتربوية.
الفجوة بين الأجيال
الدكتور مصطفى عبد السميع عميد معهد البحوث والدراسات التربوية بجامعة القاهرة يعزي أسباب عدم اتباع الشاب لنصائح الكبار لوجود الفجوة بين الأجيال لأنها تسبب بعض الاضطراب الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي بينهما، ويتضمن ذلك أيضاً ما يحدث من تغير قيمي في المجتمع وما يتميز به هذا المجتمع من تصارع في التطوير وما يرتبط بالتغيرات السلوكية سواء كانت منظورة أو غير منظورة لدى الشباب.
المتغيرات الخارجية
ومن جهة أخرى يرجع د. عبد السميع بعض الأسباب إلى المتغيرات الخارجية وما يسمى بالعولمة الاتصالاتية التي تؤثر في الشباب أكثر مما يؤثر فيهم آباؤهم. ويشرح رأيه قائلاً: لم تعد القدوة في هذا الزمن مطلقة لأن هناك مصادر عديدة أخرى لاستجلاب القدوة ويستطيع الشاب من خلالها التحصل على التوجيهات أياً كانت، مما يدفع بتغيير أنماط السلوك لدى الشباب اعتماداً على تلك القدوات البديلة والتي استقاها من تلك الوسائل الحديثة (إنترنت ـ فضائيات...).
أساليب عفى عليها الزمن
وعن الأسباب الأخرى يقول د. عبد السميع إننا ما زلنا نصر على الأساليب القديمة التي استقيناها من آبائنا وهي بالتأكيد غير صالحة في أغلبها لهذا الزمن مع وجود متغيرات هائلة على سطح كوكبنا. أما محتوى النصيحة فيعد من الأسباب المهمة أيضاً فقد يكون مختلفاً عما هو ظاهر في سلوك مقدم النصيحة مما يجعل الشاب ينفر من تلك النصيحة، لأنها قادمة من شخص لا يحترم نفسه ولا يطبق معنى النصيحة، وهو تناقض كبير في العملية التربوية برمتها.
آباء غير مؤهلين
ويصف الدكتور محمد البسيوني أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة الأزهر بعض المرشدين والآباء بأنهم غير مؤهلين لإعطاء النصيحة علمياً أو شخصياً أو قليلي الخبرة في مجال النصح. ويقول إن تفاقم الفجوة بين الشباب والآباء سواء في التفكير أو العادات والتقاليد يساعد على هذا العزوف، وغالباً ما تكون النصائح المقدمة للشباب في صورة تقييم لسلوكهم ومن ثم فهي تتطلب منهم القيام بأعمال معينة يرضى عنها الكبار، مما يتطلب منهم جهداً وعزيمة قد لا تكون متوافرة لديهم في ظل التراخي والثقافة الاستهلاكية.
التشدد معول هادم
ويضيف د. البسيوني قائلاً إن بعض الآباء قد يغالي في تقديم نصحه سواء بكثرة النصيحة أو بالتشدد فيتحول النصح إلى اللوم والإرشاد إلى عتاب وخصام ومن ثم قد يؤدي إلى ضجر الشباب، خاصة أن الكثير منهم يجهلون قيم المجتمع والأصول والعادات والتقاليد، ويؤدي هذا الأمر إلى صعوبة في تفهم الشباب تلك العادات والتي تأتي منها النصائح.
أما رأي علم الاجتماع فيقول د. محمد يحيى فرج الأستاذ بكلية الآداب جامعة عين شمس وهو ينظر إلى الأمر بصعوبة بالغة، ويقدر أن التعامل مع الشباب في سن المراهقة يحتوي على الكثير من الصعوبات والمهام الشاقة، وإن الدخول في هذه المغامرة يحتاج إلى الكثير من المهارات العلمية والمهنية.
ويضيف فرج قائلاً: في القديم كان البيت والمدرسة هما العاملان الأساسيان في تشكيل وجدان الشباب، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيراً حيث تساهم أمور كثيرة في تشكيل شخصية الشاب في عصر الاتصالات والإنترنت وصغر حجم العالم بحيث غدا قرية صغيرة مما يعني اندماج الثقافات وسهولة الأخذ عنها.
الاهتمام بالعادات والتقاليد
وعن العادات والتقاليد يقول فرج إنها تؤثر بشكل فعال في مدى قبول الأبناء النصيحة أو رفضها لذلك يجب على الآباء والأمهات أن ينظروا إلى العادات والتقاليد نظرة اهتمام وأن ينشئوا أبناءهم بطريقة سوية تعمل على تقبلهم النصائح ويتوقف على طريقة عرض النصيحة بحيث إنها إذا كانت في صيغة أوامر فإن الشاب ينظر إلى نفسه كأنه إنسان مكتمل النمو ومن ثم يعتقد أنه يستطيع اجتياز كل المشكلات التي تعترضه.
ويؤكد فرج قائلاً إذا ما تم علاج كل ما سبق من أخطاء في أساليب التربية وأسلوب تقديم النصيحة فإن هذه المشكلة سوف تنتهي.
الكرة في ملعب حسن