DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

ماركيز

مدخل إلى العلاقة بين السينما والأدب

ماركيز
ماركيز
تاريخ السينما يشير الى الادب والعلاقة بينهما بدأت منذ طفولة السينما.. منذ (ميليه) و(جريفيت) وافلام (سندريلا) و(روبنسون كوروزو) و(فاوست) و(حبا في الذهب) وغيرها. لم تكن الفكرة او القصة او الرواية هي المصدر الادبي للفيلم ولكن كانت هناك القصيدة وكان هناك الكاتب وكانت هناك تقنية الكتابة الادبية نفسها. لقد قدم (ديكنز) الروائي (لجريفيث) المخرج عددا من التقنيات لعل اهمها المونتاج المتوازي وتكوين الصورة والتداخل والاستعارات والرموز. علاقة عندما سأل ديفيد جريفيث مخرج من رواد السينما الامريكية والعالمية عن سبب تصوير مشهد لممثلة في مكان يتبعه مشهد اخر لزوجها في مكان مختلف قال: - ألم يكن تشارلز ديكنز يكتب بهذه الطريقة؟ ان اجابة ديفيد جريفيث تلك تقودنا الى ما كتبه لوي دي جاينتي في كتابه فهم السينما, كما تقودنا الى دراسات ووقائع عديدة تؤكد العلاقة الوثيقة بين السينما والادب. يقول جانيتي: لقد جرت تخمينات مختلفة حول ان من ربع الى خمس الافلام الطويلة قد تم اعداده عن نصوص ادبية (وارى ان النسبة اكثر من ذلك) كما ان العلاقة وبين السينما والادب ذات طريق واحد. اشار العديد من المعلقين الى القيمة السينمائية لاكثر قصائد الشعر والروايات الحديثة من ذلك اعمال لباسوس وجيمس جويس. العلاقة بين هذين الوسطين يمكن تتبعها الى طفولة السينما تقريبا, وكما اشرنا في المقدمة استخدم جورج ميليه (من رواد السينما الفرنسية والعالمية) المواد الادبية كأساس للعديد من افلامه بعد ان تخلت السينما عن المسرح كنصوص وتقنية. الفيلم ـ الرواية ان الفيلم حكاية تروي بالصور مثلما الرواية والقصة حكاية تروى بالكلمة المكتوبة, ثمة اختلافات تفرضها وسيلة التعبير نفسها فالكتابة بالصورة تختلف عن الكتابة بالقلم والتعبير الميكانيكي الذي تفرضه آلة التصوير يختلف عن التعبير الادبي ولكن يظل هناك تقارب ما ورؤية ومحاولة طموحة ان تقترب الرواية من السينماوان تكون السينما امينة على ما تقدمه لها الرواية من نصوص. لقد اقتحمت السينما عالم الرواية ودخلت الى عمق شخصياتها وفتشت عن احلامهم ورغباتهم وهواجسهم ونبشت ماضيهم واقتحمت الرواية عالم السينما بتقنياته الجديدة فحطمت بنية السرد التقليدي وعملت على تشابك عنصري الزمان والمكان وتداخل الازمنة وغيرها. علاقة وثيقة ربطت بين هذين الوسطين (السينما/الادب) قمة تأثير وتأثر وتبادل مواقع بين مبدع الرواية او القصة او القصيدة وبين مبدع الفيلم.. ان هذا التبادل هو ما نهتم به هنا اذ انه يعطي مؤشرا واضحا على ما يتحقق في عالم السينما من وجهة نظر الادب وما يتحقق في الادب من وجهة نظر السينما. لقد كان (جريفيث) اول كاتب قصة وشاعر يأخذ طريقه الى عالم السينما ليخرج اول فيلم يبدأ من عنده تاريخ السينما في العالم كفن ينفرد بتقنية خاصة ووسيلة تعبير مميزة, وهو فيلم (مولد امه) الذي انجزه عام 1915م ويعد وفقا لمؤرخي السينماضمن افضل مائة فيلم في العالم. توقف جريفيث عن الابداع الادبي ولكنه لم يتوقف عن اعداد الادب للسينما فغالبية افلامه تعتمد على نصوص ادبية, ولايمانه بالعلاقة الوثيقة بين السينما كفن جديد (حينها) وبين الادب. استقطب الى جواره البعض لكتابة السيناريو مثل فرانك وودز الذي يعد اول كاتب سيناريو بالمعنى المعروف للسيناريو. كان جريفيث يصبو الى ان يكون كاتبا واعتاد ان يقول: انه يفضل لو انه كتب صفحة واحدة من ديوان اوراق العشب للشاعر الامريكي (والت وايتمان) على ان يخرج جميع الافلام التي صورها طيلة حياته. بعد جريفيث جاءت اسماء كثيرة منها ايزنشتين (الروسي) ووليام فوكز, وناثانيل وليست, وجون دون باسوس وفيتز جرالد, وبازوليني الذي كتب الشعر في مراهقته وكتب اطروحته الادبية عندما كان في جامعة بولونيا عن الشاعر باسكوولي وحاول مع اصدقائه اصدار مجلة ادبية اسمها (ايريدي) وساهم في الكتابة في مجلات ادبية اخرى, وليس اخرهم غاربيل غارسيا ماركيز الذي اتجه للسينما واسس ورشة لكتابة السيناريو واصدر كتاب (كيف تحكي حكاية؟) للسينما. كان معظم هؤلاء يعتقد ان السينما في جوهرها وسيلة تعبير الكاتب لذا, اجهض. اغلبهم ولم يقدم البعض الا افلاما قليلة كما لم يقدم صناع السينما للادب مساهمات جيدة, وانحصر تبادل المواقع في حيز ضيق يشير اتجاهه غالبا نحو السينما. المخرج اذا كان الاعتقاد بان السينما في جوهرها وسيلة تعبير الكاتب قد انطفأ وهجه فان الاعتقاد بان السينما وسيلة تعبير المخرج برز الى الوجود منذ بداية السينما وتعاظم مع بروز السينما الجديدة في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في الستينيات على يد مخرجين امثال جودار, وتريفو, وشابرال وغيرهم. واضحى المخرج هو الذي يكتب نصه بنفسه, ويحمل لنا تاريخ السينما العديد من الافلام التي كتبت نصوصها بواسطة مخرجيها. ولعل الابرز من هؤلاء المخرجين: ديفيد جريفيث, وسيرجي ايزنشتاين, وشارلي شابلن, وفون ستروهايم, وهرج وويلز, وبلى وايلدر, وبريستون, وصاموئيل فولر, وقلليني, وكورساوا, وانطونيوني وبيرجمان, وكوكتو, وجاك بريفير, وبازوليني, وزافاييني.. وغيرهم. هذا الاتجاه الذي تصاعد من قبل المخرجين عاد مرة اخرى الى الانحسار, ونحن الان لم نعد نرى الكثير من الافلام التي يكتب نصوصها المخرج الا قليلا آخرها فيلم "الام المسيح" الذي يعرض الان في صالات السينما في العالم). إذ اضحى للسينما كاتبها المتخصص يستعين به المخرج ليقدم له النص السينمائي وغالبا ما يكون هذا الكاتب فاهما طبيعة الاداة التي سوف يتجه اليها النص وقدرتها على التعبير بلغة خاصة تختلف عن لغة الادب ووسائل التعبير الاخرى. يقول امبرتوايكو في حوار معه مؤخرا عن الفيلم السينمائي الذي يحمل اسم روايته (اسم الوردة): ما يكتمه الكتاب يقوله الفيلم والعكس بالعكس وبما انني كنت مدركا لهذا الامر. اتخذت ازاء الفيلم موقفاهادئا ومطمئنا قلت: سيكون ذلك عمل شخص اخر.. عنيت ان الفيلم كان مسحا للكتاب واعادة كتابته. ويؤكد لنا ايكو ماطرحناه.. واستكمالا لموضوعنا نقول: احيانا مايكون الكاتب الذي ذكرناه الذي يكتب نصوص الافلام.. هو المبدع الادبي. فقد شاهدنا لكتاب مثل نجيب محفوظ وماركيز, وجان كوكتو, افلاما كتبوا نصوصها للسينما مباشرة ولم تخرج الى حيز الكتاب المطبوع.. اذا نادرا ما توفر النصوص السينمائية قراءة ممتعة لانها مجرد خريطة او مؤشر للانتاج النهائي. النص السينمائي يفتقد الكثير بخلاف النص الروائي والنص المسرحي كما يقول لوي وي جانيتي. سحر بقت وستبقى السينما عامل جذب للجميع (الشاعر والروائي والمسرحي, والقاص والتشكيلي وغيرهم.. الكل يجزم بأن المستقبل للصورة المرئية, خاصة السينما التي لها سحر خاص وجاذبية ومساحة عريضة من الجمهور قلما توافر لنص ادبي جمهور مثله. ان (كلودموريال) وهو من اهم كتاب السينما ومنظريها في العالم يقول: (ان الفنون ايا كانت تجسد الحلم انها تنزع الى اعطاء شكل لماهو غير محسوس. والسينما بين جميع طرق التعبير هي الطريقة التي تتمتع باكثر الوسائل اقناعا في اقتناص الموج الشاعري: اولا: لانها لاتجمده كما تفعل الفنون التشكيلية. ثانيا: لانهالاتبطنه - نتيجة لذلك - كما يفعل الادب. ثمة مقارنة عقدها (مارسيل مارتن) في كتابه (اللغة السينمائية) بين السينما والفنون الاخرى اشار فيها الى ان السينما من وجهة النظر الاجتماعية قريبة الشبه بالمسرح خاصة المسرح القديم: نفس الجمهور الكبير, نفس الواقع الاجتماعي العظيم, نفس الخاصية التي تكاد تكون اسطورية العرض وثمة تشابه ايضا بين اقنعة الممثلين في العصور القديمة وبين الطرازات السيكولوجية والاجتماعية للسينما التي هي اكثر الاحيان مرفوعة الى مستوى الاسطورة. مقارنة اخرى قدمها (سيمون فرايلش) في كتابه الدراما السينمائية (فن السينما يرفع الحدود والحواجز بين فن الكتابة والفن التشكيلي. فالفيلم يسيطر على الزمن والشكل معا.. في البدايات قامت السينمائي بتقليد المسرح ثم تقليد الفن التشكيلي ثم راحت تسير على منوال السرد الادبي فظل الاسلوب السينمائي مقلدا الى ان استجمع امكانياته وخبراته الفنية الخاصة. لذا فان من الاهمية بمكان البحث عن سبل الايجاز والابداع خاصة لدى تصوير عمل ادبي تتباين الفروق فيه بين الوصف الشعري وتصوير هذا الوصف سينمائيا..) الفيلم يستمد عناصره من كل الفنون الاخرى, حيث يستمد من الرسم عناصر التأثير البصري للصورة, ومن الموسيقي احساس الانسجام والايقاع, ومن الادب امكانية التعامل مع المواضيع الحياتية المختلفة, ويستمد من المسرح فن الممثلين.. كل هذا بطرق ابداعية مختلفة, وهو بطبيعته ليس هذه الفنون ولكنه يشتمل على هذه الفنون تاركا الفوارق بينها كما هي.. اذ لايمكن لاي منها ان يحل محل الفيلم. توافق ورغم توافق مارسيل مارتن مع ماطرحناه الا انه على المستوى السيكولوجي يقول: ان السينما تقترب من الرواية الحديثة فالرواية والسينما تبحثان منهجيا كل مايسعه ان يعضد الانصهار العاطفي بين الشخصية والجمهور. ان قارئ الرواية يكون سلوكه مشابها لسلوك مشاهد الفيلم.. فالفيلم الى حد ضئيل عرض مشهدي او ليست عرضا على الاطلاق انها كالرواية - حكاية - ومن وجهة نظر جمالية يقدم لنا مارتن مقارنة بين السينما والشعر الحديث حيث نفس الرغبة في جعل الكائنات تتكلم مباشرة ونفس فيض الواقع الذي اعيد تركيبه وركز وغير شكله، ونفس التحام الصورة والفكرة. ان مارتن يريد ان يقول لنا عندما جمع بين الرواية والفيلم كونهما حكاية: ان الحبكة هي القاسم المشترك بين الفيلم والحكاية والحبكة كمصطلح من العناصر المكونة للعمل الادبي والفني ولكن الحبكة في حد ذاتها لاتهم الا الكاتب اوالمؤلف لانها مخطط يصبح في النهاية قطعة من الحياة كما تخيلها المبدع.. والحبكة ايضا ليست مهمة للمتلقي (القارئ او المتفرج) وما يهم المتلقى هو البناء الدرامي اي العلاقة المتبادلة بين الشكل والمضمون وما ينتج عنها من معارف كما يقول (عدنان مدانات). التحليل يعد الفيلم مجالا تعبيريا خاصا كما اشرنا وهو أداة لرواية الحكايات تقاسم القصة القصيرة والرواية عناصر كثيرة.. والفرق الكبير بين الفيلم والرواية والقصة، والمسرحية هو ان الفيلم ليس سلسا على الدراسة اي انه متحرك ولايمكن تجميده بفعالية على الصفحة المطبوعة كما في الرواية والقصة، وهما ايسر نسبيا على الدراسة فقد كتبتا لتقرآ ولايعني ذلك اننا نتخلى عن مبادئ التحليل الادبي او الدرامي للفيلم.. فالفيلم والادب يتقاسمان عناصر كثيرة وينهض التحليل السينمائي الجيد على نفس مبادئ التحليل الادبي. واذا كان لنا ان نتوقف لنتوسع في دائرة علاقة الادب بالسينما خاصة الرواية الجديدة (قمنا بدراسة سابقة عن السينما والرواية) فاننا لن نكون قد خرجنا عن دائرة طرحنا لاننا سنشير الى عناصر اقترنت بالرواية الجديدة والسينما. وعلى سبيل المثال هناك (الن روب جربيه) الذي اتجه نحو السينما كلية معتقدا هو و(مارجريت دورا) الروائية ان السينما هي الفن الاكثر قابلية لاحتواء نصوصهم الروائية ومشروعاتهم الابداعية بحرية اكبر في تحطيم السرد وتحقيق طموحات الكتابة الجديدة. لقد كتب (جربيه) للسينما مباشرة النص السينمائي وكان فيلمه الاول (السنة الاخيرة في ما رينباد) من اخراج (الن رينيه) نموذجا للغة السينمائية التي تتجاوز السرد الروائي كما قال بعض النقاد, فثمه تداخل في الازمنة واصطدام وتحاور بينهما وتوالت بعد ذلك افلام جربيه فجاء فيلم (الخالدة 1963م) ثم قطار اوروبا السريع 1966م الذي لعب فيه الخيال دورا كبيرا واستمر يقدم افلامه بعد ذلك حتى عام 1983 حيث قدم فيلمه الاخير (الاسيرة الجميلة). واذا كان النقاد قد انقسموا حول تجربته فالبعض يؤكد انها اسدت للسينما رؤية جديدة والبعض يؤكد فشلها ويتهمها بالادعائية الثقافية الا اننا نؤكد وفق ماشاهدناه منها انها تجربة تستحق الوقوف عندها. اما مارجريت دورا فكانت تجربتها مختلفة اذ تعاملت مع النص الادبي كمادة طيعة قابلة للتحول من الرواية الى السينما وبعد فيلمها الاول وهو ايضا من اخراج (الن رينيه) واسمه (هيروشيما حبيبتي 1958م) بداية رائعة وترجمة لما قدمته الرواية الجديدة من تقنيات. ودون الحكم على هذه التجارب وتجارب اخرى عديدة منها تجربة فيلم (آلام المسيح) وما قدمته السينما العربية من افلام لروائيين عرب منهم نجيب محفوظ, وحنا مينا, ويوسف ادريس وابراهيم اصلان.. وغيرهم، فاننا نشير الى ان الشاشة ستبقى مساحة جذب للكثير من النصوص والشخصيات الادبية وما طرحه البعض من الادباء من تبريرات حول توجههم للسينما يؤكد ما للاخيرة من دور هام يتعاظم تجاه المبدع والمشاهد وهو دور يفوق دور الادب ولكن لن يلغيه.. دور نسيناه تماما رغم خطورته وتأثيره.
شارلي شابلن
أخبار متعلقة
 
محفوظ