يلاحظ المتابع للسوق العقارية ما تشهده من ازدهار بحيث أغرى هذا الازدهار في المساهمات العقارية الكثير من أصحاب الاختصاص والكثير من المغامرين لدخوله واستثمار الحالة النفسية للأشخاص الباحثين عن الربح السريع، إذ أن المتابع يلاحظ كثرة الإعلانات واقدام العديد من المواطنين على شراء مساحات من الأراضي البيضاء أو البور ويشقون فيها الشوارع ويربطونها بالمرافق العامة كالماء والكهرباء ويقسمونها إلى وحدات ممسوحة ومحددة على أرض الواقع وفق رسومات وتصاميم هندسية خاصة بها، وهو ما يسمى (تطوير) ولا ندري من أين أتت هذه التسمية وهل هي تنطبق فعلا على هذا الفعل ؟ ثم يقومون ببيع هذه الوحدات أو بالبناء عليها، كتشييد المباني والأبراج والمجمعات التجارية والسياحية والعمارات السكنية ...الخ ويبيعونها جملة أو شققا أو طبقات أو مكاتب بأسعار تزيد على كلفة البناء وسعر الشراء أو يقومون باستغلالها بالتأجير .
ـ ومن المستثمرين من يقدم على هذه المشروعات إما بتمويل ذاتي (مع إمكانية الاقتراض) أو من خلال استقطاب مساهمات الآخرين لتكوين رؤوس الأموال اللازمة ولذلك سميت مشاركات الآخرين بالمساهمات العقارية لانها استثمارات منصبة على استغلال عقار أو المضاربة عليه .
ـ فإذا كان صاحب المشروع حسن النية والحظ وكتب لمشروعه التوفيق والنجاح، وتحقق له طموحه في استغلال العقار وتحقيق الأرباح، فهو عادة يحتفظ لنفسه بنسبة من عائد الاستغلال لقاء جهده وإشرافه، قلما ينزل عن نسبة 10% بغير حد أقصى للمبلغ الذي قد يحصل عليه (تشبيهاً بمجلس ادارة شركة المساهمات) كما يحتفظ لنفسه أيضا بنسبة مماثلة أخرى من ثمن العقار بمكوناته إن قام ببيعه، ثم يوزع ما يتبقى من أموال وأرباح على المساهمين بعد سداد الديون .
ـ ولكن الرياح لا تجري دائما كما تشتهي السفن، فقد يكون صاحب المشروع سيىء النية حسن الحظ أو بالعكس أو سيئ النية وعاثر الحظ في آن واحد فيجمع أموال المساهمين بهدف جمع وتكوين ثروة تخصه بهذه الطريقة، فلا يكون هناك أرض ولا مشروع فيحتفظ بالأموال التي جمعها لنفسه ويهربها إلى أقاربه أو يحولها إلى الخارج ويدخل معه المساهمون الذي وثقوا به في نفق الدعاوي وقد يعلن اعساره، فينتهي المشروع وتنتهي المساهمات إلى خيبة الأمل لا يقف الأمر عند ذلك، بل يجمع صاحب المشروع المساهمات ويشتري الأرض ويتعاقد مع المقاولين، ولكنه للمساهمين، وقد يدخل في منازعات مع المقاولين، فيقف المشروع في منتصف الطريق، وكلما سألته عن المشروع أجاب: إن الأمر متوقف على تنفيذ المقاولين لالتزاماتهم وإذا سألت هؤلاء الآخرين: أدخلوك في متاهة تخص صاحب المشروع ومماطلاته، وهكذا ينتهي الأمر إلى سلسلة من الدعاوي والحجوزات التي تلتهم الوقت والجهد والنفقة .
ـ وقد يكون صاحب المشروع حسن النية عاثراً، بل يبذل كل ما يستطيع من جهد صادق ونزيه، ولكن ولأسباب خارجة عن إرادته تعثر المشروع وأصيب بخسائر أفضت إلى تبخر معظم أو كل الأموال المستثمرة فيه .
ـ وقد تحركت وزارة التجارة بهدف المحافظة على حقوق المساهمين وطلبت عدة اشتراطات للموافقة على التصريح للمساهمات العقارية، منها أن يتم تعيين محاسب قانوني وأن لا يعلن عن الأرباح المتوقعة وأن لا تزيد مدة المساهمة على ثلاث سنوات وأن يمتلك الراغب في المساهمة الأرض التي يرغب في طرحها، وأن يساهم بحصة لا تقل عن 20% من عدد الأسهم .
ـ ولكن يثور سؤال أمام جميع الأطراف المعنية عن الطبيعة القانونية لهذه المساهمات وعن القواعد التي تنطبق عليها ؟
- وتقع الإجابة عن ذلك في مجموعة من النقاط نعرضها تباعاً كالتالي:
1- سواء أقدم صاحب المشروع على التمويل بجهد ذاتي أو من خلال مساهمات الآخرين، فإن العقار الذي سيجري استغلاله يكون مملوكاً له وحده، فيحصل على صك الملكية باسمه على الأرض، ولا يقبل أن يشاركه فيه أحد فيكون تصرفه على هذا العقار هو تصرف المالك فيما يملك، لا يقيده شيء فله أن يبيعه أو يهبه أو يقترض بضمانه أو يوصي به أو يدخل به- كحصة عينية- في شركة أو يورثه، فهو ملكه وحده وليس ملكا لأية شخصية اعتبارية. ويترتب على ذلك انه ليس لأي مساهم حق عيني على هذا العقار، وأن ما دفعه لصاحب المشروع هو مساهمة تؤول في نهاية الأمر إلى دين في ذمته له نصيب- بموجب عقد المساهمة- في الأرباح ان ترتبت على المشروع أرباح.
2- لا تعتبر المساهمة العقارية ولا تصرفات صاحب المشروع على العقار منذ بداية المشروع وحتى انتهائه عملاً تجارياً في نظر نظام المحكمة التجارية السعودي، لأن المادة (2) من هذا النظام تعتبر الشراء لأجل البيع عملاً تجارياً إذا ورد على منقول كالبضاعة والغلال، مما يعني أن شراء العقار لأجل بيعه بربح لا يعتبر عملاً تجارياً بل هو عمل مدني، بالرغم مما تتمتع به هذه المشروعات من أهمية وما تستقطبه من أموال وائتمان. ان القول بتجارية المضاربات العقارية من عدمه له تأثير كبير، فالقول بمدنية العمل يعني: عدم خضوعه للأنظمة التجارية، وعدم اعتبار صاحب المشروع تاجراً، وخروج الاختصاص بنظر منازعاته من ديوان المظالم، والأهم من ذلك هو قسمة الدين عند تعدد المدينين به وعدم تضامنهم إلا بنص صريح. وتفسير ما تقدم هو أن توقف صاحب المشروع عن الدفع لن يستتبع في ظل القواعد الحالية اشهار إفلاسه بل سيتم اشهار إعساره عند زيادة ديونه عن حقوقه، ويمكن أن يمنح نظرة إلى ميسرة وليس صلحاً واقياً أو بسيطاً. ومن ناحية أخرى أنه لا يمكن لدائني صاحب المشروع بعد أن تنظر المحكمة الأمر أن يعودوا على المساهمين المكتتبين، لأن أيا من هؤلاء قد دفع ما عليه ولا تضامن بينهم، وليس لأننا إزاء مساهمات وإنما لأن العمل محل النزاع عمل مدني لا تضامن بين المدينين به.
3- تشكل المساهمات العقارية في مجموعها عقد شركة، فهناك تعدد في الشركاء وبنية اقتسام ما يسفر عن المشروع من أرباح أو خسائر بمقدار حصة كل شريك. ولكن هذا العقد لم يتمخض عن كيان نظامي ذي شخصية اعتبارية لأن العقد المذكور افتقر إلى الاشهار والإعلان. فلا يظهر أمام الجمهور إلا صاحب المشروع الذي صدر صك ملكية الأرض باسمه وهو قد يحمل سجلاً تجارياً، وله عضوية في غرفة التجارة بهدف الاستفادة من توثيقها لتوقيعاته، وقد يمسك بدفاتر محاسبية ولكنها أغلب الظن ليست دفاتر تجارية بالمعنى القانوني.
4- يتولى صاحب المشروع جمع الاكتتابات في إطار ما يمكن تسميته بأنه اكتتاب خاص مقابل إيصالات اسميه يصدرها للمكتتبين. مع مراعاة أن الاكتتاب هنا ليس اكتتاباً بالمعنى المنصوص عليه في نظام الشركات، لأننا لسنا إزاء شركة مساهمة تطرح اسهماً للاكتتاب العام، وإنما هي تسمية تعارف عليها العامة. تثبت المساهمة من خلال إيصالات مقرونة ببيان يتضمن شروطاً لصاحب المشروع لا تقبل التعديل إلا إذا كان المكتتب كبيراً، أي ذا نصيب كبير يستطيع فرض الشروط التي تحمي حقوقه.
ويتولى صاحب المشروع القيام بالتنفيذ والادارة بصورة منفردة , وليس لأحد ان يتدخل في قراراته أو أن يعقب عليها , وليس من حق المساهمين مطالبة الغير بتنفيذ أي من العقود التي يبرمها صاحب المشروع , والصكوك التي يصدرها هذا الاخير صكوك اسمية غير قابلة للتداول وتخضع فقط لقواعد حوالة الحق.
5ـ رأينا سابقا ان المساهمة العقارية علاقة اجتمعت فيها عناصر عقد الشركة ولكنه لم يسفر عن شخصية اعتبارية بسبب غياب ركن الاشهار والاعلان.
وهي شركة يظهر فيها مديرها صاحب المشروع الذي حين يقدم على تصرف يخص الشركة القائمة انما يتصرف باسمه الشخصي , مدع ومدعى عليه حاجز او محجوز عليه.
ان اقرب وصف نظامي وقانوني للمساهمات العقارية هو(شركة المحاصة) المفتقرة الى الشخصية الاعتبارية ويحكمها الاتفاق المبرم بين المساهمين فان ربحت يجري توزيع الربح على المساهمين, واذا خسرت تحمل كل منهم الخسارة بمقدار ما دفع وليس بنسبة حصته لسبب سوف نبينه.
ولكن هذه المحاصة تختلف عما هو معروف عنها فالمساهمة العقارية غير مستورة حيث يجتهد صاحب المشروع في الاعلان عن المساهمة لاستقطاب المكتتبين , مما يعني ان صاحب المشروع عمل بإدارته على إعلام الكافة بها, وبالرغم من معرفة الغير بوجودها فانها لاتبقى بحسب الواقع شركة محاصة ولا تتحول بظهورها الى شركة تضامن فعلية, لأنها ظاهرة وغير مستترة وذلك لسببين:
1. ان تجارية هذه المحاصة , او مدنيتها تتحدد بحسب طبيعة العمل الذي تتعاطاه , وبما أن المساهمات العقارية عمل مدني (كما رأينا) فان المحاصة بين الشركاء ذات طبيعة مدنية.
2. ليس هناك ما يمنع من أن تكون شركة المحاصة قائمة على اساس تحديد مسؤولية الشريك.
ان اعتبار المساهمة العقارية شركة محاصة بالرغم من عدم وجود عنصر الخفاء , يتفق مع التعديل المقترح على تعريف شركة المحاصة الوارد في التعديلات الخاصة بنظام الشركات حيث ورد في نص المادة 42 المقترح كما يلي:( شركة المحاصة نوعان: النوع الأول ......... والنوع الثاني: شركة ظاهرة لا تخضع لقواعد الاشهار والإعلان ولا تتمتع بشخصية اعتبارية ويسأل أطرافها على أساس شخصي وبحسب طبيعة العمل محل العقد)
ان حماية المساهمين تستوجب إكساب صاحب المشروع (المدير) صفة التاجر وترتيب مختلف النتائج المناسبة على تصرفاته.
من الأفضل الإبقاء على مسؤولية المساهمين في حدود ما دفعوه وليس بنسبة حصصهم وذلك لكي يبقى صاحب المشروع هو المسئول الأول.
أن إفلاس او إعسار صاحب المشروع يجعل من المساهمين مجرد دائنين بما دفعوه.
لا تخضع المساهمة العقارية لقواعد التصفية ولا يشهر إفلاسها لكونها مجردة من الشخصية الاعتبارية.
*محامي ومستشار قانوني