عندما يقترب العالم العربي والإسلامي من دمه، يلتئم الكلام عليه نعياً أو انبعاثاً، يتساوى عندها المنفى البعيد والمنفى المقيم على ألمه داخل تخوم الخوف وخارج حدود الأمل في لحظات التسول خلف سراب "الحلول السياسية" قلة قليلة، تمتشق القلم لتكتب عن المستقبل، بتفاؤل لا يكذب، فترسم الوطن ولادة جديدة وتبشر وسط المعاناة بأن للموت لوناً آخر يشبه بهاء القيامة.
وبنظرة إلى واقع المنافي البعيدة، نتذكر كيف التقت أصداء المآسي في المغتربات، فتألقت حول المأساة أقلام العصبة الأندلسية، والرابطة القلمية، فنسجت للوطن خريطة جديدة موحدة فيما كان المقيمون على جثة السياسة يقتسمون الأرض ليشيدوا فوقها مقابر سخية البشاعة لوطن كان سخياً بدمه.
لم يقصر المغتربون لا بأقلامهم ولا بدعواتهم للقضاء على الخلاص من احتلال الدولة العثمانية، ولم يقصروا عندما بدأت المؤامرة تزرع الصهاينة في فلسطين. فالتقت أقلام اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعرب في المنافي النائية للتنبيه من خطرهم والتحذير من مطامعهم والتحريض على مقاومتهم. وقد كتب جبران خليل جبران أو أمين الريحاني وسواهما من أعضاء الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية بقلم الإخلاص ورسـموا به ألوان الحلم /المستقبل.
فهل نحن اليوم وأوطاننا على حافة الذبح نلتئم قليلاً لرفع السكين العنصري والسيف الصهيوني؟ هل يستطيع المثقفون وهم كثرة كثيرة أن يلتقوا خارج كيانيتهم وبعيداً عن انتماءاتهم القطرية والعشائرية وقوقعاتهم الحزبية ليشاركوا في عملية الدفاع المطلوب..! ما أعنيه هي تلك الأدمغة العربية العديدة التي هاجرت إلى "كندا"، هذه الدولة المتميزة ديمقراطياً وقانونياً والتي منحتهم الكثـير من الحرية والأمان والسـكينة.. ترى هل سيخرجون من قوقعة اهتماماتهم ومصالحهم الشــخصية ويرتقون من احتراف "السوبرماركتات أو"محطات البنزين" إلى متابعة مايجري في الأرض / الأم واستخدام ما بأيديهم من صلاحيات للمشاركة المسؤولة للدخول في حوار فاعل مع الغرب ومع الثقافات الأخرى.. بما يمكن أن يتأتي بنتائج تنبثق عن الضمير الجمعي..؟
هل يمكن أن يرتقي أولئك المثقفون إلى طاولة الحوارأم أنهم سيشهدون بدموع باردة الجنازة الدائمة لشعب ينزف حتى الثمالة..! حتى الآن نسمع أصواتاً ناتئة خارج سكون المثقفين، حتى الآن الصدى يولد الصدى والموت ينتظر القافلة والعواء يملأ الدنيا سياسة.
*شاعرة سعودية