لا احد ينكر تطور القطاع الصحي في المملكة على مستوى الوطن العربي والعالم، خاصة فيما يتعلق بالامراض المستعصية مثل زراعة الاعضاء وفصل التوائم الملتصقين وعلاج السرطان ـ اجاركم الله ـ وغيرها الكثير. ومن الملاحظ اننا نلمس هذا التطور فقط عند وجود حالة مرضية مستعصية من دولة خارجية تتبنى علاجها حكومة المملكة، وعندما يسلط عليها الاعلام المرئي او المسموع او المقروء، عندها فقط نعرف ان القطاع الصحي هنا في المملكة متطور جدا وبخير.
اما على مستوى العلاج الطبي (المحلي اذا صح التعبير) فالعناية الصحية في مهب الريح وتكاد تكون معدومة في اغلب مستشفيات القطاع العام والخاص على السواء ان لم يكن جميعها. وهذا التهاون في اداء الخدمات الصحية ادى الى ازدياد حالات الاخطاء الطبية، واصبحت عبارة (قضاء الله وقدره) الشماعة التي يعلق عليها الاطباء واخصائيو التخدير اخطاءهم دون رقيب او حسيب، نحن نعلم ان كل شيء بارادة الله ونؤمن بالاقدار، ولكن هذا لا يعني ان نهمل في اداء اعمالنا ونؤديها على طريقة المقولة المصرية (يا رب تيجي في عينو).
نعم اعزائي، الاخطاء الطبية ازدادت في مستشفياتنا وان لم نتداركها فسوف تزداد اكثر وتصبح مشكلة اجتماعية بدلا من كونها ظاهرة اجتماعية، وسوف تقارب اعدادها من اعداد وفيات حوادث السيارات التي تحصد مالايقل عن 5 الاف نفس سنويا هنا في المملكة. في رأيي انه لو كانت الاخطاء الطبية تتم بطريقة حرفية، فهذا مقبول ووارد ويمكن ان نقول قضاء الله وقدره، لان الشخص الوحيد الذي يعمل هو الذي يخطىء ومن لا يخطىء لا يعمل، لكن الاخطاء الطبية هنا في المملكة تحدث في حالات يمكن لطبيب الامتياز حديث التخرج ان يتفاداها ويتداركها قبل وقوعها لو بذل جهدا تتطلبه الامانة الوظيفية.
حالة حدثت في احد المستشفيات الخاصة (اربعة نجوم) في مدينة الرياض. مواطن يذهب مع سائقه الافريقي الى المستشفى لعمل كشف طبي لزوم الاقامة، كشف عليه طبيب عربي افريقي ونتائج الفحص والتقرير تقول (النتائج سليمة والحمد لله باستثناء ارتفاع بسيط في درجة الحرارة) يعطي الطبيب المعالج الدواء الطبي اللازم ويطلب منه المراجعة بعد ثلاثة ايام يمر يومين ثم ثلاثة ايام والحرارة كما هي، يراجع الموطن وسائقه بتثاقل المستشفى مرة اخرى قبل الموعد، ويصر الطبيب على انها نزلة برد ويغير له العلاج، يستمر الوضع أسبوعا دون جدوى والعلاج يتغير ويصر الطبيب المعالج على انها نزلة برد.
وعند زيارة الكفيل السائق في غرفته ليلا للاطمئنان عليه وجده بين الحياة والموت فأخذه الى مستشفى اخر واكتشف ان السائف يعاني ملاريا في المخ، وهو نوع من الملاريا يدمر خلايا المخ ويؤدي في الغالب الى الوفاة في ظرف 48 ساعة، ونسبة النجاة منه تكاد تكون معدومة الا اذا لطف الله، والملاريا يعرفها طلاب المدارس بأنها مرض ينتشر كثيرا في الدول الافريقية، وكان يمكن للطبيب في ذلك المستشفى (الخمس نجوم) ان يخمن على الاقل ان الملاريا قد تكون سببا في عدم انخفاض درجة حرارة المريض لمدة اسبوع وليس نزلة برد، على اعتبار ان السائق من دولة افريقية، ابلغ الكفيل سفارة السائق بان السائق يحتضر (بسبب خطأ في التشخيص) ولكن لطف الله كان اكبر وارحم، وتعافى السائق وما زال يعمل في مدينة الرياض سائقا مع نفس الكفيل. امر مضحك مبك وخطأ فادح في التشخيص كاد يكلف المريض حياته.
حالة اخرى غريبة عجيبة حدثت في مستشفى آخر (خمس نجوم) في مدينة الرياض ايضا، مواطن اخذ زوجته اليه وهي تعاني آلاما مبرحة في المعدة قابلها طبيب من دولة آسيوية وطلب منها شرب سائل لكي يتم تصوير ما بداخل المعدة بشكل دقيق جدا لمعرفة سبب تلك الالام، وانتم قد تدركون تكلفة هذا السائل سواء من الناحية المادية او حتى النفسية لطعمه المقرف. شربت الزوجة السائل على طريقة (مكره اخاك لابطل) وكشف عليها الطبيب واعطاها تقريرا مفصلا فحواه وجود حصوة في المرارة، وطلب دخولها غرفة العمليات فورا لاستئصالها قبل ان تتضاعف حالتها اخذ الزوج التقرير وحمد الله كثيرا انها حصــوة في المرارة، وتأكد ان زوجته سليمة (وما فيها الا العافية) انتظروا اعزائي ولا تستعجبوا كيف تكون زوجته سليمة والتقرير يقول ان عندها حصوة في المرارة.
الزوجة اعزائي سبق ان استـأصلت المرارة والزائدة منذ فترة وهناك علامتان واضحتان في البطن تشيران الى ذلك يستطيع اي انسان ان يراهما حتى ابنها طالب المتوسطة امر مضحك مبك وخطأ فادح في التشخيص كاد يكلف فتح بطن بحثا عن شيء غير موجود أصلا.
بين يدي الآن ايضا قصاصة احتفظت بها من جريدة الوطن السعودية العدد 1273 بتاريخ 4 من صفر 1425هـ لتحقيق يقول: (خطأ طبي يفقد زوجين سعوديين طفلتهما بعد حرمان من الانجاب استمر 14 عاما) ومن يقرأ هذا التحقيق لابد ان تذرف عيناه بالدموع على معاناة الزوجين والعناية الطبية الرديئة التي وصلت اليها العناية الصحية في مستشفياتنا فالواضح من التقرير ان هناك اهمالا كبيرا حدث في المستشفى الذي حدث فيه الحالة في محافظة حبونا بمنطقة نجران والتي تبعد اكثر من 80 كيلومترا لعدم وجود مستشفى بقريته، خطأ كبير ايضا بسبب الاهمال وسوء التشخيص والتقدير ادى الى فقدان أسرة طفلها الوحيد.
اخطاء لا تغتفر، وجرائم كبيرة ترتكب باسم الاخطاء الطبية، فالمرضى في قبورهم، والاطباء يسرحون ويمرحون بحثا عن ضحية اخرى يجـرون عليها تجاربهم دون رادع، ومن امن العقاب أساء الأدب.
* كاتب ومستشار مالي وإداري
عضو الجمعية السعودية للإدارة