DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

غلاف الاصدار

اصوات شعرية مقتحمة لفاروق شوشه

غلاف الاصدار
غلاف الاصدار
أخبار متعلقة
 
أربعة عشر شاعرا مصريا معاصرا يتوقف عندهم طويلا الشاعر الكبير فاروق شوشة، من خلال مقالات أدبية، قوامها المحبة التي تهدف إلى الكشف عن عالم هذه الأصوات الشعرية التي يرى ـ الشاعر ـ أنها لم تنل ما تستحقه من اهتمام نقدي. وهي في مجموعها، وتنوع أنغامها، واختلاف مساراتها وأعمارها، تشكل صفحة أو صفحات، من ديوان الشعر المصري المعاصر. صدرت هذه القراءة في كتاب بعنوان "أصوات شعرية مقتحمة" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بعد أن أخذ فاروق شوشة على عاتقه الكتابة عنها أولا في مقاله الأسبوعي بجريدة الأهرام، ثم قام بجمع هذه المقالات، وأعاد صياغة بعضها مرة أخرى، لتناسب النشر في كتاب مستقل، يحمل نبضات هذه الأصوات إلى القارئ المهتم والمتابع لحركة الشعر المصري في عقودها الأخيرة. أول هؤلاء الشعراء، هو الشاعر جميل محمود عبد الرحمن الذي عرفه الكاتب، عن طريق الشاعر الراحل محمد الجيار، فوجد في شعره علاقة خاصة مع النخيل، والشجر المتطاول الذي يطاول نفس الشعر ويجسد كبرياءه وشموخ هامته، ورسوخ قدميه. إن صدر الشاعر يجيش بما لا يفصح عنه وجهه الحيي الخجول، وصورته الصعيدية الطيبة، كأنه ابن الفطرة التي لم تمسسها يد الصنعة أو التصنع، أو هو النموذج الأصيل لابن صعيد مصر الذي يستطيع - دون جهد أو مشقة - أن يغري الناس بمحبته وصحبته. ومن هنا صحب فاروق شوشة أعمال جميل الشعرية التي باحت له بأسرارها وكيمائيها الخاصة. أما الشاعر د. عبد الحميد محمود، فله ولع خاص ببحر "المنسرح"، وأن الشعر العمودي يكشف عن حقيقة شعريته، حيث تلتقي نزعتان في تكوينه الشعوري والمزاجي: الأبيقورية المندفعة إلى اللذة والمتعة الحسية والنهم في ملاحقة الجمال، كما تجلت في شعر علي محمود طه. وعن الشاعر د. سامح درويش، يقول فاروق شوشة: "إنه لم يكن من الصعب اكتشاف أن سامح درويش مختلف عن بقية الكوكبة - شاعرا وإنسانا - عندما تعرف عليه لأول مرة من خلال المهرجانات الشعرية لكلية الطب بجامعة الإسكندرية في مستهل السبعينيات". إن آفاق العالم الشعري لسامح درويش ليست كلها ابتسامات ووجوها مؤتلقة ففي المركز منها معاناة هذا الشاعر وارتطامه بقدره اليومي، ومعاناته القومية، متابعا الدم العربي الذي يُراق في صمت بلا ثمن، ويذهب بددا بعد أن تساوى بالهباء. وعن الشاعر د. فوزي خضر، يقول فاروق شوشة إنه عندما استمع له لأول مرة في ملتقيات الإسكندرية الشعرية قال لنفسه: هذا هو الشاعر الذي سيقدر له خلال أمد قصير أن يكون صوت الشعر فيها، وأن يكون طليعة لجيله من الشعراء. حيث كان بنيان قصيدته العمودي قويا ومتماسكا، ولغته شديدة الإحكام، ثرة الإيحاء، وقدرته الفذة على التصوير تتكشف عن رسام بارع بالكلمات للوحات فاتنة معبرة. وهو سرعان ما حرص على المغايرة، وعدم الوقوع في أسر التأثر، فأفصح عن موهبته الشعرية - في بواكيره - بصورة كاملة من خلال مجموعته الشعرية "الترحال في زمن الغربة" التي صدرت له عام 1984 عن المجلس الأعلى للثقافة. ثم يتحدث فاروق شوشة عن الشاعر فولاذ عبد الله الأنور (سوهاج) الذي انقطع عن الشعر ثم عاد إليه متأثرا بزلزال نفسي عميق رجَّه من الأعماق رجًّا، وجعله يتنبه من جديد إلى حقيقته الإبداعية وإلى رسالته الشعرية التي لا تعارض بينها وبين توجهاته الدينية والروحية، وإلى أن نهر الشعر الجاري في داخله، والذي ظل ساكنا مجمدا طيلة عشر سنوات، كان لابد له من الاحتشاد والتفجر والتدفق. أما الشاعر أحمد فضل شبلول فيقول عنه فاروق شوشة: "إنه لم يكن - في يوم من الأيام - مجرد واحد من أصوات الإسكندرية الشعرية المقتحمة، وإنما كان - بالإضافة إلى ذلك - واحدا من أبرز الدارسين والباحثين - في جيله - لواقعها الأدبي والثقافي، قبل أن يتجاوز هذه الدائرة الجغرافية الضيقة، لتصبح اهتماماته وشواغله باتساع العالم العربي كله"، وعلى الرغم من ذلك لم تغب الإسكندرية - محبوبته الكبرى - عن وجدانه طوال سنوات المنفى والاغتراب، فقد كانت تُشرق بين سطوره وتسطع ملء كلماته، يغني لها ويهتف عند لقائها، محتضنا بحرها ورمالها وطيورها في شحنة وجدانية وجودية عارمة. الشاعر السابع في كتاب فاروق شوشة "أصوات شعرية مقتحمة" هو الشاعر محمد الشهاوي الذي تعرض - كما يقول شوشة - للظلم بسبب إقامته وحياته، بعيدا عن القاهرة، وإصراره على أن يكون مرتبطا بقريته "عين الحياة" إحدى قرى مركز "قلين" في محافظة كفر الشيخ، فقد حجبه هذا الظلم بعيدا عن أضواء الحياة الأدبية والثقافية، وإغفاله في المناسبات والملتقيات على مستوى العاصمة. ولكن في الوقت نفسه، أنضجته العزلة على نار هادئة من التأمل والوعي العميق والبصيرة النافذة، فهو لم يضيع وقته سدى. أما الشاعر فؤاد طمان فهو من صنف الشعراء الذين لا يفارقهم القلق والتوتر، ولا تهدأ أبدا أرواحهم الهائمة، الباحثة - دون جدوى - عن العوالم المجهولة والجزر التي لم تطأها قدم بشر، تتملكهم شهوة امتلاك العالم، لكن ما تتسع له قبضة اليدين لا يكفي لحفظ الأود وري الظمأ. أما الشاعر مهدي بندق فلا تكتمل صورة المشهد الشعري في الإسكندرية، بدون الاقتراب من تخوم العالم الشعري والفكري له. فهو شاعر يقبض على الجمر، ويستصفي من بين ما تموج به الإسكندرية ـ على امتداد تاريخها الحضاري وتجلياتها المتنوعة المتعاقبة ـ من روح التمرد والثورة والتحدي، ومن القفز فوق الأشواك، ومن مقاربة حد الاستشهاد من أجل فكرة يؤمن بها، أو في سبيل غاية يحلم بتحقيقها. وهو نموذج رائع لعناق الشعر والفلسفة، أو جدلية الفكر الفلسفي مُذابًا في الحلول الشعري، وهو بهذا المعنى يدفع بالقصيدة الجديدة إلى أفق ما بعد صلاح عبد الصبور في مواقفه ومخاطباته. كما يدفع بالمسرح الشعري إلى نقلة نوعية بعد الإنجاز الضخم لصلاح عبد الصبور. الشاعر أحمد بخيت يتكئ على شاعرية أصيلة وموروث شعري ضخم، ولغة تمزج بين عناصرها الكلاسيكية وامتلائها بأصوات العصر ومفرداته. وإن كان يريد أن يوهمنا بأنه يقطع صلته بالماضي والموروث بحثا عن الجِدَّة والمغايرة، وإن كان في تمثله وهضمه وتجاوزه يحتفظ لنفسه بأصفى ما في هذا الموروث من خيوط ممتدة ونسيج حي قابل للبقاء والتجدد، لذا فإنه، ومن هم على شاكلته من أصحاب المواهب الحقيقية، يحملون مسئولية الاستمرار في تجديد التيار الأساسي في الحركة الشعرية المعاصرة، وإبقاء العلاقة بين الشعر العربي والمتلقي حية متوترة دون أن تنقطع. شاعرنا الراحل محمد يوسف كان صوته يجيء من مدينة المنصورة، متوهجا بحرارة التحدي والمقاومة والصمود التي تفجرت بها قلوب الشباب المصري والعربي رفضا لما حدث في نكسة 1967 وتعبيرا عن الأمل الواثق في جولة ثانية قادمة. وعندما رحل في دروب الغربة أو المنفى لم يضع صوته الشعري، ولا طاقته الإبداعية والفكرية، وظل ممتلئا بالحياة، فنضج شعره واكتمل، وحقق صوته المنفرد ولغته الشديدة الخصوصية. وبالرغم من غواية العصر الإلكتروني وثورة المعلوماتية التي شاغلته كما تشاغل أحمد فضل شبلول، إلا أن كلا منهما في طريق شعري لا يماثل طريق صاحبه، ولا يقترب منه. أحمد فضل شبلول يشغله هَمٌّ فكري ومستقبلي، ومحمد يوسف يشاغل الوردة الغائبة الخارجة على النص الإلكتروني. أما الشاعر د. نصار عبد الله (سوهاج) فهو شاعر شديد الاختلاف والمغايرة للسائد والمألوف؛ لغة وفكرا ووعيا ورؤية شعرية، وتشكيل قصيدة، وهو لم يخرج من عباءة أحد، منذ بداياته الأولى في المجموعة الشعرية المشتركة "الهجرة من الجهات الأربع" التي صدرت عام 1970. وهو مجبول من الجرانيت الذي يمتلئ به صعيد مصر وجباله، فيه منه قوته وحدته وشموخه وصلابته، وعدم التفريط في ذرة واحدة مما يعتبره حقا وشرفا وكبرياء. فيه من نيل مصر الخالد طلاقته وانسيابه وعذوبته وتدفقه وانفتاحه الأبدي ليصب في روافد وفروع ورياحات وترع وقنوات، لا يجمد أمام عائق، ولا تركد مياهه الصاهلة دوما خلف سدود أو جسور. ومن هذه الطبيعة ـ ثنائية التكوين ـ جمعت شاعرية نصار عبد الله ـ أستاذ الفلسفة ورجل الاقتصاد والقانون ـ بين الصخر والماء، بين العناد واليسر، بين الغضب والرضا، بين الثورة والحزن. هكذا قال فاروق شوشة كلمته في أربعة عشر شاعرا مصريا معاصرا، داعيا غيره من الشعراء والدارسين والنقاد، أن يضعوا إبداعاتهم موضع الرعاية والاهتمام، من غير أن يعبروها في تعالٍ أو مخيلة. لقد كانت هذه الأسماء ـ منذ بداياتها الأولى ـ تلتمع في البرامج الإذاعية الشعرية التي آمنت بهم واتسعت لهم: كلمات على الطريق، صوت الشاعر، شعر وموسيقى، زهور وبراعم، كتابات جديدة. وكان كثير منهم تُهيأ له المواجهة النقدية التي تأخذ بيده، وتضيء له كتاباته، وتقدم له نفسه، وتسلكه مع أقرانه ورفاقه. ولم تكن حياتنا الأدبية قد ابتُليت بما تعانيه الآن من شراسة وتوحش، وافتقاد للحنو والرعاية، ونرجسية شديدة وورم للذات، كان الكبار يسمعون للصغار، والأساتذة يجلسون للتلاميذ، ويفسحون لهم من صدورهم ووقتهم واهتمامهم، ويرون أن هذا الذي يقومون به رسالة في أعناقهم، لا يؤدونها مَنًّا أو تفضلا، وإنما هي الرعاية الواجبة التي يقوم بها الجيل الأكبر لأجيال من بعده على الطريق. وما أشد حاجتنا اليوم إلى مثل هذه السلوكيات البناءة.