في الشعر وحده يبهرك التعبير عن الأشياء الغامضة. الأشياء التي يتناصفها الوعي واللاوعي، ويستعمل الحدس فيها كل أجنحته، ولكنه يكون مثل تلك الأسطورة التي ضيع (الالتفات) ولادتها الكاملة.
كنت أقرأ ديوان (بياض) للشاعر الشاب أحمد قران الزهراني، فوقفت على قصيدته تحت عنوان (صوت) وهي تعبر عن تلك الحالة التي يتناصفها الوعي واللاوعي، ويتصارع فيها الشك واليقين:
(ها.. سنبلة
تشرع في وجعي
وتساورني
شكا
في كل قناعاتي.
ها.. صمت
يغرقني
حيث يشاء
يقينا
ويحد مساراتي
صوت ما
لا أعرفه
لكني أدرى معنى
أن يزرع قفرا.. الخ)
كل شاعر يعرف هذا الصوت: فمنذ القديم أرجعه بعضهم إلى الالهام والبعض الآخر إلى الجن، ولكن شعراء الحداثة هم الذين عبروا عنه بتجارب مختلفة الأساليب.
ما يلفت في صوت الزهراني هو هذه العفوية الطفلية في التعبير عن هذا الصوت الذي لا يعرفه.
(صوت ما..
أتوسل فيه كتاباتي
صوت
يتماهى في لون الحبر القاني
والورق المصقول
وبعض قصاصات
من وجه مرسوم
يتراءى لي
أي أسكته
أو أتصفح فيه الحلم الآتي)
وليس شرطا أن تكون شاعرا حتى تحس بهذا الصوت الضبابي الذي يهزك من الوريد إلى الوريد، بل إنك ستشعر به تلقائيا حين تحدق فيمن حولك وما حولك تحديقا نقديا.
ترى متى ستقوم بذلك؟