لم يمنعهما ماضيهما المظلم، وحكايتهما المأساوية من الظهور أمام الكاميرا، ورواية حكايتهما مع المخدرات، منذ البداية وحتى النهاية، رويا لـ (اليوم) كل الحكاية، بما فيها الأجزاء المخجلة، كانا مندفعين للرواية، وقالا كل شيء، لعلهما يكفران عن ذنوبهما، ولعلهما يساعدان على منع وقوع ضحية أخرى في براثن المخدرات، لعل الحديث يخفف الأسى الذي يعيشان فيه.وصفا حياتهما مع المخدرات، التي دامت سنوات طويلة، بحياة الكلاب، لا بل إنهما يريان ان حياة الحيوانات أفضل مما كانا يعيشان فيه، خصوصاً حين يتذكران نومهما في الحدائق والشوارع والبيوت المهجورة.. في شقتهما المفروشة بمدينة الدمام، يعيش عبدالرحمن (42 عاماً) وزوجته، حياة بائسة، حتى بعد شفائهما من المخدر، فهما لا يجدان الا الخبز الجاف، ليأكلاه...(اليوم) حاورتهما على مدى 3 ساعات، وسجلت قصتهما:
بداية الطريق
يبدأ عبدالرحمن سرد قصته، التي يسميها (القصة السوداء)، يقول: قادني إلى هذا الطريق المظلم أحد أصدقاء السوء، وكانت البداية بالسجائر ثم الحشيش، ولم أكن أعلم في البدء أنه حشيش، حيث كان صديقي يقول لي إنها سجائر أمريكية، فتناولتها من باب حب الاستطلاع والتجربة، ومن ثم تطورت الأمور حتى بدأت أستخدم حبوب الكبتاجون، إلى أن وصل بي الحال إلى المشروبات الكحولية ومن ثم الهيروين، الذي أدى بي إلى التهلكة، وكاد يتسبب في وفاتي أكثر من مرة.
لم يفد تقييد والد عبدالرحمن له بالسلاسل الحديدية، محاولاً منع ابنه من تعاطي هذه السموم في شيء، مما جعل الابن يفكر في السكن خارج منزل والده، للابتعاد عن نظره، فغاص أكثر فأكثر في الطريق المظلم.
الطرد من المنزل
قام والدا عبدالرحمن بطرده من المنزل، بعد أن اكتشفا أن ابنهما مدمن مخدرات، مما جعل حالته النفسية تتأزم، في وقت لم يجد فيه سوى المخدر، الذي اعتقد انه هو الذي يستطيع أن يخرجه من الظلمات التي كان يعيش فيها، بسبب الإدمان.
حياة كالكلاب
يقول عبدالرحمن بدموع الحرقة: أصبحت حياتي لا تفرق في شيء عن حياة الكلاب، بل كانت حياة الكلاب أفضل من حياتي، إلى درجة أنني فكرت في الانتحار أكثر من مرة، بعد أن سافرت إلى إحدى الدول المجاورة، عندما وصل بي الأمر إلى أن أصبح أحد مدمني مادة الهيروين، وبشراهة.
ولأن الهيروين لم يكن يتوافر في المنطقة الشرقية، بينما كان يوجد بكثرة في الدولة المجاورة. لذا كان يذهب عبدالرحمن بكثرة لتلك الدولة، التي احتجز فيها 4 سنوات، وعاد بعدها ليجد ان والده توفي، مما جعله يفكر في الانتحار.
طلاق الزوجة
ويكمل: كنت متزوجاً، ولدي ولد وبنت، ولقد انفصلت عن والدتهما، وأنا في السجن، بعد أن ألقي القبض علي بتهمة ترويج المخدرات، فرفعت علي قضية طلاق في المحكمة، ولم أعلم بذلك إلا من والدتي، التي أخبرتني في إحدى زياراتها لي في السجن، حيث قالت لي: (زوجتك طلبت الطلاق، ويجب أن تجعلها تكمل حياتها، بعد أن أصبحت سجيناً، ومدمنا لهذه الآفة، فوافقت، وطلقتها، إيماناً مني بترك أم أبنائي تكمل حياتها بعيداً عني، وأنا أسير وراء هذه الآفة ثم تعرفت على زوجتي الحالية وتزوجتها وهي ايضا مدمنة .
خسران العمل
حاول عبدالرحمن أن يقلع عن هذه الآفة، بعد أن طرد من عمله في شرطة المنطقة الشرقية.. يقول: كنت أكسب المال لأنفقه في المخدرات، ولكن لم أستطع, فانخراطي وراء أصدقاء السوء، من مدمنين ومروجين كانوا يقدمون ليّ جميع أنواع المخدرات، مقابل أن يناموا في منزلي، لأنهم يعانون التشرد وعدم وجود مأوى يأويهم، ولحماية أنفسهم من رجال مكافحة المخدرات.
الطرد من المنزل
بعد ذلك خرج عبدالرحمن وزوجته الحالية من المنزل، بعد عدم قدرتهما على تسديد مبلغ الإيجار.. يقول: كنت وزوجتي نقضي ليالينا المظلمة في الحدائق، لعدم وجود منزل يأوينا، ونذهب في بعض الأحيان للمنازل المهجورة، لكي ننام فيها، ونستر أنفسنا، ونحن تحت تأثير المخدر اللعين.
مللت حياتي
استمر هذا الحال بعبدالرحمن وزوجته مدة طويلة.. يقول: مللت من حياتي، التي أصبحت شبيهة بحياة الحيوانات, وفي هذه الأثناء دخلت المصحات النفسية، لمحاولة الإقلاع، ولكن لم أستطع، حاولت أكثر من مرة ان أدخل المصحة، وأبقى فيها أكثر من شهر أو شهرين، وأخرج إلى الطريق المظلم، لعدم وجود العزيمة الكافية.
سفر للعلاج.. فإدمان أكثر
سافر عبدالرحمن إلى الهند، من أجل العلاج.. يقول: ليتني لم أذهب، فلقد زادت الجرعات التي أتناولها أكثر مما كنت عليه في السابق، فعدت إلى المملكة، وكانت معي كمية من الهيروين المخدر، أدخلتها معي بطريقتي.
وفاة أصدقائي المدمنين
بعد عودته، وعند دخوله إحدى المصحات، قابل أحد من كان يتعاطى معهم المخدرات، فقال له: عبدالرحمن... لم أتوقع أنك على قيد الحياة... أتذكر فلانا وفلانا وفلانا (من الذين كنت أتعاطى معهم بشكل يومي)... منهم من توفي، وهو تحت تأثير المخدر، وبسبب المخدر، ومنهم من قضى بقية حياته في ظلمات السجون. أما آن لك أن تعود إلى رشدك، وتقلع عن هذه الآفة، فأنظر إلى حالتي كيف تبلدت إلى العكس، فلم أشعر بطعم الحياة إلا بعد أن ابتعدت عن هذه السموم.
يقول عبدالرحمن: كلمات صديقي لم تفارق ذهني، إلى أن قررت أن أدخل المصحة مقرراً الإقلاع عن هذه السموم بأي حال من الأحوال، حتى لو كلفني الأمر أن أخسر حياتي، فلم يعد فيها شيء يستحق المواصلة في الحياة.
عزيمة وإصرار
دخل عبدالرحمن المصحة بعزيمة وإصرار، وتشجيع من صديقه، وبقي في المصحة 4 أشهر، وزوجته لا تعلم أين هو.. يقول: هل أنا على قيد الحياة أم لا؟ عدت إليها بعد 4 أشهر، وكلي عزيمة وحماس للإقلاع عن المخدرات، وأقنعتها بجهد جهيد بالدخول إلى هذه المصحة والعلاج، للإقلاع عن السموم التي تتناولها، وبالفعل اقتنعت، ودخلت وتعالجت بكل إصرار وعزيمة وتشجيع مني، ومن صديقي التائب.
حكاية الزوجة
الزوجة لها حكاية مختلفة مع المخدر، روتها على حدة، تقول: كنت متزوجة من مدمن مخدرات، فلقد كان يتناول المشروبات الكحولية والحبوب المخدرة مثل الكبتاجون في منزلنا، ورغم أنه دخل السجن أكثر من مرة، ولكن لم يقلع. وفي إحدى المرات وبعد خروجه من السجن، قلت له: إما أن تقلع عن هذه الآفة، أو سوف أتناولها معك، وبالفعل لم يعترض على تعاطي المخدرات، فتعاطيت معه جميع ما يتناوله من مخدرات, فدخل السجن مرة أخرى، وبقيت بمفردي لا أجد من يمدني بالمخدر، خصوصاً أنه أصبح كل حياتي.
الطلاق من الزوج
بقيت الزوجة تتعاطى المخدرات ، وطلبت الطلاق من زوجها، الذي وافق على ذلك، فأخذت أسرته أبناءها، خوفاً عليهم من الانخراط في الطريق الذي سلكه والدهم ووالدتهم وتزوجت عبدالرحمن . وعندما انقطع عنها عبدالرحمن فجأة أثناء علاجه في المصحة، ولم تعلم أين كان.. ذهبت للبحث عن المخدرات، بأي طريقة، ولم تكن تجدها إلا بصعوبة بالغة. فلقد كانت تسافر إلى خارج المنطقة الشرقية، للبحث عنها عبر سيارات أجرة، وفي إحدى المرات قبض عليها، لركوبها في سيارة أجرة بدون محرم، فأدخلت السجن لمدة 4 أشهر، بتهمة التعاطي، بعد أن تم تحليل دمها في ليلة إلقاء القبض عليها، فلقد كانت قد تعاطت الهيروين بكمية كبيرة.
شلة مدمنات
تقول الزوجة: عند دخولي السجن تعرفت على إحدى الفتيات، التي زودتني بأرقام هواتفها، مقدمةً لي جميع التسهيلات، فيما يخص توفير أي نوعية من نوعيات المخدرات، وبعد خروجي قمت بالاتصال بها، وأصبحت أتعاطى معها، وكنا مجموعة من الفتيات المدمنات على جميع أنواع المخدرات، ابتداءً من المشروبات الكحولية، حتى الهيروين.
وتضيف: بعد ذلك عاد إلي زوجي عبدالرحمن بكل إصرار وعزيمة، وأقنعني بالإقلاع عن هذه الآفة بأي طريقة، ومهما كلف الثمن، لأن الحياة التي كنا نعيشها كانت لا تسر الصديق ولا العدو، ولا يقبل بها حتى الحيوان، فهل هناك أكثر من أننا كنا ننام في الحدائق والمنازل المهجورة. وبالفعل دخلت إلى المصحة، وتلقيت العلاج للإقلاع التام عن هذه السموم، ولله الحمد أقلعت عنها، بفضل من الله ثم بفضل زوجي ومن معه، الذين طالما وقفوا معي ضد هذه السموم، وعلى يد أخصائيين وأخصائيات من أهل الخير، من محاربي هذه الآفة. وحين خرجت من المصحة ذهبت إلى منزل أهلي، فلم يتقبلوني، خصوصاً إخوتي، فوالدي ووالدتي كانا متوفيين.
نعيش بدون لقمة عيش
في شقة مفروشة استأجرها لهما أحد رجال الخير، وهو أيضاً من المتعافين من المخدرات، يعيش عبدالرحمن وزوجته، بدون عمل، يبقيان أحياناً أياما طويلة لا يجدان فيها لقمة عيش، حتى يأتيهما صديقهما الذي استأجر لهما الشقة فيعطيهما بعض النقود، ليأكلا بها لقمة عيش.
يقولان: نوفر المال من أجل أجرة السيارة التي تنقلنا إلى المصحة، وفي بعض الأحيان نأكل خبزا مر عليه أكثر من أسبوع، لعدم توافر قوتنا اليومي.