ما السعادة الزوجية؟! .. دعنّا في البداية نتعّرف على مفهوم السعادة .. وماذا نعني بها؟! - وكيف ومتى نشعر بها؟! .. فأحيانا - وهي قليلة - تغمرنا بجميلها .. وغالبا تضيع منّا كضياع الحيلة .. ثمة من يضمّنها في الرضا والقناعة.. وآخر في النجاحات المادية والاجتماعية والبعض يضعها في الحب. أسئلة كثيرة أثيرت حول مفهوم السعادة .. وهل هي دائمة أم مؤقتة؟! .. وجاءت إجابات كثيرة أشهرها أن السعادة نسبية .. أي أن ما يسعد شخصا قد لا يسعد شخصا آخر وان السعادة هي بالنسبة للجائع رغيف العيش .. وبالنسبة للمريض هي الصحة .. وللفقير ثروة تهبط دون لقاء .. إلى آخر النسبيات. ولعل الاعتقاد بنسبيتها أمر خاطئ ... فقد يحصل الجائع على الرغيف ولا يكون سعيدا وكذلك بالنسبة للمريض لعله يحصل على الشفاء ويظل شقيا وقد يجتمع الحبيب والمحبوب فتقع بينهما المشاكل وقد تهبط الثروة على الفقير فتضعه في صراعات تشقيه أكثر مما تسعده... فما السعادة إذن؟!. نستطيع القول- وهذا رأي الغالبية من المختصين والمحللين - إن السعادة تكمن في حالة الاندماج والانسجام مع الآخرين ... وقبل ذلك كله انسجام داخلي مع أنفسنا .. فمتى ما كان المرء في حالة انسجام ورضا مع ذاته شعر بأريحية داخلية تقوده دون قيد أو شرط إلى حالة تسمو إلى وفاق كمي مع الآخرين ومعها يحقق لنفسه السعادة الحقيقية. ولعلنا - وكما تحتمه علينا الحكمة- مرغمون على تعديل سلوكيات مكتسبة في داخلنا وتطبيعها ضمن آلية القانون الشرعي لمقتضى الحال المعاش الذي نظنه دائما في صالحنا حتى نضمن جزءا من نجاحات هذا المشروع الروحي الذي نعرّفه بالسعادة. وربما يجدر بنا أن نقف أمام أنفسنا في كل حين لمحاسبتها وأن لا نطلب المستحيل أو التفكير فيما لا يستحق أو البدء في مشوار لا نعرف نهايته أو الانشغال بأشياء لا تعنينا. ولاشك أن السعادة الزوجية لا تتعدى هذا المفهوم .. ولكنها تتأرجح بين المد والجزر بين الانسجام حينا وبين المشاكل أحيانا أخرى حيث يحل الخصام قليلا أو طويلا ويعود الانسجام ... أو لا يعود. هكذا تمر سنوات الزواج في تغير دائم . ولهذا فإن الذين يبحثون عن السعادة الدائمة في الحياة الزوجية يصابون بالإحباط .. وسلامتكم.
مستهل الحديث
أن السلوك الشاذ الساقط من متاعنا والمتدفق نحو كل شيء يثير غضب الآخرين منّا دائما ويجعلهم يتصرفون نحونا بسلوك ليس أقل تماثلا من تعاملنا معهم أو ربما يزيد قليلا أو كثيرا .. ولهذا السبب تحديدا نحن ملزمون بالتعامل مع الآخرين كما نحب أن يعاملونا... وأن نسعى دائما الى تعديل مساراتنا وربط أمتعتنا بكل حزم حتى لا يسقط منها شيء يثير غضب الآخرين ويشوه بداخلهم كل شيء جميل يحملونه عنا. فاحترامنا لمشاعر الآخرين ولأنفسنا وحرصنا الدائم على الظهور أمامهم أو خلفهم بالمظهر اللائق يضمن لنا دون شك السعادة الحقيقية التي ننشدها جميعا. والسعادة الزوجية تحديدا تتحقق إذا ما وجدت المحبة والمودة بين الطرفين - أي الزوجين- ولا يتحقق هذا إلا بوجود الرحمة والانسجام بينهما حيث أكدت الأحاديث على هذا الجانب وجعلته من الأمور المقدسة التي تنشأ من الأيمان وأخلاق الأنبياء والرسل.
السعادة في ذاتنا
يروى أن زوجا غاضب زوجته ، فقال لها متوعدا : لأشقينك . قالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني . فقال الزوج : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !.. فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ قالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي !..
وتجاربنا في الحياة - كما يقول الدكتور أحمد أمين - تدلنا على أن الإيمان بالله مورد من أعذب موارد السعادة ومناهلها . وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يراعون الله في تصرفاتهم ، وإنما يراعون أهواءهم وملذاتهم . وإذا فشا الدين في الأسرة فشت فيها السعادة . ويقول الدكتور كامل يعقوب : " والحقيقة التي لامستها في حياتي - كطبيب - أن أوفر الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيبا من قوة الإيمان .. وأشدهم تعلقا بأهداب الدين "
مشروع مصالحة
في البداية - من وجهة نظرها - اعتبرت السيدة (أم أحمد) السعادة مشروع مصالحة بين الإنسان وخالقه ثم مع نفسه والناس من حوله فإذا ما كان الإنسان في حالة صلح مع خالقه لابد وأن يكون في حالة صلح مع نفسه وبالتالي مع الناس وكل الموجودات من حوله مشيرة إلى أن الإنسان إذا ما كان في حالة غير راضية مع خالقه فإنه والحالة هذه سيكون في حالة غير راضية مع نفسه وبالتالي مع الناس وكل الكائنات والموجودات من حوله.
وقالت: أن السعادة الزوجية إذا ما وجدت بصورتها الصحية - لا يمكن أن تظل طويلا حتى ولو بدأت العلاقة الزوجية بعاطفة جياشة و تفاهم عميق واحترام متبادل بين الزوجين حيث ستمر حتما بيوم من الأيام تخبو فيه العاطفة ويتحول الزواج إلى روتين رتيب سيبرز أمامه مارد قاس لا يرحم يحاول أن يقضي على مفهوم السعادة اسمه (الملل).
وعنها قالت: لقد جعلت شعاري منذ أن تزوجت أن اذهب مع زوجي حيثما ذهب ولو إلى أقاصي العالم وان أعيش معه حيث عاش ولو في كوخ مهدم.. وأن اجعل أهله أهلي وان أكون له أما وأختا وزوجة وفية مؤكدة أن الزواج السعيد هو الزواج الذي يعمل الزوجان على تدعيمه دائما.
السعادة هي الحب
ويقول سعد عبدالرحمن الشعلان: أن السعادة الزوجية هي الحب بمعناه الأشمل الذي يقود الزوجين إلى أعمق المعاني كي يبقى الحوار مفتوحا دائما ليتيح لهما مجالات أوسع للحديث والتفاهم في إطار وجداني مشيرا إلى أن المرأة وردة رقيقة وربما كلمة جارحة تكفي لإطفاء عبيرها وإحراق سعير الحب في أعماقها وهي أحوج أن تكون لها الزوج والأب والصديق والحبيب لتكون لك الحلم الجميل الذي لم تستكشفه بعد.
ويؤكد: إنه في سبيل تحقيق سعادة زوجية صادقة يتوجب على الزوج أن يشعر زوجته بوجودها على الدوام .. وأن يقوم بشكرها على أصغر عمل تقوم به وأن يضع لها الزهور في المناسبات وغيرها ويكون كريما معها بصرف النظر عن الضغوط المادية التي يتعرض لها وأن يعيرها كل الاهتمام عندما تكون معه وعندما تتحدث إليه.. فهي - أي الزوجة - تحب الرجل وتسعد لإسعاده عندما يتميز برقة الإحساس والاهتمام.
كما قال الشعلان: إنه ينبغي على الزوجة وتحديدا حديثة العهد بالزواج في سبيل تحقيق سعادة زوجية هانئة أن تهيئ نفسها لحياتها الجديدة بفطام نفسي عاطفي يؤدي بها إلى فصال تدريجي عن أسرتها وبيئتها السابقة مستخدمة لتحقيق هذا الهدف قوة إرادتها وقناعتها الجديدة لتتكيف مع بيئة الحياة الزوجية التي انتقلت إليها مع ضرورة محاولتها إشعار الزوج ولو من باب المجاملة في بادئ الأمر بأنها من اسعد الناس في حياتها معه لتحقق لنفسها الاستقرار النفسي والعاطفي الذي ينمي بينهما الحب والسعادة.
السعيد هو الذي لا يقارن
وفي رؤية مختلفة قالت السيدة ليلى عبدالرحمن: ليست للإنسان فكرة معينة عن السعادة لأن الفكرة التي يحملها كل منّا في دخيلة نفسه ويتمنى لو ساعده الحظ في تحقيقها هي فكرة ناشئة عن المقارنة بين حظه وحظ الآخرين - أي بين ما يمكن أن تكون عليه سعادته بالنسبة إلى سعادة الآخرين - وهذه المقارنة اليومية القاسية تشعر الإنسان بحاجته إلى مطالب جديدة وتلبية رغبات جديدة لابد أن يعذبه التفكير فيها والبحث عنها عذابا يسمم آخر الأمر كل قسط من السعادة النسبية التي يمكن أن يجود به القدر عليه مشيرة إلى أن الإنسان السعيد حقا هو الإنسان الذي لا يقارن والذي يعرف كيف يكتفي ومتى يكتفي متخذا من فضيلة الاكتفاء شعورا بالعزة والإباء والتفوق.
وعن حياتها الزوجية قالت : حينما تزوجت كنت في السابعة عشرة من عمري وكنت أعتقد أن الزواج هو مفتاح السعادة لا بل انني كنت أظن أنني سوف أمضي أحلى الأمسيات في التنزه والرحلات إلى ما هنالك من هذه الأحلام .. ذلك لأنني لم أكن أتوقع أن الأزواج قد يعودون مساء بعد عمل مضن معكري المزاج وأن الحياة مع إنسان آخر تتطلب الكثير من التنازلات والتضحية كما تتطلب تحمل الكثير من عادات الزوج المزعجة والعكس صحيح.. وعندما رزقت بأول طفل كنت اعتقد أن على زوجي أن يساعدني في تربية الطفل وفي إطعامه وفي تنظيفه وفي تسليته إلا أن اعتقادي هذا كان شديد البعد عن الواقع وعما يؤمن به زوجي الذي كان دور الزوج بالنسبة له هو تأمين مصروف البيت وحسب ولقد تأخر زوجي كثيرا حتى اقتنع بأني وأطفاله نحتاج إليه وليس المادة .. حينها تغيرت أشياء كثيرة في حياتنا حيث شعرنا بقربنا للبعض أكثر من قبل فشعرنا معها بالسعادة والرضا.
الأصل في السعادة الجانب المعنوي
ويقول محمد بن حسين العبد: إن السعادة في المنظور الإسلامي ليست قاصرة على الجانب المادي فقط ، وإن كانت الأسباب المادية من عناصر السعادة ذلك أن الجانب المادي وسيلة وليس غاية في ذاته لذا كان التركيز في تحصيل السعادة على الجانب المعنوي كأثر مترتب على السلوك القويم وقد تناولت النصوص الشرعية ما يفيد ذلك ومنها : قال الله تعالى " والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " * النحل : 5 * وقال الله تعالى : " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة" * الأعراف : 32 * و وقال > "من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح" * رواه أحمد *
وأضاف:والسعادة الزوجية تتمثل في التفاهم المتبادل بين الطرفين واستمرار العطاء والتهادي فيما بينهما مشيرا إلى أن الهدية تغرس المحبة بينهما .. كما قال الرسول الكريم >: "تهادوا تحابوا". فالهدية تعبير عن المودة وهي كسر لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف.. فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً.. ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الهدف منها هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية.. وإذا ما كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المودة.
ويؤكد : أن السعادة الزوجية تكتمل في حب الزوجين لبعضهما فإذا ما احبت المرأة تاقت نفسها للقيام بكل تضحية في سبيل إرضاء زوجها ومن اجل البيت والأولاد وإذا احب الزوج تاقت نفسه للقيام بجهود عظيمة للمجتمع وفي سبيل الناس.. فقوة الحب عند الزوجة تنحدر في محيط الأسرة وقوة الحب عند الزوج تنصب في العالم كله .. فإذا فهم كل من الزوجين هذه المعادلة سهلت عليهما الحياة وحققا السعادة الزوجية التي ينشدانها.
بالعدل نحقق السعادة
وحول تحقيق السعادة في ظل وجود أكثر من زوجة .. قال زايد الزهراني ( زوج لاثنتين): السعادة الزوجية يمكن أن يحققها الإنسان في كل الأحوال إذا ما احسن التعامل مع زوجته وفق الأخلاق التي يحثنا عليها ديننا الحنيف في كل مناسبة مشيرا إلى أن تحقيق السعادة في ظل وجود أكثر من زوجة يمكن أن يتم بأبسط السبل وهو الاجتهاد في العدل بين زوجاته والا يفضل إحداهما أو إحداهن دون غيرها .. فالشعور بالظلم من قبل الزوجة سيولد مشاكل ولربما يكون سببا في هدم العلاقة الزوجية.. وليس من الحكمة أن يبوح الزوج بحبه وتقديره لإحدى زوجاته دون غيرها من نسائه في وجود الأخرى ولا أن يتكلم عن محاسن وإيجابيات إحداهما في وجود الأخرى حتى وإن كان صادقا ومحقا في ذلك.
واضاف: حينما نتصور أن الزواج الناجح هو الزواج القائم على التفاهم التام .. فهذا التصور خاطئ حيث عالمنا لا يخلو تماما من المشاكل والصراعات .. والزواج الناجح هو الذي يعرف فيه الزوجان ماذا يفعلان عندما ينشأ بينهما سوء فهم حيث أن سوء الفهم واقع لا محالة مهما حاولنا تجنبه .. فليس من المتصور أن تمر الحياة اليومية بلا سوء تفاهم مشيرا إلى أن سوء التفاهم يعني أن كلا الطرفين يرى موضوعا ما من وجهة نظر مغايرة للآخر وهو ما يحدث بين الناس جميعا حتى بين الإنسان ونفسه.
حقيقة أجعلها أمامك
إن الحياة ليست كلها زهور وابتسامات بل إن أشواكها أكثر من زهورها ودموعها أكثر من ضحكاتها .. فكلما أظلمت الدنيا وانعقدت في سماء تفكيرك عشرات السحب السوداء وملأت الأحزان كؤوس جنتك حاول أن تهرب منها دائما بأن تطردها من أفق تفكيرك لتحقق لنفسك السعادة دائما.
الوفاء وإنكار الذات
ولنحقق لأنفسنا السعادة الحقيقية فنحن بحاجة إلى إنكار ذاتنا وحب الآخرين بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وأن نتحسس مجمل تعاملاتنا معهم .. والسعادة الزوجية لا تتعدى هذا المنحى .. فإنكار الذات والتفاني والإخلاص أهم الصفات التي يبحث عنها الزوجان في كل منهما.