تعتبر سياسة التعليم الجديدة التي يتبناها حزب العمال البريطاني خليطا من كثير من الأفكار التي رفضها جيل من رجال التعليم اليساريين في بريطانيا فهي تركز على الالتزام بالزى المدرسي ونظام الإيواء الداخلي والرياضات التنافسية والاختيار على أساس القدرة.
ويغدق حزب العمال الأموال على قطاع التعليم وهو يدرك تماما أن هذا القطاع يمكن أن يكسبه أصوات الناخبين وأن كثيرا من أولياء الامور من الطبقة الوسطى غير راضين تماما عن الخدمة التي يحصلون عليها في قطاع التعليم الحكومي.
وبحلول عام 2008 ستبلغ الميزانية السنوية للتعليم حوالي 60 مليار جنيه إسترليني (110 مليارات دولار) حيث ستكون هناك مدارس متخصصة جديدة وسيتم تحديث المنشآت وفتح ألف مدرسة ابتدائية أبوابها من الساعة الثامنة صباحا إلى السادسة مساء لاتاحة الفرصة لاولياء الامور للقيام بأعمالهم.
وكانت ميزانية التعليم بلغت 30 مليار جنيه إسترليني فقط في عام 1997 عندما تولي حزب العمال السلطة ولكن أعضاء الحزب الملتزمين غير مقتنعين إلى حد بعيد بالطريقة التي تنفق بها الاموال أو بالخطط الرامية إلى اجتذاب القطاع الخاص لفتح مدارس.
وتعتبر الخطط محاولة صريحة لكسب تأييد الطبقات المتوسطة. وقال وزير التعليم تشارلز كلارك "هناك عدد كبير منهم (أبناء الطبقات المتوسطة) يلجأون إلى المدارس الخاصة لانهم يشعرون بالاحباط إزاء مستوى التعليم. وهؤلاء هم الاشخاص الذين نهتم بهم".
ويرسل حوالي سبعة بالمئة من أولياء الامور البريطانيين أبناءهم إلى المدارس الخاصة ويدفعون 20 ألف جنيه سنويا لتعليم الابن الواحد ومبالغ أكثر في مؤسسات تعليمية خاصة مثل إيتون لما تتمتع به من امتيازات لكن كما يعرف كلارك فإن الرقم يزداد بنسبة 20 بالمئة في وسط لندن حيث تدفع نتائج الاختبارات السيئة والتجمعات السكانية العرقية الكبيرة أولياء الامور إلى إعادة رهن منازلهم للابتعاد عن نظام التعليم الحكومي.
ومن الممكن أن يحكي كل ولى أمر في المناطق القريبة من وسط المدينة روايات عن التعامل في المخدرات في فناء المدرسة والفوضى في الفصول حيث ليس هناك تعليم وحيث يسود العنف بين التلاميذ ويؤدى أحيانا إلى عواقب وخيمة. وأظهرت دراسة أخيرة أن مدرسي العلوم ليسوا على استعداد لاعطاء حصص عملية في الكيمياء خوفا من لجوء بعض التلاميذ إلى الاستخدام السيئ لمواقد بنزين وغاز الهيدروجين.
وتتجه الدعوة الان للعودة إلى مبادئ الانضباط القديم واحترام المدرس واجتياز الاختبارات وممارسة الرياضات الجماعية كل ذلك على أمل استعادة روح عصر ذهبي يحتمل أنه لم يكن كذلك مطلقا.
ويشعر رجال التعليم اليساريون صراحة بالازدراء إزاء هذا الاتجاه واتهم أحدهم حكومة حزب العمال بتبني "أكثر سياسات التعليم تزمتا وإثارة للخلاف" والخاصة بحزب المحافظين المعارض.
وتوقعت فرانسيس بيكيت أن نظام التعليم الجديد سيفرخ نوعين من المدارس: المدارس التي تحظى بتمويل جيد والمدارس التي في حاجة ماسة إلى التمويل.
وتوقعت أن تتمكن بعض الجماعات العقائدية من السيطرة على بعض المدارس.
وأعرب آخرون عن مخاوفهم من قيام أصوليين مسلمين بفتح مدارس في المناطق القريبة من وسط المدينة وتأجيج غضب الطلاب صغار السن الذين يشعرون بالاغتراب بالفعل عن المجتمع الذين يجدون أنفسهم فيه.
وكان سيمون جنكنز وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة التايمز وليس يساريا على الإطلاق قاسيا للغاية حيث وصف السياسات الجديدة لحزب العمال بأنها "عودة مفاجأة إلى العصور المظلمة للتعليم".
وقال جنكينز إن قرار توني بلير التنصل من التزام قائم منذ 40 عاما بالتعليم المحلى الشامل "ليس أكثر من عودة إلى "الفصل العنصري التعليمي". واتهم بلير بالسعي لكسب الأصوات بشكل صارخ. ولكن هذا بوضوح هو التقدير الهادئ الذي توصلت إليه الحكومة فالأصوات الانتخابية تكمن في المناخ الذي يزداد فيه الثراء وتتوجه الطبقات الوسطي إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات بينما يتخلف الفقراء والعاطلون عن المشاركة فيها في الغالب.