بعض المبتدئات في الكتابة يأخذهن الغرور الى متاهات شاسعة من الاعتقاد بأنهن قد بلغن شأوا عظيما في هذا الميدان، وان ما كتبته سهير القلماوي أو عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) أو مي زيادة، لا يساوي شيئا بالنسبة لروائعهن، فالشاعرة او المتشاعرة ـ بمعنى أصح ـ منهن تعتقد نفسها خنساء العصر، والروائية تعتقد نفسها مارجريت ميتشل، أما من كتبت بعض المقالات الصحفية المتواضعة، فهي غادة السمان دون منازع.
مبعث هذا الغرور واضح، فالصحافة تسرف في تلميع بعض الأقلام النسائية التي لم تزل تتهجى الكتابة، ولم تبلغ في ميدانها شأنا يذكر، ومع ذلك بان هناك من يدفعهن قسرا الى الأمام، ويفرضهن على القراء بحجة التشجيع، وهو تشجيع لا ينمي المواهب بل يدمرها، ولا يقوي العزيمة الكتابية، بل يضعفها، ولا يحرض الموهبة بل يخمدها، فقليلات هن اللاتي يقدرن هذا التشجيع، ويضعن أنفسهن في مكانها الصحيح، دون غرور أو ادعاء، لكن بعضهن يعتقدن ـ خطأ ـ أنهن قد تربعن على سدة الكتابة، واستطعن الاتيان بما لم تستطعه الأول، لمجرد أن صحيفة ما توخت فيهن الموهبة واحسنت بهن الظن، فإذا الواحدة منهن قد بلغ بها الغرور كل مبلغ، وكأني بالأديبات المعروفات والكاتبات المعروفات يقطبن حواجبهن تعجبا من هذا الوضع المقلوب، فبينما يهمشن وهن الاقدر على العطاء، تتاح الفرص أمام صاحبات المواهب المتواضعة، ليصلن ويجلن بكتاباتهن المتدنية أسلوبا ومعنى، في كل موضوع، بل لا يتورعن عن اصدار أحكام حول مواضيع في غاية الأهمية، وقضايا في منتهى الخطورة، والعتب في هذه الحالة ليس عليهن، بل على المنابر الاعلامية التي تتيح لهن فرصا للنشر لا تتاح لغيرهن من الأديبات المعروفات أو صاحبات المواهب الحقيقية، والويل كل الويل لمن يجرأ على انتقادهن، أو توجيههن الى الطريق الصحيح، وكيف يجرؤ من يجرؤ على نقدهن أو توجيه النصح لهن، وهن اللاتي قد فتحت لهن صفحات الجرائد دون حدود، ومن يدري فقد يوجد من يكتب لهن ما ينشر بأسمائهن، والمرتزقة في عالم الكتابة كما هم في أي مهنة.
لا بأس أن تكتب المبتدئة ولكن دون غرور.
لا بأس أن تشجع الصحافة المبتدئات لكن ليس على حساب القارئ.
لا بأس بعد ذلك وقبله أن نقول لهذه النوعية من المبتدئات: قليلا من التواضع للكتابة، فمن تواضع لها رفعته، ومن استعلى عليها هبطت به الى اسفل سافلين.