أسرعت هرباً من تقاذف الكلمات حولها.. آوت إلى أربعة جدران صماء.. أغلقت الباب دافعة له بمرفقيها لعلها تبعد شبحاً غفلت عن ملازمته لها.. الكلمات تهرع إلى حيث آوت.. فتصطدم بالباب المغلق محدثة دويا مزعجا.. أرقها وأرهقها.. جعلها تسح دموعاً حفظت مجراها على الخدين فلم تعد تخطيء الطريق.. ترسل أنات تترى.. وآهات حارة.. صرخات عقيمة.. وشكوى مبتورة.. اختنقت الجدران بثقل ما تحمل فأرسلتها خارجها.. لتصلني.. شعرت بها تبلبلت واضطربت.. وإلى منبعها سارعت.. فدخلت غرفة بها فتاة ذات جمال مشوب بكدرة الأيام.. تبكي بصوت قد بح واختنق.. تمسك بيديها رأسها مرسلة بطرفها إلى الأعلى والآهات لا تفارق تلك الشفتين.. لم تطق كبت المشاعر فأرسلتها دموعا ساخنة اقتربت منها ولم أكد أنطق بحرف لأسألها عن حالها.. حتى قفزت نحوي معانقة وأكملت بكاءها الذي أرهق فؤادي أحسست بقوة ما ألمها من قبضة يديها حولي.. من زفراتها التي ألهبت كتفي.. من دموعها التي بللت ردائي.. فصمت وأنا اتساءل في نفسي: ما هذا الأمر الجلل الذي أنساها سؤالي عن من أكون!!! انقضت الساعات زحفا تقهقرت خلفا سألتني بلطف قائلة: عذراً من أنت؟؟؟
قلت لها: أنسي أمري الآن وقصي علي خبرك..
قالت بألم ينفطر له القلب: أشكو الضيم الكثير..
قلت: عجباً!.. كيف ذلك ونحن في القرن الواحد والعشرين.. وفي زمن الحريات وتطور الحضارات.. ..و ..و.. وأخذت أعدد حتى استوقفتني قائلة بهدوء نبع عن ضعف: لكني أحيا ظلما همجيا متخلفاً لم ولن يندثر..
قلت والدهشة على وجهي: ما هو؟؟؟
قالت: أشكو ضيم الأهل والأقارب والأصدقاء..
قلت: انك تبالغين.. كيف لأقرب الناس أن يظلموك...
قالت وبإصرار شديد: بلى.. قد فعلوا لكنهم بفعلهم قد جهلوا.
قلت: احكي لي ما كان.. فقد شغلت مني اللب والوجدان
قالت: أنا فتاة حسناء كما ترين.. محبوبة في عملي وبين أهلي.
قلت: حتى الآن لا أرى أي ظلم؟!!!
قالت: صبراً لا تتعجلي.. وأثار الغيظ بدت جليا على قسمات وجهها.
فقلت وأنا أضع كفي على فمي بعفوية: لك ما أمرت
فأرسلت ابتسامة باهتة اثر ما بدر مني، أزاحت قطعاً من سحابة الكآبة حولنا..
فاستطردت قائلة: لقد وصموني بصفة ظلت ملازمة لي في كل مكان..
اهرب منها وتطاردني..
أهادنها فتأبى
أقاتلها فتتغلب علي..
بسببها صرت ألاحق بنظرات ملونة بألوان ريبة وإشفاق بين سخرية ورثاء.
أصبحت لا أطيق احتكاكا بالناس، فآثرت الاعتزال، لكني لم أنجو من التصاق الصفة أكثر وأكثر..
لا أعلم ماذا أفعل.. لا تقولي تصبرين.. فقد مل الصبر مني وتخلى عني..
قلت مبتسمة وكأني لمست مصابها: وما القضية وما ملابساتها؟؟؟
قالت وبوجه حانق بشدة: انهم ينعتوني بـ (العانس)
فتوقفت عن الحديث وأخذت تتأمل أثر الكلمة علي .. لكني لم أسعفها بأي انطباع يرضي تطفل نظراتها..
ثم أكملت من تلقاء ذاتها قائلة: ليس لي ذنب فيما نسبوا .. فأنا لم أرفض من يطرق بابي بل مشيئة الله التي أرادت منه أن يتأخر .. ماذا يريدون مني ، أن أسال الناس زوجا أن أطرق الأبواب لعلي أجد من يحسن إلي برجل كلا لن أعرض نفسي سلعة رخيصة..
لن أهين كرامتي ...
أصبحوا يحصون لي سنوات بل أيام عمري .. يلحظون كل حركة وسكنه لي .. يفسرون كل كلمة الف تفسير وينسجون حولي آلاف القصص والروايات ويتفننون في صنع المغازي من حديثي ..لقد أضناني حالي فتعبت ويئست .. لذا قررت أن ألزم صومعتي التي ترين وهي تشير بيديها إلى جدران غرفتها سأترك عالما أبكاني وسأهجر حياة أكلمتني ...
وصمتت وقد أشاحت بوجهها عني وكأنها تخفي شيئا ...
ثم زفرت بقوة ارتجت الأضلع لها وقالت: أعلم أن مشكلتي لا حل لها سوى الزواج، لكن ما باليد حيلة فلم أجد في جعبتك حلا يحفظ كرامتي ويبعد هذه الصفة عني لأهنأ وأرتاح ؟؟؟
انشغل فكري، بما قالت، فلم أجب .. فالتفتت باحثة عني اعتقادا منها أني رحلت لكنها فوجئت بي وقد اقتربت منها أكثر أمسك بيدها اقول: لدي حل لن يخفق أبداً
فقالت بلهفة شديدة أسكنت في قلبي كمداً: إلي به أرجوك ..
فبسطت يدها ودسست ورقة فيها وقبضت عليها بشدة وقلت لها: هذا هو الدواء فالزميه واحفظيه .
قالت والسعادة على وجهها: سمعا وطاعة فودعتها ورحلت كما أتيت.. ودعتني وبسرعة فتحت الورقة لتقرأها .. فانسكبت على تلك القصاصة دمعات من عينيها .. ليست دمعات حزن وأسى بل دمعات تفاؤل وأمل فأغلقت الورقة وهي مبتسمة ، منشرحة الصدر، ووضعتها في كتاب..
ثم خرجت من غرفتها بهدوء وسكينة ...
فتحت باب غرفتها .. فتحته ولم تغلقه أبداً
ومرت الأعوام وإذا بفتاة ذات سنوات خمس تعبث في مكتبة منزلها وإذا بكتاب قديم يسقط وتسقط منه ورقة رثة، متهالكة، فتلتقطها وتجري مسرعة إلى أمها وهي تقول:
أمي ما هذه الورقة ؟؟ وما كتب بداخلها ؟؟
فابتسمت لها الأم وقالت لها سأحكي لك حكاية قد لا تعينها الآن لكنك ستفهمين غداً فأجلست ابنتها إلى الطاولة وأخذت تقص عليها حكاية تلك القصاصة..
مها عبد الله الحربي المدينة المنورة
من المحرر
المحاولة جيدة ولو كان هناك تكثيف في السرد لحصلنا على قصة جميلة فالموهبة واضحة وتؤكد قدراتك الجيدة .