ما اقسى ان تظلمنا الحياة وما اقسى ان يكون الظلم من اقرب الناس الينا من والدينا. حينما تقسو علينا الدنيا ويشتد هجير حرها نهرب الى صدر امهاتنا.. ينبوع الحنان.. ولكن ان تكون الام على قيد الحياة وتبخل علينا بهذا الينبوع فقل على الدنيا السلام!
قصة واقعية ليست من نسج خيال وانما من نسج واقع مؤلم يحمل بين طياته انة وحسرة شابة ضاقت بها الامور في لحظة شيطانية دفعتها الى جحر مظلم.. وعندما بدأت تفيق مما هي فيه لم يعد بوسعها لا التراجع.. ولا حتى الاستمرار.
سأترك لها المجال كي تعبر عما في خاطرها فلا يوجد ابلغ من صاحب المعاناة في وصف معاناته.. تقول صاحبة القصة والتي رمزت لنفسها بالحرفين (ف.أ): لا ادري من اين ابدأ بالضبط فقصتي كلها خيوط متشابكة وان كانت مترابطة الا انني لا ألبث اتعلق باحدها حتى اجدني قد عدت من جديد الى نقطة سابقة.
فأنا ايها السادة والسيدات قد نشأت في اسرة تتحدث عن المبادئ والقيم والاخلاق النبيلة اكثر مما تفعل ومما زاد الامر سوءا ولدت وكبرت وحيدة دون شقيق او شقيقة تؤنس وحدتي اشكو لها همي اعيش معها شقاوة الطفولة لحظة بلحظة.
عندما كنت طفلة صغيرة كنت محط الدلال والدلع من الجميع ولا يخلو يوم ميلادي من نهر جارف من الهدايا الثمينة اتدرون لماذا؟ اولا لان والدي (صاحب واجب) لاتكاد تمر مناسبة في العائلة او خارجها سواء من قريب او بعيد حتى تجدهما في المقدمة دوما وطبعا محملين بكل ما غلا ثمنه وندر وجوده.. (هذا هو الواجب.. طبعا).
وثانيا: لان والدي رجل اعمال وهذا اقل ما يمكن ان يقدمه رجال الاعمال لبعضهم في خضم هذه المعمعة.. أين انا؟ في احضان مربية في وسط غرفة لا اعرف بدايتها من نهايتها مليئة بكل وسائل الترفيه والراحة من العاب الى دمى غريبة عجيبة الى كمبيوتر آخر صيحة.
والحق يقال فمن اهتمام والدي بتربيتي فقد اسندا هذه المهمة الشاقة الى كذا مربية متخصصة في تربية وتقويم سلوك فتيات الطبقة الراقية تعلمت منهن فنون واصول الاتيكيت في كل منحى من مناحي الحياة اليومية (حتى العطسة تعلمت كيف اعطس باتيكيت).
لكن للاسف مع كل هذا لم اشعر يوما بالحنان او العطف لم اتعلم ماذا تعني الام وماذا يعني الاب بالرغم من دراستي عدة لغات اجنبية.
مرت ايامي كما هي حتى تنبهت يوما انني املك سرا يتطلع له الشباب على كل المستويات فانا اضافة لكوني ثرية فأنا جميلة بل فائقة الجمال زادني هذا غرورا فوق غرور وتكبرا وثقة زائدة في النفس لا مثيل لهما زادت جرأتي لاقتحام الاماكن المغلقة المظلمة اصبحت لا احيد عن (النت) ومواقع الدردشة المفتوحة للجنسين وكلما وجدت نفسي مطلوبة اكثر من أبناء الجنس الآخر ذوي الكلام المعسول رأيت في ذلك حياة جميلة ومغامرة رائعة وسمعت شيئا بداخلي يقول (هل من مزيد؟) حتى الجوال لا يلبث ساكنا حتى يعاود الرنين مرة اخرى وكل ذلك دون رقيب او حسيب. وصل الاستهتارعندي لدرجة رمي كل المبادئ والقيم التي يتشدق بها والداي في المجتمعات الكبرى وراء ظهري كنت اشعر براحة نفسية ونشوة لا مثيل لها وكأنه انتقام لا ادري لماذا؟ والى متى؟؟
المهم.. في تلك الاثناء تمت خطبتي لشاب من ابناء الطبقة الراقية حينها راودتني فكرة الرجوع عما وضعت نفسي فيه خاصة انه جاء من ينقذني من هذه الدوامة التي اتعبت نفسي رغم ما فيها من سعادة ونشوة ولكن سرعان ما تبددت هذه الافكار عندما رأيت فارسي وجلست معه فهل هذا فارس الاحلام الذي تحلم به السندريلا؟!!... آه ثم آه انه امتداد فقط لما عشته سابقا فهذا شاب عفوا بقايا شاب يهوى اللعب واللهو ويعشق السفر والتجوال ممن يعيشون الحرية المطلقة بلا حدود ولا رقابة.. لا يعرف في الرجولة الا الهندام ولبس الثوب والشماغ فقط (في المناسبات فقط لانه مضطر لذلك طبعا).
عموما ما هي الا ايام وتم الزفاف وها نحن على مقاعد الدرجة الممتازة في رحلتنا الى قضاء شهر العسل جلس بجانبي رأيته يخرج من جيبه علبة صغيرة جميلة مزركشة توحي بخاتم الماس جميل او.. قبل ان انهي حديثي مع نفسي تناثرت من العلبة حبات دقيق ابيض اللون اندهشت وواصلت التمعن في هذا الجالس قربي واصلت مشاهدة البث الحي والمباشر لوقائع تناول المخدر امام ناظري وعندما انتهى كانت لاتزال عيناني تتجولان على هذا المخلوق الذي كان قبل قليل (نافخا ريشه وكاشخا بالبشت والشماغ) والان تحول الى خرقة مرمية لا هي على الارض مستقرة ولا هي على الكرسي معتدلة لم اكلف نفسي عناء اصلاح هندامه او جلسته او اي شيء آخر فقط اشحت بوجهي بكل برود ودون ادنى تأثر نحو نافذة الطائرة لارى العالم من حولي وانا اقول في نفسي:
ماذا خبأت لي في طياتك بعد.. ايها القدر؟!