خلافا لما يدعيه رافضو الخدمة في اليسار واليمين الإسرائيلي، لم يدع غاندي ولا لوثر كينغ إلى رفض الأوامر في مجتمع ديموقراطي...
عندما بدأت ظاهرة رفض الخدمة في المناطق الفلسطينية، برر الرافضون خطوتهم تلك بالاعتماد على تعاليم "المقاومة غير العنيفة" التي انتهجها المهاتما غاندي ومارتين لوثر كينغ. لكن غاندي وكينغ، بالذات، أصبحا، مؤخراً، نجمين بارزين في تصريحات بعض المستوطنين وأنصارهم، في إطار ما يبذلونه من جهود لتبرير حق المستوطنين برفض أوامر الاخلاء، بل وحق الجنود برفض تنفيذ أوامر الاخلاء. ويدعي اليسار المتطرف واليمين المتطرف، على حد سواء، أنه يسمح في الدولة الديموقراطية بمعارضة تنفيذ الأوامر، إذا تبين للمواطن أنها تتعارض مع ضميره الشخصي، شريطة ألا يستخدم العنف.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها اليسار واليمين المتطرف. فلقد حدث ذلك من قبل، لكن اعتمادهما على غاندي وعلى مارتين لوثر كينغ، يعتبر خاطئاً ومضللاً. فغاندي وكينغ لم يسمحا، أبداً، بالرفض لأسباب ضميرية، داخل المجتمعات الديموقراطية.
لقد كان القانون الذي دعا غاندي أنصاره إلى خرقه بشكل غير عنيف، هو القانون الكولونيالي البريطاني في الهند، القانون الذي لم يكن مئات ملايين الهنود شركاء في صياغته. كان ذلك هو قانون الاحتلال الامبريالي، وكانت طريقة الامتناع غير العنيف عن الانصياع له، هي الطريقة الوحيدة التي امتلكها الجمهور الهندي - الذي لم يكن شريكاً في أي عملية ديموقراطية- للإعراب عن معارضته للقانون ولكل ما يعنيه.
أما بالنسبة للزنوج في الولايات الأمريكية الجنوبية، فقد كان وضعهم أشد تعقيدًا، إلا أن لوثر كينغ لم يبرر هناك، أيضاً، عدم الانصياع للقانون في إطار دولة ديموقراطية. في ظل الواقع الذي ساد الولايات الأمريكية الجنوبية، في الستينيات من القرن الماضي، حددت القوانين الفيدرالية الأمريكية، وكذلك قرارات المحكمة العليا الأمريكية، وبشكل واضح، بأن التمييز ضد المدنيين الزنوج - في المدارس والمواصلات العامة والمطاعم والأماكن العامة الأخرى - يتعارض مع الدستور الأمريكي.
وكانت السلطات المحلية في ولايتي ألباما والمسيسيبي هي التي لم تنفذ القانون، وكانت دعوة مارتين لوثر كينغ للزنوج في بيرمينغهام وسلامة، إلى عدم الانصياع لتلك القوانين، تمثل دعوة إلى عدم الانصياع لقوانين معينة حددتها هاتان الولايتان: تلك القوانين التي اعتبرتها المحكمة العليا الأمريكية تتعارض مع الدستور. لقد فعل أنصار كينغ ما فعلوه باسم القانون وليس خلافا له، لأن السلطات المحلية هي التي خالفت القانون. ولذلك سار وكلاء الشرطة الفيدرالية إلى جانب كينغ وأنصاره، وهم يعرفون أنهم هم، وليست السلطات المحلية، من يطالبون بتطبيق أوامر القانون والدستور الأمريكي.
لا يمكن العثور في كتابات غاندي ولوثر كينغ على ما يبرر عدم الانصياع للقوانين التي اتخذت في أطر ديموقراطية. فالوسائل متاحة أمام المواطنين في المجتمع الديموقراطي للعمل على تغيير القانون بطرق شرعية - من خلال الانتخابات، التظاهرات وتجنيد الرأي العام. وهذه هي بالذات الوسيلة التي لم يحصل عليها الجمهور الهندي في ظل السلطة الكولونيالية البريطانية، ولا الزنوج في الولايات الأمريكية الجنوبية (حيث افتقدوا، نتيجة استخدام شتى الأساليب الملتفة على القانون، حقهم في الانتخاب). إن محاولة المقارنة التي يقوم بها اليسار واليمين، بين أوضاع الهنود والزنوج، وتلك التي يعيشها المواطن في دولة ديموقراطية، هي تزوير يجب شجبه.
*عن يديعوت أحرونوت