على منحدر صخري في الوادي القاحل وقفت حبيبو تحت ظلال دارها الحجرية الجديدة وهي امرأة في الثلاثين من عمرها وأم لسبعة اطفال تنتمي لقبائل رحل بدولة جيبوتي الواقعة في القرن الافريقي. وأهلكت موجات الجفاف والاوبئة جميع رؤوس الماشية التي لديها ويقتصر غذاؤها الآن على الارز والمعكرونة بينما لا تتناول اي فاكهة او خضراوات كما لا تتذوق طعم اللحوم الا لماما. ومن اسباب المحنة التي تكابدها حبيبو النقص الحاد في الغذاء على مدار العام وسوء التغذية الذي يؤثر على الفقراء في المناطق الريفية بهذه الدولة الصحراوية الصغيرة الواقعة بين اريتريا والصومال على المدخل الجنوبي للبحر الاحمر.
الا ان خبراء اغذية دوليين يقولون ان هذه الدولة التي تصنفها وكالة المخابرات المركزية الامريكية في وثائقها على انها تحتل المرتبة الدنيا في مخزونها من المحاصيل بمقدورها ان تفعل الكثير لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء على الرغم من مناحها الجاف وتربتها الفقيرة وتركيبتها السكانية من القبائل الرحل التي تجعل من المستحيل زراعة اي محصول.
وتعادل جيبوتي في مساحتها ولاية نيوجيرزي الامريكية ونحو 2470 فدانا من اراضيها من الاراضي البور فيما ترتفع الى حد كبير مستويات سوء التغذية بين سكانها البالغ عددهم 467 الف نسمة. كما تلعب ثقافة القبائل الرحل السائدة دورا كبيرا في ذلك اذ يقول عمر عثمان وهو خبير زراعي بمركز الدراسات العلمية والبحوث في جيبوتي (الناس لا تعنيهم الزراعة بل يقبلون على تربية الماشية).
وخلال ستة اشهر في العام يعيش سكان جيبوتي في جو قائظ الحرارة وبالتالي تصبح معظم الاراضي محدودة الخصوبة.
وتستورد جيبوتي التي حصلت على استقلالها عن فرنسا عام 1977 نحو 90 في المئة من احتياجاتها من الخضر والفاكهة من جيرانها لاسيما اثيوبيا كما تستورد 100 في المئة من احتياجاتها الغذائية الاساسية.
ووصل قطار متهالك الى المحطة الرئيسية في جيبوتي العاصمة فيما دبت فورة من النشاط اثر تحميل صناديق واجولة قادمة من اثيوبيا على الشاحنات العتيقة.
الا انه لن يصل سوى اقل القليل من هذه الشحنات الى حبيبو وافراد اسرتها ممن يكابدون ليس مجرد سوء الاحوال الجوية بل ايضا ارتفاع اسعار السلع المستوردة.
وقال تقرير مولته الحكومة الامريكية في الآونة الاخيرة ان معدلات سقوط الامطار اقل من معدلاتها الموسمية المتوقعة هذا العام لكن الامر الاكثر خطورة هو الارتفاع الحاد في اسعار السلع الغذائية الاساسية في مدينة جيبوتي وهي المصدر الرئيسي للارز والطحين الدقيق والسكر لسكان الريف.
ومما ادى الى الغلاء خلال الاشهر الاخيرة في جيبوتي انخفاض اسعار الدولار في العالم وتراجع انتاج الارز والحبوب والغلال في الشرق الادني واوروبا وزيادة اسعار النفط.
الا ان خبراء الغذاء يقولون ان اناسا مثل حبيبو يمكن ان يحصلوا على تغذية افضل اذا زاد انتاج الخضر والفاكهة فيما اشارت الاحصاءات الحكومية في البلاد الى ان 22240 فدانا اخرى من اراضي جيبوتي الجافة صالحة للزراعة. وقالت فاطمة سمورة ممثلة جيبوتي في برنامج الغذاء العالمي انه من خلال تحسين اساليب الري وانتقاء البذور السريعة الانبات والنمو وتكثيف التدريب في المجالات الزراعية يمكن زيادة انتاج الغذاء على نحو ملموس.
وقالت في اشارة الى 165 مشروعا زراعيا تجري على قدم وساق في البلاد: رأينا من خلال برامجنا الخاصة بانتاج الغذاء انه يمكننا زيادة كميات الغذاء بصورة كبيرة بما يصل الى 50 في المئة خلال السنوات الاربع او الخمس القادمة. وعلى طول الوادي ترعى امام كوخ حبيبو الجمال الموسومة باسماء اصحابها فيما تظهر في الخلفية اشجار المانجو.
ويمتلك ضاهر اوبسيا وهو في الحلقة الخامسة من العمر مزرعة صغيرة وكان قد سافر الى دول اخرى في منطقة القرن الافريقي واوروبا وتلقى دعما ماليا وفنيا من برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة وجهات اخرى لحفر آبار في الوادي لزراعة محاصيل.
وهو يزرع الآن هو وزوجاته الثلاث المانجو والليمون والتمور والطماطم (البندورة) والبصل والفلفل الاخضر والبطيخ والجوافة.
وقال بانجليزية ركيكة تعلمها خلال اسفاره انه يهتم كثيرا بمزرعته (وكنت اول من اقام حديقة هنا ويوجد مثلي الآن 64 شخصا). والعشيرتان الرئيسيتان في جيبوتي وهما عفار وعيسى من القبائل الرحل التي تعتمد على الماشية في رزقها وليس الزراعة.
وقالت سمورة (اذا جمعوا بين الانتاج الحيواني والانتاج النباتي لكانوا قللوا بدرجة كبيرة من سوء التغذية). ومع امتداد سواحلها لمسافة تزيد على 300 كيلومتر يستغرب المرء لماذا لا تستغل جيبوتي الثروة السمكية الا ان تقريرا حكوميا قال ان ما يعوق ذلك هو سوء البنية الاساسية وانعدام التدريب وتراجع الطلب.