... كان (الفقر) وسيظل واحدا من اهم المشاكل الاجتماعية التي واجهت وتواجه المجتمعات الانسانية منذ ان خلق الله الارض ومن عليها, ووزع بحكمته عليها مقومات الحياة المادية.
... ان (الفقر) وعلى اي مستوى من مستويات التحليل يعني (حالة اجتماعية - انسانية- اقتصادية) كبرت بفعل عوامل عدة لتصبح في وقتنا الراهن واحدة من اهم, بل وأخطر المشاكل العالمية ولها الكثير من الابعاد والمسببات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
... بداية دعونا نؤكد اننا قد لا نجافي الحقيقة كثيرا عندما نؤكد انطلاقا مما سبق انه قل ان يوجد مجتمع انساني لا يعاني, او يشكو بعض افرادها من مشكلة الفقر - وان كانت تلك المشكلة تتفاوت بطبيعة الحال بتفاوت العديد من المتغيرات التي يأتي في مقدمتها الثروة المادية, درجة النمو الاقتصادي, ودرجة الشعور بالتكافل الاجتماعي... وغيرها, إلا أن النتيجة او المحصلة النهائية تؤكد ان (الفقر) وما يتسبب فيه او ينجم عنه ما هو الا قدر محتوم كتب علينا التعامل معه طائعين ام مكرهين.
... من هنا كان الحديث عن (الفقر) هو حديث (متجدد) لا يمكن له ان ينتهي حتى يبدأ, والسبب في ذلك بسيط جدا لا اخاله بخاف على احد والمتمثل في حالات البؤس والشقاء التي نراها في اعين الكثيرين من المحرومين صباح مساء والتي تستثير في كوامننا مشاعر شتى من الالم تحيل حالات الصفاء والسعادة فينا الى شقاء.
... إننا نعيش هذه الايام العشر الأواخر من شهر فضيل فرض علينا لحكمة أرادها المولى عز وجل لعل ما نعرفه منها هو ان يشعر من فضل الله عليه منا بشعور المحتاجين والفقراء فينعم عليهم بما أنعم الله به عليه.
... إننا ونحن نتعامل مع من نراهم, او من يقدمون لنا انفسهم بطريقة او بأخرى على انهم من (الفقراء) و(المحرومين) انما ننسى فئة اخرى هي الأحق بالرعاية والمساعدة. تلك فئة من تحدث عنهم القرآن الكريم واصفا سلوكهم (بالعفة), وواصفا تجاهلنا لهم (بالجهل) مصداقا لقوله عز من قائل (يحسبهم الجاهلون اغنياء من التعفف), ووصفهم في آية اخرى بانهم اولئك (الذين لا يسألون الناس الحافا).
... أسر كثيرة فقيرة محرومة تعيش بين ظهرانينا تشكو العوز, وضيق ذات اليد ولا احد يسمع لها حتى مجرد (الانين الظاهري) بعد ان كبتته بين الحنايا والضلوع وبالتالي فلا احد يراها او يدري عن وضعها المعيشي (الصعب جدا) والسبب في ذلك سلاح (التعفف) الذي رزقها الله به والذي من خلاله استطاعت ان تبقي على ماء وجهها نظيفا من ان يراق على اعتاب من انكر وجهل او تجاهل اولئك (الذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).
... ان اولئك (المتعففين) انما ينظرون ويؤطرون لحالاتهم من خلال قناعة ايمانية مفادها ان (ما اصابهم لم يكن ليخطئهم) وبالتالي فهي (القسمة والنصيب) انطلاقا من ايمانهم المطلق بان الله سبحانه وتعالى.. مقسم الارزاق وبالتالي (فالشكوى لغيره مذلة).. لذلك فلا غرو ان وجدناهم يعيشون حالة الثناء والحمد والشكر الدائمة على من قدر لها هذا النصيب من الحياة المعيشية.
... أعلم ويعلم غيري ان هناك الكثيرين من اصحاب القلوب الرحيمة الذين يجعلون ابوابهم مشرعة دائما أمام هذه الفئة, ويواصلون جهودهم الحثيثة ليل نهار للبحث عنهم, والوقوف معهم وقفات صدق احتسابا لما عند الله من اجل تخفيف معاناتهم.
... إننا ونحن نقدر تلك الجهود لهذا البعض من فاعلي الخير, الا اننا نطمح في بذل المزيد من الجهود التي لا تحتاج الى كثير من عناء للبحث عن هذه الفئات التي رزقها الله (نعمة التعفف) لانهم كما سبق وان اشرت (تعيش بين ظهرانينا) لاسيما اننا في ايام شهر البر والبذل والاحسان الذي كان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام اجود ما يكون فيه.
... إن فعل الخير عمل انساني لا يريد المرء منا من ورائه سوى مرضاة ربه, مما يجعله - متى ما صدقت النية - قادرا على ان يصل للمحتاجين اليه دون حرج او اراقة لماء الوجه.
تقبل الله منا ومنكم صيامنا وقيامنا وصالح اعمالنا.
وعلى الحب نلتقي.