قال المفكر والكاتب ناصر الدين النشاشيبي إن الاعلام العربي يحاول أن يقول شيئا لكن الاعلام الفلسطيني ما زال يحبو كالطفل الرضيع, وما دام هناك توجيه قيادي ضعيف يكون الاعلام مثله ضعيفا وليس هناك لزوم في مثل هذه الحالة للاعلام، واصفاً إياه بأنه كالرصاصة والصاروخ والاستشهاد لكي تحيا فلسطين أي اعلام آخر يبقى ضعيفا ومشلولا في غياب الدم.
وقال كنت أحدث الجنرال ديغول فقلت له: يا سيدي أحس أن قضية فلسطين قد غابت عن المسرح الفرنسي فقال لي: فلسطين قضية لونها أحمر عندما يغيب هذا اللون يغيب الدور الفرنسي.. إذا أردتم إحياء قضيتكم أمامكم الطريق الوحيد وهو أن تلونوها بالدم, في هذا القول رد على الذين يطالبون بوقف الانتفاضة وهي ليست ملكا لهم.. الانتفاضة ارادة الله ولن يوقفها إلا صوت من الله.
وخلال زيارته لدمشق التقت به ( اليـوم ) وكان هذا الحوار
أحداث المنطقة
@ عاصرت الكثير الكثير كم الأحداث الجسام في تاريخ المنطقة ما أثر تلك الأحداث على مسيرتك المهنية؟
- اعتبر القرن الماضي المصيري في تاريخ العرب والقضية الفلسطينية، في كل بلد كان هناك تطور، وفي كل عاصمة تطور وفي كل مقالة كتبتها كان هناك تطور، قضيتنا لم تتوقف يوما عن التطور والحالة العامة في العالم العربي كانت في تطور, ووعد بلفور كان مجرد وعد وأصبح فيما بعد دولة, الثورات الفلسطينية, مولد الجامعة العربية, الخلافات العربية, مؤتمر أنشاص, وبروتوكول الاسكندرية, انضمام بعض الدول للجامعة ورفض دول اخرى للانضمام.
كل هذه الأحداث فرضت على كصحفي نشط أن أتابعها وأكتب عنها.. ما كانت مرحلة واحدة بل كانت عدة مراحل من بلد لآخر من ثقافة لأخرى ومن حدث لحدث, و بحكم أنه كانت لي الثروة المالية فكنت اتنقل من مكان إلى مكان ومن بلد إلى آخر على حسابي الشخصي بالسيارات والطائرات لأقوم بواجبي المهني كما كنت التقي بكبار الشخصيات كلما زاروا القدس امثال الجنرال ديغول وسيبرز وكارتر وريغان وغيرهم.
صحافي أم محارب؟
@ هل كنت صحافيا ام محاربا؟ - في الحقيقة كان شعوري الوطني يفوق تطلعاتي الصحافية، وقد قدمت للمكتبة العربية حوالي 47 كتاباً دون ان ألقى أي دعم خارجي من أية مؤسسة أو جهة ما، وكنت أعتمد على ذاتي في التمويل والنشر والتوزيع وغيرها من الإجراءات، حتى ان بعض كتبي أحرقت في بعض الدول العربية ، وسرقت في بيروت، لكن ذلك كله لم يمنعني من مواصلة مشواري وإتمام رسالتي في الدفاع عن قضيتي التي استحوذت على حياتي، وقد كانت كتبي تدخل للبيوت في القدس سراً، وأنا على قناعة مطلقة ان الكاتب يستطيع النفاذ إلى عقول الناس بإرادته وتصميمه، وإيمانه بقلمه وبالقضية التي يكتب عنها، وقد احترفت الصحافة دون شعور مني أني تحولت من كاتب هاوٍ الى محترف له أسلوبه وسياسته وأفكاره ومبادئه، التي تميزني عن غيري من الكتّاب.
وعيي لقضيتي فلسطين، بدأ وأنا في العاشرة من عمري عندما بدأت الكتابة بالصحف، ومع الزمن تطورت الهواية الى احتراف، إذ لقيت مقالاتي اقبالاً من القراء في مختلف العواصم العربية، وأهلي تغمرهم السعادة ان هناك من يتصدى للسموم الموجهة ضد بلدي وقضيتي، فتنقلت في البلدان العربية، وكتبت في كبرى الصحف، وقد حصلت على قوتي وجرأتي من شعوري بأني أخدم قضيتي التي أعطتني دافع الاستمرار بالصحافة..ونصيحتي للصحافيين الناجحين أن يتحلوا بالثبات والمبدئية، فالصحافي بدون مبدأ وثقافة ومتابعة ومناقشة لا يمكن أن يكون صحافياً، بل يجب عليه ان يقرأ كثيراً ويكتب كثيراً لكنه ينشر قليلاً ليأتي بالفائدة التي يرتجيها). وأشير الى أهمية القراءة وضرورتها، كونها تشكل الرصيد الثقافي الرئيسي للصحفي حتى يكون ناجحاً وملماً بجوانب المعلومة كافة، وأرى أن من مهامنا أن نقرأ عن عدونا وان يقرأ هو عنا، وان نطلع على ثقافته ويطلع هو على ثقافتنا، وهذه هي الطريقة التي تجعلنا أحراراً، واستشهد بعبارة تكتب فوق كل باب من أبواب الجامعة الأمريكية:( حب العلم والحقيقة اذا كنت تريد ان تكون حراً) ،ونحن أمام ثقافة حرة لا تباع ولا تشترى مهما كانت الضغوطات والظروف.
حرية الصحافة
@ بعد هذا المشوار مع الصحافة كيف تنظر الى حرية الصحافة في العالم العربي .؟
ـ قد عانت هذه المهنة كثيراً..حتى ان الرئيس عبد الناصر جمع الصحافيين جميعهم وعبر عن عدم اعجابه بما تتضمنه الصحافة من مقالات وموضوعات وما تحمله من أفكار، وكان المقتل الحقيقي للصحافة بقرار تأميمها والحاقها بمؤسسات الدولة، وهذه كانت جريمة بحق الصحافة، وقد تحدث الكثير من الكتّاب عن الحرية المقتولة، فقد كتب (علي أمين) من جريدة أخبار الجمهورية، ان الذي أمم الصحافة هو الذي بنى الأهرام، لكن ان تبنى الاهرام وتقتل الصحافة فهذه جريمة، إنه من السهل على الكاتب أو الصحفي ان يكتب، لكن ليس سهلاً عليه ان يجد من يقرأ..وكيف يضمن ان يجد من يقرأ، لذلك كنت دائماً أقف في محاكمة مع ذاتي وأضع نفسي مكان القارىء لأستشف ردة فعله على ما أكتب، ولطالما ضجر القارىء المصري لشدة ما كتبت عن بلدي القدس وقضيتها، فأنا كاتب لا أجيد الكتابة عن الحب وما شابه..مع أني كتبت للسينما..(حفنة رمال) و(حبة البرتقال) وكان كثير من زملائي الصحافيين يأتون لزيارتي من صحيفة أخبار الجمهورية ويطلبون نصيحتي هل يلتزمون بمبادىء الثورة وتبجيلها، أم يكتبون عن أمور وقضايا أخرى، فكنت أحذرهم دائماً من الرقيب الذي يترصدهم، رغم أني وأنا ابن القاهرة أدباً وثقافة وسياسة، انبريت ضد كامب ديفيد لأنها كانت تهدف لسلخ مصر عن الجسد العربي، وهاجمت الاتفاقية، وأصدرت كتاباً سميته (صلاة بلا مؤذن) بحجم 750صفحة ، ومن حينها بدأت المواقف العربية التراجع، علماً ان ما كان يجري من أحداث يستحق ان يؤرخ، ويوحي للصخر ان يكتب عنه ويخلده، لذلك قربي من الرئيس عبد الناصر كصاحفي كان بحكم جرأة قلمي وكتابتي.
عاشق القلم والمتاعب
@ كتابك الاخير "عاشق القلم والمتاعب" هل هو الخاتمة والنصيحة لحملة الأقلام؟ - وارى ان عالم القلم مفتوح للجميع بشرط أن من ينتسب اليه يكون مستعداً لمواجهة النكبات والمتاعب، وعن هذا الكتاب قال خليل العسلي: أنا أفخر ان يكون هناك صحافيون عمالقة، وأطمع ان يكون في كل بلد عربي صحافة قوية لأنها مرآة الشعب القوية التي تساهم في بناء الأوطان والدول. وفي ختام حواره ركز على المحطات المؤثرة في حياته كتأميم الصحافة التي كانت نقطة تحول في حياته، وكذلك هزيمة "67" وأحداث أخرى ألمت بالوطن العربي، وما وصلنا اليه الآن من ذبذبات الصحافة والنفاق الإعلامي.
الزملاء المحترمون
@ من بين مؤلفاتك الكثيرة كتابك (حضرات الزملاء المحترمين) ما هي نصيحتك لزملائك المحترمين .؟
- الصحافة أشرف مهنة في العالم تعطي لمحترفها الاسم والمجد الكبير الذي يشجع للاستمرار في هذه المهنة شرط اخلاص الصحفي لعمله، وان لا يبيع نفسه، وأن يتمسك بقلمه وكرامته فهي التي تبني الاوطان ، وليست الذبذبة الصحفية هي التي تخدم الاوطان وليس النفاق الصحفي هو الذي يقدم الحقيقة، ليس صحفيا الذي يهرب، من السهل ان تكتب لكن ليس من السهل ان يقرأ لك اكتب ما تشاء لكن اضمن ان يقرأ لك ما تكتب عالم القلم مفتوح ليس حكرا على احد لكن شرط الذي يحمل القلم يجب ان يواجه المتاعب.ومن ايمان بهذه الاهداف فقد تحولت الى صحفي محترف دون ان اشعر بذلك والحديث عن قضيتي وعن وطني كان دائما دافعي هاجسي الذي دفعني لقبول كل التحديات ومشيت عكس التيار ودافعت كثيرا عن حرية الصحافة منذ أن حملت القلم واحترفت الصحافة عاهدت نفسي أن أكتب عن العرب، وأسخّر قلمي لخدمة قضاياهم، وتقصي الحقيقة مهما كان ثمنها غالياً، مسترشداً بمقولة مكرم باشا عبيد: ( إذا أحببت وهبت، وإذا كرهت ضربت ) وأنا أحببت كثيراً، وتعرضت للضرب كثيراً، إذ جرت محاولات اغتيالي وقلمي في بيروت والأردن والقاهرة وبغداد، وكنت أنجو بإرادة الله، حتى أني أثناء محاولة اغتيالي في القاهرة كنت أرأس جريدة الثورة، ومن ثم تكررت الاعتداءات، وكانت ارادة الله دائماً تحول دون نجاح مخططاتهم، وهذا كله لم يجعلني أتراجع عن كلمة كتبتها، أو فكرة أو مبدأ آمنت به في حياتي، بل كنت أستمر في الكتابة بقوة وجرأة أكبر في كل صحيفة وفي كل عاصمة عربية، فأنا إنسان لي قضيتي التي تتطلب مني مع كثير من أبنائها النضال من أجلها والثبات على مبادئي وأفكاري لنصرتها.