أخبار متعلقة
يعد من ألمع جيل الستينيات في الوطن العربي.. أثرى حركة الكتابة الروائية بدءاً من عام 1969.. كتب القصة والرواية.. ورغم انه جاء بعد جيل الرواد إلا انه لم يسر على النهج نفسه.. اهتم اهتماماً كبيراً بالتراث والقصة التراثية.. إنه الكاتب والأديب المصري جمال الغيطاني، الذي يؤمن بقدرة الأجيال العربية الجديدة على فهم الاتجاه الذي تمضي الإنسانية نحوه، ولكنه يحذر في الوقت نفسه من تراجع القراءة ومستوى تعليم اللغة العربية. والكتابة عنده هي نوع من الاستشهاد.. "اليوم" التقت به فكان هذا الحوار: علاقة
@ كيف ترى علاقتنا مع الموروث؟
ـ علاقتنا مع التراث ليست على ما يرام حيث ما زال هناك نوع من الاستعلاء وعدم الاهتمام به وان بدأ الاهتمام به مؤخراً وبدأ كثير من الادباء يلجأون اليه.
@ ومتى يلجأ الغيطاني الى الموروث؟ تراث
ـ أنا لا ألجأ الى التراث في ابداعي فقط بل ادعو الى التوجه للتراث في كل مناحي ثقافتنا وهناك كثير من الكتب التراثية طالبت بإعادة طباعتها. رسالة
@ وماذا عن علاقة روايتك "رسالة البصائر في المصائر" بالتراثين العربي والاسلامي؟
- أتت هذه الرواية في إطار جهودي من أجل تأصيل الفن القصصي العربي، وعلى أية حال فأنا دائب الجهد في البحث عن أشكال فريدة للقص مستنداً الى التراث العربي والى التراث الانساني عامة .
عائق
@ بحكم خبرتك الطويلة في هذا المجال.. متى يتحول الموروث الى عبء وعائق أمام تقدم وتطور الكاتب؟
- يتحول الى عائق اذا انغلق الكاتب على موروث معين، فعندها يكون هو الذي وضع هذا العائق أمامه بنفسه. ترجمة
@ ترجمت العديد من أعمالك الى لغات عدة.. فمتى يكون للترجمة دورها السلبي في الأدب؟
- تقوم الترجمة بدور سلبي عندما يضع الكاتب أو الأديب في رأسه موضوع الترجمة عند الكتابة أي عندما يعطيها الأولوية، فمثلاً هناك كثير من الأدباء يكتبون موضوعات مدركين أنها ستجد طريقاً للترجمة بشكل مسبق أي العزف على النغمة المطلوبة في الخارج لذلك يتطرقون إليها من أجل ذلك.. في حين أنا أقول: إن تجربة نجيب محفوظ تقول: إن العمل الأدبي الجيد يجد من يدافع عنه ويقدمه للترجمة حتى دون أن يعلم صاحبه بذلك، وأذكر جيداً أنني عندما كتبت روايتي "الزيني بركات" ونشرتها بشكل مسلسل في مجلة "روز اليوسف" قابلني صديق وهو صحفي معروف وقال لي: إنك تكتب بلغة صعبة جداً ألا تفكر في الترجمة؟ فقلت له: إن الترجمة ليست مسؤوليتي وإنما مسؤولية غيري وبالتالي لم أكن في يوم من الأيام أتوقع أن تترجم هذه الرواية، لأنها كتبت بلغة القرون الوسطى ولكنني عندما سافرت ذات مرة إلى باريس عرفت وبالمصادفة ان أحد أعمالي سيترجم الى الفرنسية، وعندما علمت بأن هذا العمل هو "الزيني بركات" استغربت كثيراً.. ما أريد قوله: إن الكاتب يجب أن يكون معنياً بالدرجة الأولى بما يكتب والعمل على تطوير أدواته وثقافته وأن يكون مؤمناً بما يكتب.. أما الاهتمام والتفكير المسبق في الترجمة فسيؤدي الى التأثير والدور السلبي للترجمة. الزيني
@ روايتك "الزيني بركات" من الروايات الصعبة جداً ورغم ذلك كانت أكثر الأعمال المترجمة الى عدة لغات؟
- في تقديري ان سرّ الموضوع يكمن في أنها من الروايات المعدودة في تاريخ الأدب التي تقاوم فكرة القهر، وفيها أيضاً شكل روائي غير مطروق في الأدب، وأذكر هنا انها ترجمت أيضاً الى اليابانية، وقد التقيت صدفة بصحفي ياباني قال لي بعد قراءتها: إنك تكتب عنا نحن اليابانيين. سيرة
@ ولكن ألا تفكر بشكل جدي في كتابة سيرة ذاتية لك؟
- المشكلة التي أعاني منها الآن هي ضيق الوقت خاصة أن وقتاً طويلاً اصرفه للصحافة لذلك عندما اتقاعد في مايو عام 2005 ربما تكون الفرصة مواتية لفعل ذلك.. على الرغم من أنني لا أفكر في كتابة سيرتي الذاتية خاصة أنني لست ممن يبحثون عن موضوعات للكتابة، حيث إن لديّ موضوعات كثيرة ومشاريع كثيرة واحتاج الى وقت كاف ٍلفعل ذلك خاصة ان سيرتي الذاتية كتبت في أعمالي بأشكال متخفية اضافة الى ما كتبته على مدار 20 سنة في يوميات الأخبار. نقد
@ إلى أية درجة استطاعت الكتابات النقدية التي تناولت اعمالك الروائية ان تضيء جوانب جديدة في ذاتك الابداعية؟
- ما إن صدر كتابي الاول.. وهو رواية بعنوان "أوراق شاب منذ 1000 عام" حتى لاقى حفاوة نقدية كبيرة جداً آنذاك أي في عام 1968، في هذا الوقت والتاريخ كانت هناك حركة نقدية لها مصداقية عالية جداً، بمعنى انه كان يوجد نقاد عندما يكتبون عن كاتب مهم يضعون شهادة ميلاد لهم، فيوسف ادريس ولد من خلال كتاب واحد هو"أرخص ليالي" الذي كتب عنه طه حسين فكرس بذلك كاتباً كبيراً.. والشيء نفسه حصل معي في كتابي "أوراق شاب".. الذي قدمني الى الناس من خلال د.منيف عوض ولطيفة الزيات ود. محمود أمين العالم وعلي الراعي. فقد كان لا يمر يوم إلا ويصدر عنه مقال، كما لاقى هذا الكتاب اهتماماً عربياً بعد شهر واحد من صدوره كانت مجلة "الطريق" تتحدث عن أوراق شاب وتقول في مقال لها: انتبهوا الى هذا الكاتب.. وأذكر أيضاً كتابات بلند الحيدري ومحمد دكروب، إذاً كان هناك مناخ يقيم ما يصدر من اعمال.. وبالتالي يكرس هذا الكتاب، ونحن الآن نفتقد الى هذه الحركة النقدية التي كانت مزدهرةً آنذاك.. هل استفدت منها؟
نعم أنا استفدت جداً مما كتب خاصة وأنه لديّ رغبة في التجديد وكتابة ما لم يكتب مثله واعترف ان النقد ساعدني وبصرني فيما أفعل فوفر عليّ الطريق فعندما أتى د. محمود العالم وقال: إن الغيطاني كشف شكلاً جديداً من الكتابة هو القصة التاريخ وليست القصة التاريخية.. وشيئاً فشيئاً امتدت الدراسات النقدية لكتاباتي الى الجامعات حيث بلغت رسائل الدكتوراة والماجستير في معظم انحاء العالم والوطن العربي (50) رسالة دكتوراة، صدر قسم كبير منها في تونس والمغرب بالذات نتيجة لاستيعابهما المناهج النقدية الحديثة بفعل اتقانهما اللغة الأجنبية واقترابهما من أوروبا، وأذكر انه وبعد صدور كتابي "تجليات" - الجزء الأول عام 1983 قدم ناقد مغربي اسمه بشير القمري رسالة ماجستير بعنوان: (النص الشاعري في الرواية العربية) احتل كتابي "تجليات" القسم الأكبر من هذا الكتاب، واعترف بأن هذه الرسالة قد ساعدتني على كتابة الجزء الثاني لانها حللت الأساليب التي كتبت بها فاكتشفت مثلاً انه لديّ نحو أربعة أساليب. ما أود قوله في نهاية اجابتي: إننا اليوم نفتقد الى الجدية في النقد ونفتقد الى ما يسمى بالنقد العلمي.
الحرية الفكرية
@ تجربة الأوروبيين مع الحرية الفكرية وفرت لهم يقظة مستمرة تجعلهم يسألون عن الكتاب الأجانب بدقة كأنهم يغوصون في نواياهم. هل شعرت بذلك في زيارتك الاخيرة لفرنسا؟
- توجد رغبة في المعرفة واكتشاف الآخر، ونحن عندما نكون هناك نشكل ذلك الآخر. نحن نسعى لمعرفة الثقافة الغربية وترجمتها، واكتشفت هناك أن الواقع ليس بالسوء الذي نتصوره في بلادنا. هناك استعداد لدى قطاعات عريضة من الناس للاستماع إلينا وتفهّم وجهة نظرنا والتعرف علينا. قد يكونون أحيانا تحت تأثير إعلامي سلبي ولكن بسبب تقصير العرب في إيصال وجهة نظرهم.
@ قد لا يكون ذلك صحيحا في فرنسا، ألم يؤسس العرب هنا معهدا كاملا لهذا الغرض؟ مبادرة فرنسية
- معهد العالم العربي تأسس بمبادرة فرنسية - عربية وله الآن حضور ثقافي في باريس، ولكن ماذا تقدم له الدول العربية؟ لقد أعطانا الفرنسيون مكانا هو من أجمل الأمكنة في باريس، يقع في قلب الحي اللاتيني الثقافي، على مقربة من جامعة السوربون والبنتيون. مكان كهذا لم تحظ به اليابان، فمركزها موجود في مكان بعيد عن قلب باريس، ولست أدري أين وُضع المركز الثقافي الأمريكي. كان يمكن أن يتحول المعهد إلى بؤرة حقيقية للثقافة العربية، فهو تجربة غير مسبوقة. أعرف أنه يعاني وأخشى أن نخسر يوما خسارة كبيرة بسبب هذا الإهمال. وتصرفات بعض العرب داخل المعهد ليست على الكفاءة المطلوبة. هذه فرصة ذهبية لم نعرف استخدامها. وكل ما حققناه من وجود ثقافي كان بفضل جهود فردية لا بفضل منظمات، ومؤسسات ودول. أنا أتمنى أن تزول وزارات الثقافة العربية، لأن مهمتها الأولى هي تدجين الكتاب، وإفسادهم وشراؤهم. لقد أصبح الكتاب الذين يظهرون في الواجهة موظفين ومسؤولين عن المؤسسات الثقافية. اشتهرنا في الغرب بفضل أعمالنا، وفرنسا هي أكثر البلدان اهتماما بالأدب العربي وتأتي بعدها ألمانيا. بشكل عام، هناك بحث مستمر عن الكتّاب وتُرجم الذين يستحقون الترجمة. غالبا ما يطلب مني المسؤولون عن الترجمة ترشيح أسماء جديدة، وبعض هذه الأسماء وجدت صعوبة في النشر في بلادها وتترجم أعمالها الآن إلى الفرنسية. اختيارات الأجانب فيها قدر كبير من النزاهة يفوق نزاهة بعض العرب.
شهادة
@ سمعتك تقول أمام الجمهود الفرنسي إنك تعتبر نفسك شهيدا عندما تكتب ، فماذا تقصد بذلك؟
ـ في حياتك اليومية قد ترتدي أقنعة مختلفة وكتابتك الصحافية قد تخضع لبعض الحدود. أنت تكتب في إطار الجريدة التي تعمل فيها وسياستها العامة، وفي إطار المجتمع. المسؤول عن الجريدة يطبق سياسة معينة. الكتابة الادبية لا تحتمل الوقوف في الوسط. عندما أكتب أواجه الواقع واعتبر الكتابة فعلا نوعا من الاستشهاد. لا يهمني ما الذي سيحدث بعد ذلك.
@ هل هناك أمثلة على ذلك؟
- نجيب محفوظ نفسه الذي يتميز بالالتزام والاتزان تعرض في فترة ما للخطر، ولكنه نجا بفضل عمله في "الاهرام" وحماية شخص قوي وقريب من النظام في ذلك الوقت، هو محمد حسنين هيكل. لقد كفل هيكل الحماية لعدد كبير من كتاب مصر، و "الأهرام" لعب دورا ثقافيا كبيرا في الستينيات عندما كانت الظروف الديمقراطية دون المستوى المطلوب. كان هناك بناء وحديث عن الاشتراكية، . والغريب في تلك الفترة أن الأدب والثقافة ازدهرا. لكي تخدم مواقفك لابد من تجويدها فنيا. إذا اصطدمت مع واقع معين وأردت خدمة قضية معينة، لابد من تقديم ذلك بشكل فني جيد، والشكل هو هاجس دائم بالنسبة لي.
@ قضية موقف المبدعين من الذهاب إلى اسرائيل, خاصة بعد أن تمت إثارتها مجدداً مع الأديبة المصرية المقيمة في لندن أهداف سويف؟
- هناك موقف مطلق نلتزم به نحن أدباء مصر وهناك موقف محدد ضد التطبيع ونفسياً أنا لا أستطيع الذهاب إلى اسرائيل لتغطية الانتفاضة, لا أستطيع أن أقبل الختم الاسرائيلي على جواز سفري, فأنا رافض أصلاً وجود (اسرائيل) التي ألقبها بالدولة الخطيئة, فأنا أفهم أن يكون هناك فلسطين يتعايش فيها اليهودي والمسلم والمسيحي وممكن يكون الرئيس يهودياً أو مسلماً أو مسيحياً طبقاً للأصلح, وتكون بها مؤسسات مدنية ويتعايش اليهود مع المسلمين مثلما كان سائداً من قبل, الخطيئة التي ارتكبها الغرب بتأسيس هذه الدولة لها تأثير خطير على الحضارة الغربية نفسها, لأنه عندما تنشأ دولة من منطلق ديني ستعني أن تقوم دول من منطلق مسيحي وإسلامي ويهودي وتقوم حروب لا نهاية لها, لأن كل طرف عندما يحوّل أي صراع إلى مسألة مقدسة, فمن الذي سيحسم الأمر؟ هذه الدولة لا أقتنع بها.
الإعلام العربي
@ هل يمكن أن نقول: إن الإعلام العربي يتحدث الى نفسه ولا أحد يسمعه؟
- لقد حدث شيء إيجابي في الفترة الأخيرة, فقد عاد الإعلام العربي الى وعيه حيث مرت فترة, كنا نخجل من كلمة فلسطين على أراضي 1948 وأتحدى وجود اسم فلسطين على أي خريطة على أراضي فلسطين بالكامل, وعادت القضية الى أصولها الأولى فهناك شعب يجتث وشعب آخر وافد يغتصب أرضه, فعادت المسألة مرة أخرى بعد 20 سنة مما سُمي بالتطبيع, وظهر جيل جديد لا يعرف شيئاً عن الصراع ولكن رأى ما يحدث في التليفزيون وصورة محمد الدرة التي هيجت الضمير العالمي وحدث انتباه الى خطر كنا قد نسيناه يسمى (اسرائيل) بعد أن أصبحنا نسمع أخبار استشهاد الفلسطينيين بشكل عادي وليس مثلما كنا نتفاعل معه في البداية وهذه مصيبة, وفي رأيي أن الحجر أصبح فلكلوراً.
نجيب محفوظ
محمود امين