(الحياة هبة من الله ، وما نفعله من منافع في حياتنا هو هباتنا إلى أنفسنا)
خطرت علي تلك الخاطرة وأنا أتأمل وضع فتية الأمة وفتياتها، فالحياة هي فرصة واحدة، والزمان لا يتكرر، ولا يعاد، ولا يستأنف، ولا يمحى ، كل ما تفعله من أعمال في الظلام أو النور هي باقية ، وستتبقى معها آثارها.. وأكثر ما يعلم ذلك هم الكبار. لكم استمعت طيلة حياتي لكبار ومسنين ومن أواسط العمر وهم يستعيدون ذكريات أيامهم الخوالي، تلك الأيام الذهبية والمشرقة وهم في زهرة العمر، وفي لمعان الشباب، لما كانت أجسادهم تفور بالعنفوان وكانت تنفذ كل ما يدور في عقولهم، بل ان عنفوانها يهدر قبل أجسادهم.. وتراهم يسبحون في الذكرى ويغيبون، بعضهم يستعيدها وهو زاهٍ مقتنع، ومفعم بالذكريات الجميلة وبالفرص التي انتهزها، وبالأعمال التي حققها، فيود لو يعود الزمن ويعيشها، وبعضهم يذكرها بحزن وحسرة
لأنه أضاع الفرص وأهدر الأعمال ويود لو يعود الزمن ليعيد إصلاح ما فسد، ولكن الزمن صامد لا يعود.. فالزمن مجرى أزلي لا يعرف الرجوع. لذا، الزمن لا يعطي احدا فرصة أخرى!
على الإنسان أن يثمن كل لحظة في حياته، إن كانت جميلة مثمرة فليعشها حتى يمتص كل رحيق النجاح وتحقيق الذات، وإن كانت معتمة ثقيلة فعليه أن يفعل كل جهده بإصرار وعزم وبدون جزع ولا استسلام ليديرها إلى الوجه المضيء والجانب الذي يرى فيه حلاوة أن يعيش هدية الله له.. كل لحظة من حياته!
لا بأس أن تحاور، وأن تتقدم للمطالبة بحق وجودك، وبحق أن تكون لك حياة كريمة وموفورة، بل اني أشجع على ذلك، ولكن لا تنس أن حياتك لك، وبك، وفيك لن يدخلها أحد غيرك مهما أحبك، ولن يغيرها لك أحد مهما ابتعد عن حبك. مصائرنا لم يكتبها إلا الله بالسماء، ولا نحققها إلا نحن بذواتنا المستقلة على الأرض.. تأكد أن نفسك لك وحياتك لك، فاغتنم كل لحظة للعمل على فسح الطريق لحياتك بنفسك.. جميل يا أحبائي أن نسمع الوعود، ولكن أعظم وأصدق الوعود هي التي تعد أنفسنا بها أنفسنا..