أخبار متعلقة
ربما كان السعي نحو الانتشار والتحقق هو الهدف وربما كان صرخة في وجه المؤسسات الثقافية, وربما كان من اجل الإحساس بأهمية ان يعرف الآخر الجانب الجمالي في إبداعنا وحياتنا. الأسئلة كثيرة و(بين ماءين) لم يكن الأول ولكن كان هناك جماعة الفن التشكيلي الخليجي وجماعات أخرى عديدة جمعت بين فنانين من الخليج او من الخليج والعالم العربي.
كانت تلك المقدمات تدور في الذهن وأنا ألبي دعوة الفنان عبد العظيم الضامن لحضور افتتاح معرض جماعة (بين ماءين) أما النتائج فكانت تلك الأعمال التي شهدتها قاعة (إدراك) بالخبر وتمثلت في هذا العرض المتنوع في الأسماء والجنسيات والتقنيات فبالإضافة الى عبد العظيم الضامن هناك نسرين الدار ومها الحرز من المملكة وكانت هناك طاهرة اللواتي من سلطنة عمان وعبدالغني بو مقورة من الجزائر.
وبالإضافة الى الرسم والتصوير كان هناك التصوير الفوتوغرافي ما يقارب الأربعين عملا احتواها المعرض.
من التصوير الفوتوغرافي تكون بدايتك ويوقفك أسما (نسرين الدار) و(مها الحرز) كمصورتين ضوئيتين خلا الى هذا العالم الذي هيمن عليه الرجل بجرأة.
ورغم حداثة تجربتهما إذ انهما بدأتا مشاركتهما الاولى عام 1423هـ في معرض مشترك بثقافة الدمام الا انك تلمح محاولات التمايز والبحث عن مناطق الالفة بين عين الكاميرا (العين الثالثة) التي تمثل ذات الفنان وبين الموضوع الذي يمثل في النهاية المشهد أو اللقطة او اللوحة وتكتشف أن لدى مها ونسرين وعيا بزاوية الالتقاط والاحساس بالجمال والتأكيد على الزمنية والإحساس باللون والضوء والظل ومحاولة المقاربة التشكيلية للقطة من خلال تناول مفردة (قدم) او (وردة) والتأكيد عليها دون تزخيم فضاء الصورة بتفصيلات كثيرة.
ولعل استخدام نسرين للأبيض والأسود كان جيدا في عملين لها إذ ابرزا الزمنية واسبغا على الأعمال الحس الدرامي للمشهد.
وعندما نتوقف أيضا عند عملها (القارب) وتأثير الزمن عليه.
(2)
من التصوير الضوئي الى التشكيل بالريشة واللون ووقفة عند أعمال عبد العظيم الضامن وحركته الدؤوبة في محاولة البحث عن المغاير وان اتكأ على المنجز وفي محاولة إيجاد شكلية بصرية تتقاطع مع الجمال لتأكيد ذاتها عبر التشويه والتنافر اللوني والتأثيرات على السطوح أحيانا, واستخدام خامات خشنة وأشكال هندسية تحتوي على العناصر التي تتسيدها الوجوه البشرية بتشويهاتها وكأنها بقايا او آثار تكشف ما آل إليه الإنسان من تشظ، وإذا كانت المفردات أو العناصر التشخيصية تكاد تكون بارزة في بعض أعمال الضامن إلا أن هذا البروز لا يكشف عن تمايز أو تأثير يمنح للعين حيزها للإلمام بعملية المشاهدة القائمة على الحركة المستمدة من حرية الخطوط والألوان بقدر ما يدفعها إلى مركز اللوحة ويثبتها عند المناطق الغائرة والسوداء.
وعبد العظيم الذي يحاول البحث عن حلول تشكيلية من خلال محاولاته التجريبية لم يستقر بعد على الاتجاه الذي يمكن له أن يكشف من خلاله أبعاد تجربته.
من عبد العظيم إلى طاهرة اللواتي التي اعتمدت الأزرق كلون أساسي في أعمالها التي عرضتها وسعت من خلاله إلى أن تنقل إلينا احساسا (ما) يعكس روح الكتابة التي خيمت على هذا العصر وتذكرنا طاهرة بالمرحلة الزرقاء لبيكاسو التي هي اقرب إلى التعبيرية والتي ابنتتها حالة القلق والتأمل الحزين التي عاشها قرابة ثلاث سنوات (1901 ـ 1904م) وقد أختار لها موضوعات الفقر والعزلة والتعاسة. هذه المرحلة ربما تفسر لنا أعمال طاهرة التي تسبح فيها العناصر وكأنها أشباح لاتبين ملامحها في تناغم وقد عمدت الفنانة إلى حذف التفاصيل ومط العناصر لتزويدها بتعبير درامي، وما يميز أعمال طاهره هو ضربات الفرشاه التي تدرجه بين القوة والرهافة وإيقاعية الخطوط رغم سكونية التكوين التي أضفاها عليها الأزرق والأسود اللذين تسبح فيهما الموجودات لتفيض إلى خارج إطار اللوحة وتلك الخطوط الرأسي والأفقية التي أكدت الجرأة ومحاولة كبح جماح الرؤيا ونقل العين إلى خارج عالم التصوير.
والأزرق في أعمال طاهرة لم يعد صفة من صفات المشهد بل المشهد صار نابعا من تركيب الألوان، وتظهر معالم الأشياء من تفاعل الأزرق الفاتح والداكن الذي يعم اللوحة كلها ويوحي بتقلص التشكيل أو امتداده.
ويبقى وعي اللواتي واضحا في تنوع مصادر الضوء من داخل وخارج العمل. وإن بدا في أحد أعمالها عنصراً تشكيليا ( قط فرعوني أسود) وكأنه أقحم على الفضاء.
(3)
من طاهره اللواتي الفنانة العمانية إلى الفنان الجزائري عبد الغني بو مقوره بألوانه المبهجة وتكويناته التي حملت تأثيرات البيئة في تشكيل تبدو فيه التلقائية الشبيهة برسوم الأطفال تتسيد فضاء اللوحة الملىء بالأهلة والقباب والزخارف السابحة والمتجاورة في تناغم وحميمية. عبد الغني المولع بالألوان الحارة (غالبا) والمبهجة والمضيئة يزخم فضاء اللوحة بموثيفاته الشعبية وعناصره الزخرفية في احتفالية لونية استمدت تأثيراتها من تلك التركيبة اللونية ( الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق والبرتقالي والأسود) وكأنها في كرنفال يتعدى حيز اللوحة إلى الفضاء الخارجي فيوجد تأثيرات حسية توحي بجو الريف الجزائري والفن الشعبي التلقائي. ويبدو اهتمام بومقورة واضحاً بتعميق الصلة ببيئته خلال توليد الأشكال البسيطة والمسطحة التي تشي بالروحية والوهم البصري عبر الانعكاسات البراقة للون وحرية المساحات اللونية ومحاولة إقامة علاقة هارمونية تبهج البصر بالبعد كثيراً عن التشبيهى والاقتراب من الفن التنزيهي وبقى في النهاية أن نشيد بتلك التجربة ( جماعة بين ماءين) التي جمعت في دائرتها هذا التنوع آملين أن نرى ما يشابهها عربياً.
من أعمال نسرين الدار
من أعمال عبد الغني بو مقورة