القضية الكردية ومسألة الحجاب ومدارس الأئمة والخطباء قضايا تحتل مكانة خاصة محاطة بنطاق محكم في خضم موجة التغيير الكبيرة التي تمر بها تركيا. ومحور السياسة في البلاد يتركز أكثره على هذه القضايا الثلاث. ولكن كيف ستتجاوز تركيا هذا السد الاجتماعي ـ السياسي الهام ؟
أولاً التفكير في أن مرحلة الاتحاد الأوروبي أو عضويته ستساعد على حل هذه القضايا أو على الأقل ستكون عاملاً مساعداً في الحل هو تفكير غير واقعي. فالقضية وحلها يكمنان في الديناميكيات الداخلية, ويمر الحل السياسي عبر المحاسبة الديمقراطية مع عقلية العالم الثالث ذي النزعة المستندة على الإدارة المركزية. ولم يكف إثبات أن التغيرات الجارية في البلاد وعلى المستوى الدولي هي نتيجة امتزاج بين الديمقراطية المعاصرة وبين المجتمع ذي الثقافات المتعددة, لم يكف ذلك في إزالة الشكوك والغموض من الأذهان مما أدى إلى استمرار المشكلة.
وكانت بعض الجهات ابتعدت عن فكرة " المجتمع المتمازج " التي تستوجبها ديناميكيات التغير والتبدل إلى درجة تقديم تنازلات بل وتضحيات عن بعض المبادئ الديمقراطية التقليدية بدعوى أنها لا تنسجم مع المصالح العليا، وهي النقطة التي تشكل أساس تبرير مشروعية التدخلات العسكرية في شؤون الدولة, وأخذت هذه الجهات تشعر ولاتزال بالقلق من فكرة إعادة هيكلة مجتمع متعدد الثقافات مما أدى إلى ظهور أوساط ترفض هذا التبدل الاجتماعي. ومن الممكن القول انه لا يوجد ما يدعو لانتقاد هذه الأوساط ولكن الأمر يختلف بالنسبة للمسئولين الفكريين عن هذا الوضع.
ولعل الشعور بالقلق أمر مشروع وطبيعي, وكما ذكر عالم اجتماعي معروف (هناك دائماً أغبياء محليون وأجانب يسعون لجر الناس الى هاوية "عصور وسطى جديدة " مشحونة بصراعات دينية ومذهبية ولغوية بدعوى إنشاء مجتمع ديمقراطي معاصر وحر ). وهو طبيعي خاصة بالنسبة للمجتمعات المنطوية على نفسها والتي تعاني صراعات دينية وثقافية خفية.
وعندما نتحدث عن المجتمع المتعدد الثقافات فاننا لانعني ألبتة ايجاد قواقع تمثل كل واحدة منها شريحة من شرائحه بل نعتبر هذا المجتمع عقارا مضاداً للانضواء الاجتماعي تحت مظلة جماعات ومجموعات لاتنظر الواحدة الى الأخرى بعين المودة والمحبة على الأقل. وفي نظام المجتمع التعددي يقوم بتعريف الفرد مجدداً بنسبة القبول الذي تلاقيه من شرائح المجتمع وتحقق له قسطاً أوفر من الحرية على النطاقين المحلي والعالمي.. والهويات تتشكل بشكل متقابل فليس بمقدور أي كان الوصول الى هويته بمجرد الرغبة بل بواسطة تعريف الآخرين له ومواقفهم تجاهه. أي أن المجتمع التعددي هو اسم النظام القائم على تقبل الشرائح بعضها لبعض.
وفي حال استغلال بعض الشرائح للوضع الجديد فان المخاوف الحالية لبعض الأوساط ستصبح محقة دون شك.