تزداد يوما بعد يوم شركات العقارات التي تبحث عن أراض جديدة لبيعها، ويكون الضحية الملاك الذين لا يحصلون إلا على ربح قليل، على حين يحصل أرباب الشركات على أموال طائلة، أما أصحاب الدخل المحدود والمتوسط فإنهم لا يجدون فرصة لادخار ما يكفي لشراء قطعة أرض، هذا ما يدور حوله مقال الكاتب.
انهم يحفرون الارض في كل الاتجاهات .
ليس هناك من منجم للذهب ولا مكمن للنفط . انما هي الارض التي باتت ذاتها اداة الاستثمار الاكثر جاذبية للباحثين عن الربح، في سوق شهيتها مفتوحة على الآخر.
يقولون ان السيولة هي التي أحيت الارض بعد موتها، حتى صارت ادوات الحفر تلهو في وادينا، تقلب التراب، وترسم ملامحنا الجديدة . فهي وعد الذين انتظروا دهرا طويلا كي تتكرر اسطورة الثراء السريع التي لازمت طفرة النفط.
تطالعك الصحف بين يوم وآخر بأخبار المولودين حديثا في عالم العقار . دائما هنالك شركة عقار جديدة، واراض في طريقها للبيع يكافح ملاكها من اجل هامش ربح استثنائي، بعد ان خرخش عليّة القوم جيوبهم، وبعد ان عاد رأس المال الهارب دوما، وتذكر اربابه أن في الوطن ما يستحق الاستثمار فيه، او لنقل ما يمكن ان نقبض منه بنحو آمن وميسور.
بين ليلة وضحاها اصبح المكان من حولنا أراضي ممهدة للبيع، جاهزة للبناء، حتى الخدمات التي مازالت الاحياء القائمة تفتقر اليها تم انجازها على جناح السرعة .
وكل ذلك لخاطر عيون المزاد الذي سيرقص فيه اللاعبون الكبار بعد أن يقبضوا ارباحهم اضعافا مضاعفة، بينما يقضي ذوو الدخل المحدود والمتوسط زمنا آخر يحبسون فيه انفاسهم ويعصرون محافظهم ليدخروا مبالغ تجعل من ذلك الحلم بامتلاك قطعة ارض قابلا للتحقق ولو بعد زمن!.
نتوهم فرحا ان القدر سيصيبنا بـ(رشة نفط) كتلك التي جاوزت في احسانها فبلغت الكثيرين ايام السبعينات من قرن النفط الفائت.
نحسب ان هذا البحر الذي تتعجل آلات الحفر في ردمه، وتلك المزارع الهادئة التي ستستحيل ورشا ومصانع على تخوم القطيف عما قريب، نحسبها تحضر لاحتضاننا اعجابا بانتظار المواطن الطويل لهذا الحلم المتلبس بالسراب.
كل لوحة اعلانية لمزاد جديد، تحرك فينا سيل المشاعر والعواطف، وتحرك ذات السؤال: هل سنملك من هذه الارض التي نهوى قطعة في يوم ما ؟، وفي كل مرة نعود الى دروس الحساب لنجمع ونطرح ونقسم ونضرب، والنتيجة دائما مرعبة، اذ لا حل لمعادلة الاسكان الا الاقتراض، اقتراض قد لا ينتهي مع ارتفاع تكاليف المواد الانشائية والبنائية بالتزامن مع ارتفاع الطلب على الاراضي الا الى ديون متراكمة او اشهار الافلاس!.
انها (انفلونزا العقار) التي تركت انوفنا مزكومة بسيل ارقامها المتضخمة، وتلاشي حظوظنا في لعبة السوق. ذلك ان العقار هو العقار، باب مشرع لاحتكار القلة، حيث تساوي الفرص افتراض غائب بسبب التضخم الفاحش للاسعار، وانصراف الاقوياء الى التكتل والتحكم بقوانين اللعبة، ليبقى خياري انا وانت ان ننفق العمر في الايجار، كمأوى صغير يصوغ اشكال علاقاتنا الاجتماعية وانماط سلوكنا الاستهلاكي .
ويبقى الوطن يسكن افئدتنا في راحة بينما لا نجد فيه شبرا من الارض نمد أرجلنا فيه بارتياح.