المحاماة مهنة شريفة هدفها انصاف المظلومين وانقاذ حقوق الناس وحمايتهم من العابثين بالانظمة والقوانين, لكنها كأي مهنة لا تخلو من المتاجرين والمتلاعبين بشرف المهنة, بما تمليه عليهم مصالحهم الشخصية ومصالح المقربين منهم, وفي هذا الاطار تتكاتف شلة من المحامين في احدى الدول العربية لتكون فريق دفاع عن حاكم العراق السابق صدام حسين حين محاكمته أمام القضاء العراقي لينال جزاء ما اقترفت يداه, ظنا من هؤلاء المحامين ان مكاسبهم المادية ستغطي على خسائرهم المعنوية, اذ جاءت هذه المكاسب على حساب جثث القتلى وآهات المظلومين وحسرات المشردين من العراقيين في كل بقاع الارض.
انه لامر عجيب ان يظل انصار صدام يعيشون ذلك الوهم الكبير المتمثل في امكانية خداع كل الناس في كل الاوقات, ومع ان بعضهم قد انهارت احلامه بانهيار الحكم الصدامي, لكن بعضهم الآخر مازال يتمنى وقوع المستحيل, رغم كل الدلائل والقرائن والبراهين والحقائق والوقائع والاحداث التي تثبت ان العهد الصدامي قد انتهى دون رجعة, مشيعا بلعنات العراقيين, ونقمة المجتمع الدولي, وفي المقدمة من تضرر من ذلك العهد, وما اكثر المتضررين.
لم يخجل بعض انصار العصابة الصدامية المنهارة من الترويج بان صدام تم القبض عليه وهو يصلي في احد القصور في بغداد - وقيل في احد المساجد - رغم ان العالم كله شاهده عبر الفضائيات يخرج من قبو اشبه بالقبر, وقد ظهرت عليه علامات المذلة والهوان, وهي صورة مأساوية لفارس العرب, وحامي البوابة الشرقية, بل هي صورة مأساوية تنذر جميع الطغاة بمثل هذه النهاية المفجعة.
الدفاع عن صدام بواسطة هؤلاء المحامين هو جريمة في حق الشعب العراقي, واذا كان من حقه ان يحظى بمحاكمة - عادلة - وفق مقتضيات القانون الدولي، فالاولى ألا يكون ذلك بواسطة فئة من المحامين العرب - النشامى - الذين هبوا ليقفوا وقفة رجل واحد لتحدي مشاعر جميع العراقيين الشرفاء, واذا كان لابد لكل متهم من محام, فان صدام ليس متهما, بل هو مجرم ثبتت ادانته بالجرم المشهود, ثم ان المحكمة لن تتوانى عن تكليف بعض المحامين لهذه المهمة, لكن ان يتبرع من يتبرع للدفاع عن حاكم العراق المخلوع, فتلك مصيبة المصائب, وهي تدل على وجود ازمة اخلاقية فاضحة, فكيف تتم مناصرة فرد على حساب شعب بأكمله؟ شعب ذاق الامرين من جبروت وتعسف حاكم يتحكم فيه جنون العظمة, ليدفع شعبه الثمن غاليا, خلال تلك الفترة السوداء من تاريخه, ولم يكن العراقيون في يوم من الايام سوى شعب مناضل شريف, كتب امجاده عبر التاريخ, بدماء ابنائه وايمانهم بعدالة القضايا التي يدافعون عنها, لكن الحكم الصدامي قد انحرف بتاريخ العراق الى متاهات القهر والاستبداد والتصفيات الجسدية والمقابر الجماعية والاسلحة المحرمة دوليا، فأي اركان سيعتمد عليها هذا الدفاع, وقد قوض صدام كل الاركان التي يمكن ان تكون في صالحه؟ ثم ما جدوى الدفاع عن حاكم ظالم أمسى في ذمة التاريخ.
كم هي الاخطاء التي ترتكب باسم القانون؟
وكم هو مظلوم هذا القانون الذي يرتدي وشاحه من لديهم الاستعداد لبيع ذممهم لقاء مبالغ سرقت من أموال الشعب العراقي المنكوب بصدامه, يوم ان كان حاكما, وبعد ان اصبح مخلوعا, والى ان تحين ساعة رحيله المحتوم.