لا شك في أن الوطن العربى عرضة لمخاطر نووية تصاعدت فى الأعوام الأخيرة، وباعثها الرئيسى الكيان الصهيونى الذى يمتلك ترسانة تزيد على 200 رأس نووي تشكل تهديدا واضحا للأمن القومى العربى، وبدرجة أقل الملف النووى الإيرانى الذى ينطوى على مخاطر بيئية بشكل أساسي، كما أن إيران تمثل خطرا نوويا محتملا على العرب إن لم يتم التعاطى معه على نحو يحقق أهدافها فى بناء قدرات نووية سلمية. وفي هذا الاطار يقول الباحث بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية عبدالله سيد عبدالكريم ان سعي الإنسان للحصول على القوة، سواء كانت مادية أو معنوية، يمكن اعتباره غريزة إنسانية أو سلوكًا لمواجهة الأخطار والتهديدات، وما يسري على الإنسان يسري على المجتمع والدولة في الإطار الواسع، فالدولة ـ أي دولة ـ تحاول الحصول على القوة بهدف الحصول على مكانة مرموقة بين غيرها من الدول، والتصدي للتهديدات التي يمكن أن تُعرض أمنها القومي للخطر.
ويضيف عبدالكريم: كان السلاح النووي، الذي كانت الولايات المتحدة الطرف الدولي السبَّاق إلى تطويره وحيازته، عنصرًا حاسمًا في الحرب العالمية الثانية لصالحها هي وحلفائها حين استخدمته ضد هيروشيما ونجازاكي في نهاية الحرب عام 1945. وبانتهاء الحرب تسابقت الدول الكبرى المنتصرة إلى حيازة هذا السلاح الخطير، الذي تحول بعد ذلك إلى قوة ردع هائلة في الصراع الذي دار بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) في فترة الحرب الباردة.
النووي الاقليمي لكن الملفت كما يقول، عبدالكريم أن بعض القوى الإقليمية بدأت في البحث عن حيازة السلاح النووي، بغرض فرض وجودها على الساحة الدولية وفرض نفوذها كقوة نووية إقليمية على الدول المحيطة بها، وكذلك استخدامها كعنصر ردع ضد الأعداء الفعليين المحتملين، فإسرائيل حصلت على هذا السلاح عام 1967، بينما حصلت الهند عليه عام 1974 والصين عام 1984 وباكستان عام 1990 (وجميع هذه الدول ليست أعضاء أو لم تنضم إلى معاهدة منع الانتشار النووي).. وتأتي مساعي إيران ـ التي تواجه بمعارضة ومقاومة قوية من المجتمع الدولي بحكم أنها دولة عضو في معاهدة منع الانتشار النووي ـ غير المؤكدة للحصول على السلاح النووي في سياق تحقيق الأهداف السابق الإشارة إليها.
أين العرب؟
ولكن أين العرب من السلاح النووي؟ وهل يمتلكون القدرة على الحصول عليه أم تحول دون ذلك محددات علمية وقانونية فضلاً عن عدم سماح القوى الكبرى بذلك؟ تجيب هبة جمال أحمد الباحثة السياسية بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بالقول: في ظل التطورات المتلاحقة في البرنامج النووي الإيراني، وبعد التأكد من امتلاك إسرائيل السلاح النووي، بات من الطبيعي أن تبحث الدول العربية في الخيار النووي. وعمومًا.. وبنظرة سريعة على القدرات النووية العربية، فهناك كفاءات بشرية وإمكانيات اقتصادية وبخاصة «خليجيا» تجعلها قادرة على إقامة المفاعلات النووية واستقدام الخبراء الذين يتولون تشغيلها وتدريب الكوادر التي تتولى إدارتها في المستقبل، كما أن لديها قاعدة علمية لا بأس بها من المتخصصين في علوم الفيزياء والطاقة النووية تلقى أغلبهم علومه في الجامعات الغربية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العلماء المهاجرين إلى الدول الأجنبية ويعملون في مختبرات نووية متطورة، علاوة على أن اتجاه الدول العربية نحو امتلاك قدرات نووية سلمية هو حق مشروع تمنحها إياه المادة الرابعة من معاهدة منع الانتشار النووي التي تقر بحق الدول الأعضاء بها في تطوير برامج للطاقة السلمية. وعددت العقبات التي تقف حجر عثرة أمام الخيار النووي العربي، اولها، عدم وجود قاعدة بيانات عن النشاطات العلمية النووية، والمعاهد أو المراكز والهيئات التي تجري البحث والتطوير، وعدم قدرتها على استخدام مواد نووية من محطات الطاقة لأغراض عسكرية، نظرًا لأن المنشآت المخطط إقامتها سيتم تشغيلها باستعمال وقود اليورانيوم قليل الإخصاب، فضلاً عن أن معظم البرامج النووية العربية تخطط لبناء محطات طاقة لإنتاج بلوتونيوم (240) و(242)، التي لا تصلح للاستعمال العسكري، بينما هي تحتاج لإنتاج بلوتونيوم (239) المستعمل في تصنيع القنابل النووية.
وكذلك توقيع بعض الدول العربية على «معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)» والتي تمنعها من امتلاك تلك الأسلحة واقتصارها فقط على الطاقة النووية السلمية.
ومواقف القوى الكبرى بخاصة الولايات المتحدة الرافضة لامتلاك العرب التقنية النووية ووضع عراقيل أمام أي محاولة من جانبهم.
الخيار النووي
وتقول هبة جمال أحمد: أمام ما يحيط بالعرب من تهديدات لم يعد هناك خيار أمامهم سوى إعادة بناء استراتيجيتهم من جديد على أساس امتلاك التكنولوجيا النووية، فمن حقهم ـ إذا ما أرادوا الحفاظ على أمن بلادهم ـ الحصول على تلك التقنية دون ارتباك أو خوف من ردود فعل القوى الأخرى التي ترفض حصولهم عليها. الخطر الاسرائيلي
وحول خطورة امتلاك إسرائيل لترسانتها النووية على المنطقة العربية يقول عبدالله سيد عبدالكريم: لقد سعت إسرائيل في مرحلة مبكرة من نشأتها كدولة على أنقاض فلسطين العربية إلى امتلاك قوة عسكرية غير تقليدية تعطيها تفوقًا على الدول العربية.
وظلت إسرائيل تحيط بقدراتها النووية الغموض إمعانًا في تضليل وإثارة حيرة الدول العربية، فضلاً عن أنه يزيد من فاعلية عنصر الردع ويجعل العرب يفكرون ألف مرة في شن حرب عليها، بيد أن هذا الغموض زال مع كشف «مردخاي فانونو» العامل الفني في «ديمونة»، والذي اختطفه الموساد من إيطاليا وجلبه إلى إسرائيل وتمت محاكمته وسجنه 18 عامًا، لصحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في نهاية الثمانينيات عن حقيقة امتلاك إسرائيل 200 قنبلة نووية في سنوات السبعينيات، غير أن الباحث «هارولد هاو» قدر عددها بـ 400 قنبلة معظمها هيدروجينية.
وقد شكل انفراد إسرائيل بامتلاك السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط ـ إحدى أكثر مناطق العالم اشتعالاً ـ واستمرارها في هذا الانفراد رغم ما تبذله إيران في هذا الصدد، خطرًا كبيرًا ليس على المنطقة فحسب، وإنما على العالم أيضًا لعدة أسباب، منها أن هذا الانفراد من شأنه أن يخلق سباق تسلح نووي؛ حيث ستسعى الدول العربية إلى امتلاك برامج لحيازة السلاح النووي لخلق وسيلة ردع في مواجهة إسرائيل، والدول التي كانت مرشحة هي العراق (قبل تصفية برنامجه النووي) وليبيا (قبل أن يتخلى القذافي عن برنامجه طواعية) وحاليًا مصر والسعودية، كما أن هناك قنبلة نووية إسلامية من خلال التعاون بين دول عربية ودولة نووية إسلامية مثل باكستان، وامتلاك إسرائيل السلاح النووي قد يغريها باستخدامه خاصة إذا مرت بظروف حرب مثلاً أو هجوم من دولة ما قد ترى فيه تهديدًا لكيانها ووجودها كدولة، علمًا بأن إحدى وسائلها المطروحة لتصفية البرنامج النووي الإيراني هي استخدام قنابل نووية صغيرة، واستمرار وجودها كقوة نووية منفردة لن يكون فقط محفزًا على تطوير برامج لحيازة الأسلحة النووية، بل إن بعض الدول التي لا تمتلك القدرات العلمية وتمتلك القدرات المادية قد تلجأ إلى شراء هذه الأسلحة.
خطورة المشروع الايراني
وسألت «اليوم» محمد فتوح مصطفى الخبير في شئون الأسلحة غير التقليدية بمركز الخليج للدراسات الاسترتيجية: ما مدى مخاطر الملف النووي الإيراني على الأمن القومي العربي؟ وهل يمكن مساواة كل من الخطرين؟ أم ان هناك تفاوتًا بينهما خاصة أن إيران تؤكد أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية؟ فأجاب: من المعروف أن البرنامج النووي الإيراني المتنامي يشكل خطورة بالغة على الأمن العربي عامة والخليجي بصورة خاصة، ازدادت بامتلاكها صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وضرب أي بقعة في الخليج، والتوجه لفرض الهيمنة على المنطقة، وبناء على ذلك تتعدد المخاطر التي يحملها البرنامج النووي الإيراني أمنيًا واقتصاديًا وبيئيًا؛ فعلى المستوى الأمني يهدد الاستقرار الإقليمي، ويساعد على خلق سباق تسلح بين دول المنطقة، فهذا البرنامج يعد انعكاسًا للرؤية الاستراتيجية الإيرانية للمنطقة ودورها فيها، والتي تقوم على الهيمنة وإقامة دولة مذهبية كبرى.
وامتلاك إيران السلاح النووي سيؤدي إلى تكريس الخلل القائم في موازين القوى بينها وبين دول الخليج، وإمكانية نشوب صراع مسلح بينها وبين الغرب تنعكس آثاره على أمن الخليج والأمن العربي، ما يشكل خطرًا كبيرًا في ظل عدم استبعاد الولايات المتحدة وإسرائيل اللجوء إلى الخيار العسكري، نظرًا لأن دول الخليج ستكون أحد الميادين الرئيسية والمتضرر الأول من أية حرب يمكن أن تنشب في المنطقة.
ويضيف مصطفى: في حالة توجيه الولايات المتحدة وإسرائيل ضربة عسكرية لإجهاض طموحاتها النووية، فإن إيران قد تلجأ إلى استهداف المصالح الغربية في المنطقة وإغلاق مضيق «هرمز»، لتعطيل حركة التجارة الدولية، ما سيتسبب في آثار كارثية أقلها رفع أسعار النفط بشكل كبير قد يصل إلى 300 دولار للبرميل الواحد، وتوجيه ضربة عسكرية للمصالح والقوات الأمريكية والغربية في المنطقة، ما قد يشعل الصراعات في دول مثل الكويت والبحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن.
وعلى المستوى البيئي: تأتي الدول العربية خاصة دول الخليج في مقدمة الدول التي قد تتضرر من جراء البرنامج النووي الإيراني؛ حيث يقع مفاعل «بوشهر»، الذي يعد أحد أهم مرافق مشروعها النووي، على بعد 280 كم من الكويت، ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من روسيا التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة، ومن ثم تصبح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث أي تسرب.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن المخاطر المترتبة على البرنامج النووي الإيراني على الأمن القومي العربي، رغم عدم امتلاكها سلاحًا نوويًا حتى الآن، مقارنة بإسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية هائلة تقدر بنحو 200 رأس نووية، يمكن إطلاقها إلى مسافات تصل إلى 1500 كيلو متر باستخدام صواريخ «أريحا»، وكميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح لها بإنتاج 100 قنبلة نووية أخرى، إضافة إلى كميات ضخمة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية مثل غاز «السارين» والجمرة الخبيثة وغيرها ـ رغم كل ذلك فإنها تعادل تلك المترتبة على البرنامج النووي الإسرائيلي، خاصة مع توسع نطاق مفهوم الأمن إلى «الأمن غير التقليدي» ليشمل قضايا جديدة عكستها التطورات الفعلية في المنطقة العربية والعالم، وطرحت أبعادًا أمنية لا تقل أهمية عما يطرح في إطار التهديدات التقليدية كقضيتي الأمن المائي والغذائي.