يقول شيخ اﻹسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض بيان الواجب على من وفقه الله لدلوف باب العلم، وما يستلزمه ذلك من العمل: (ولهذا مَضَت السنة بأنَّ الشروع في العلم والجهاد يلزمُ كالشروع في الحج، يعنى أنَّ ما حفظه من علمِ الدِّين وعلم الجهاد ليس له إضاعته؛ لقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قرأ القرآنَ ثمَّ نسيَه لقيَ اللهَ وهو أجذم» رواه أبو داود.
وقال: «عُرِضَت عليَّ أعمالُ أمتي حسنها وسيِّئها فرأيتُ في مساوئ أعمالها الرجل يؤتيه اللهُ آيةً من القرآن ثم ينام عنها حتى ينساها».
وقال: «من تعلَّمَ الرميَ ثم نسيَه فليس منا» رواه مسلم.
ثم يقول رحمه الله: (فالمرصدون للعلم عليهم للأمة حفظُ علم الدين وتبليغه، فإذا لم يبلغِّوهم علمَ الدين أو ضيَّعوا حفظَه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين)؛ ولهذا قال تعالى: «إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون».
فإنّ ضرر كتمانهم تعدَّى إلى البهائم وغيرها فلعنَهم اللاعنون حتى البهائم، كما أنَّ معلم الخير يصلي عليه الله وملائكته ويستغفر له كلُّ شيءٍ حتى الحيتان في جوف البحر والطير في جو السماء).
ويقول أخيرا من ضمن كلام نفيس له:
(فتركُ أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد، وتركُ أهل القتال للقتال الواجب عليهم، كترك أهل العلم للتبليغ الواجب عليهم، كلاهما ذنبٌ عظيم).
النص الذي أوردته يحوي رسائل عظيمة من هذا العالم الجليل إلى كل من تحمل أمانة العلم الثقيلة، ونحن في زمن يحتاج فيه إلى لغة العلماء الربانيين ومواقفهم التاريخية التي كانت عبر قرون متطاولة، وأجيال متعاقبة سفينة النجاة للأمة كلما طغت عليها عوادي الفتن المهلكة والخطوب المدلهمة.
الأمة اﻹسلامية اليوم تجتاحها خطوب عظيمة فمن فتنة الغلو والتكفير إلى فتنة الانحلال من مبادئ اﻹسلام، مروراً بفتنة اﻹلحاد والانحراف الخلقي، والهجوم الضاري من أعداء دين الله على كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، فضلا عن فتنة تمزيق العالم اﻹسلامي وشرذمته، ومحاولة خلع رداء اﻹسلام عنه بالنظريات الوافدة المتطرفة في حربها لكل مظهر من مظاهر اﻹسلام، وما يستتبع ذلك من مشاريع استعمارية تريد تفتيت المفتت من ديار المسلمين بأدوات غالية في الدين أو جافية عنه محاربة له، واستخدام مخلب الحروب الطائفية عبر وكلائها المغروسين في خاصرة أهل اﻹسلام وما استتبع ذلك من دماء أريقت وأنفس بريئة أزهقت.
يضاف إليه تقسيم الأمة المسلمة الواحدة إلى شيع وأحزاب يقتل بعضهم بعضا ويلعن بعضهم في دوامة من التراشق تذهب بالدين والمروءة والعقل وتحيل ديار المسلمين مرتعا خصبا لكل مصيبة وكل هذه الأدواء تنفذها أدوات تتقلب بين الخبيث الفاهم لدوره والساذج المضلل والمعمى على بصره.
وفي ظل هذه البواقع تظهر الحاجة ماسة إلى علماء ربانيين يقولون بالحق كله وبكله يعدلون دون نظر لسخط ساخط وﻻ لمدح مادح ميزانهم الحق ثم الحق ثم الحق، العلماء هم أهل الثقة من كافة أطياف الأمة وهذه الثقة كل ﻻ تتجزأ استحقوها بما أنعم الله به عليهم من نور كتابه وهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-
وعليه فإن الأمة كما تنتظر من العلماء أخذهم بزمام المبادرة ﻹعادة مركبها إلى جادة اﻹسلام الصافي الذي نزل على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- فإن حقهم على الأمة التوقير حتى ﻻ يتمندل بهم أغرار جهلة بضاعتهم مزجاة في العلم في مقال أو غمز أو شهوة رأي وموقف وكلمة لاتعجب توجههم وفكرهم.
إن من أعظم الجرائم التي يجب أن يشنع عليها اليوم إهانة العلماء وازدراؤهم، وتطاول السفهاء الجهلة عليهم، وجعلهم محلا للسخرية والتندر من قبل مجاهيل طفحت كتاباتهم هنا وهناك وجنينا من حنظلهم شبابا يزدرون العلماء ويتندرون بهم وﻻ يستمعون لكلامهم فحل محلهم في التوجيه غال موغل في غلوه، أو منحل غارق في انحلاله، والحل في إعادة الحق إلى نصابه ووضع كل في موضعه اللائق به.
تشفير
ولم أبتذل في خِدمة العلم مُهجتي
لأخدم من لاقيت لكن لأُخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة
إذن فاتبَاعُ الجهل قد كان أسلما