أخيرا وبعد مجموعة من الهدن بين المقاومة الفلسطينية، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، أعلنت إسرائيل من جانب واحد كسر الهدنة الأخيرة. والذريعة هذه المرة، هي ادعاء أن الفلسطينيين قاموا بإطلاق ثلاثة صواريخ، على بئر السبع، لم تتسبب -حسب إعلان العدو- في إلحاق أية خسائر بشرية أو مادية. لتعود من جديد إلى العمل ماكينة حصد أرواح الفلسطينيين في قطاع غزة، وتدمير ممتلكاتهم.
لقد بذلت القيادة المصرية جل ما في وسعها؛ من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، والعمل على تثبيته، من غير المساس بالحقوق الثابتة والمشروعة للفلسطينيين. وكان أهم ما في المبادرة التي قدمتها الحكومة المصرية، هو فتح المعابر ورفع الحصار الإسرائيلي الجائر المفروض قطاع غزة، الذي مضت عليه عدة سنوات، وتمكين الفلسطينيين من مزاولة حياتهم اليومية. ومد حقوق صيادي الأسماك الفلسطينيين لستة أميال في البحر قبالة قطاع غزة، وتعويض الفلسطينيين المتضررين عن الخسائر الهائلة، التي ألحقها التدمير الإسرائيلي المنهجي للقطاع، كمقدمة لإعادة إعمار ما دمرته حرب الإبادة.
الكيان الصهيوني حاول الالتفاف على المبادرة المصرية، طيلة ثمانية عشر يوما من المفاوضات في القاهرة، مستخدما كما هي عادته دائما، ذريعة الأمن. فرفض دخول المواد الأساسية للبناء إلى القطاع، تحت ذريعة أنها تشكل خطرا على أمنه. وأصر من جهة أخرى على نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وتدمير الأنفاق، وتقنين فتح المعابر. ولما لم تجد محاولاته للالتفاف والتحايل على المبادرة المصرية، قام من طرف واحد بإنهاء الهدنة، وواصل عدوانه على قطاع غزة بحدة أعلى، محاولا هذه المرة اغتيال بعض قادة المقاومة.
من جهتها، لم ترفع المقاومة الفلسطينية، الراية البيضاء، بل عملت على تصعيد عملياتها، مستهدفة مناطق إسرائيلية جديدة، لم تشهدها عملياتها من قبل. وقد حذرت الإسرائيليين من استخدام مطار بن غوردون، وهددت بأنها سوف تستهدف التجمعات الاستيطانية، في مواجهة تصعيد حرب الإبادة، والهجمات الوحشية الهمجية، التي يمارسها جيش الاحتلال الآن في قطاع غزة.
إنه صراع إرادات بين المقاومة والمحتل، بين مقاومة تعمل بقوة وبسالة على التصدي للعدوان وردعه، بما تمتلكه من قوة عسكرية محدودة، يدعمها في ذلك وعي وإرادة وحواضن شعبية قوية داعمة للكفاح الفلسطيني، رغم ما لحق بها من خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات، تواجهها قوة غاشمة، لن تقبل بأقل من تركيع الشعب الفلسطيني وقهر إرادته.
سوف يستمر صراع الإرادات، ولن تقهر إرادة الفلسطينيين أبدا. لقد قاوم هذا الشعب المظلوم، كل مظاهر القهر والاحتلال، لعدة عقود، منذ احتل الصهاينة أرض فلسطين، ولم يستسلم مطلقا للعدوان. وسيكون على المحتل الإسرائيلي أخيرا، أن يرضخ للمطالب المشروعة للفلسطينيين، المطالب التي كفلتها مبادئ الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، وبشكل خاص قرارا 242 و338، ومبادئ القانون الدولي.
ولن يكون التعنت الصهيوني سبيلا لتحقيق أي من الأهداف العنصرية التوسعية، ما دامت هناك إرادة الكفاح والنضال من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وعلى العرب جميعا، حكومات وشعوبا، الوقوف مع الأشقاء الفلسطينيين، ووقف المذبحة وحرب الإبادة، وتحشيد المجتمع الدولي، ومنظمات الإغاثة الإنسانية؛ لإجبار الكيان الغاصب على وقف إطلاق النار وتثبيته، وما لم يتحقق ذلك، فإن شلال الدم الفلسطيني والتدمير المنهجي لأحياء القطاع وتسويتها بالأرض، سوف يتواصل. ولسوف تستمر معادلة الصراع بين منطقي المقاومة والاستسلام.