ربما إن الكثير من الناس لا يعرفون ما الفرق بين توارد الخواطر وبين تداعي الأفكار، رغم أنهما يحدثان في حياتنا اليومية، ولكن من المؤكد أن قليلا من الناس تتوارد خواطرهم، وكثيرا من الناس تتداعى أفكارهم، وهذه قاعدة تستطيع التأكد منها بعد قراءة هذه المقالة؛ لأن توارد الخواطر، أو التخاطر، أو التليباث، (Telepathy) أو «قانون توارد الخواطر» هو قانون يعبر عن ظاهرة موجودة تقوم على الاتصال العقلي أو الروحي، وهي أن تفكر في أمر ما وفي نفس الوقت هناك شخص آخر بعيد عنك أو قريب منك يفكر في نفس الأمر.
ومثال قريب على ذلك هو أن تحاول الاتصال بأحدهم على الهاتف وتفاجأ بأنه يتصل بك، أو تتحدث أنت وصديق لك عن صديق ثالث وما هي الا دقائق ويكون واقفاً امامكما، وهي ظاهرة ليس لها تفسير علمي أو منطقي، وأكثر الناس توارداً للخواطر «التوأم الحقيقي» والمحبون، أو الذين بينهم نوع خاص من الحميمية، وأصحاب المشاعر الصادقة، والقلوب «النقية الطاهرة». وهذه الظاهرة تعتبر من الظواهر «الباراسيكولوجية» التي لا تزال موضع دراسة، والباراسيكولوجي تعني ما وراء علم النفس، (بارا تعني ما وراء) و(سيكولوجي تعني النفس)، وهناك مسميات كثيره لهذا العلم، منها الخارقية والحاسة السادسة، ومثال شائع عن توارد الخواطر في تاريخنا الاسلامي، قصة «سارية والجبل» المشهورة، وإن كان البعض لا يرى أنها حقيقة، وهي: «أن سارية بن زنيم الكناني أحد القادة العرب، كان يحارب على حدود بلاد فارس، وكان أمير المؤمنين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وفي اثناء خطبته قال: يا سارية الجبل الجبل.. من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم.. و قيل إن سارية الكناني سمعها وكان محاصراً وجنوده من جميع الجهات من قبل الفرس، وبعد سماعه «يا سارية الجبل.. الجبل» أخذ سفح الجبل خلف الجنود وأنقذ جنوده ثم انتصر في المعركة.
أما تداعي الأفكار (Association of Ideas) فهي تعني تدفق الأفكار أو المعاني أو الكلمات، أي كل منها يستدعي الآخر، وأول من ذكرها الفيلسوف أفلاطون، حين قال: «ألا تعلم ماذا يُصيب العاشق إذا نظر إلى قيثارة معشوقه؟.. إنه يعرف تلك القيثارة ويسترجع إلى نفسه صورة صاحبها»، كان ذلك فيما بين القرن السادس والرابع قبل الميلاد، ثم جاء بعده أرسطو بنظرية «التعلم بتداعي الأفكار»، وهو يرى أن الإنسان يتذكر الأشياء إذا تداعت في ذهنه بسبب التقارب (كالإبرة والخيط)، أو المخالفة (كالنعومة والخشونة)، أو التتابع (كالليل والنهار)، وبعد قرون جاء سيغموند فرويد- طبيب الأعصاب النمساوي الذي أسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث– جاء بنظرية تداعي الأفكار الحر free association of ideas، واشتهر فرويد بنظريات العقل واللاواعي، ونظريته تمتاز بأنها تعنى بتداعي الأفكار الحر المتحرر من أيما قيد «لا ارادياً»، وتعتبر إحدى الدعامتين الأساسيتين اللتين يقوم عليهما التحليل النفسي، أما الدعامة الأساسية الأخرى فهي دراسة الأحلام وتأويلها، وبها يعمل اليوم ممارسو التَحْليلِ النَّفْسِيّ على فسح المجال للمريض ليفصح عن الافكار التي تتبادر الى ذهنه لا اراديا دون تدخل أو توجيه من قبلهم، ثم يتم استخدامها في تحليل حالته النفسية.
اليوم، إذا تخيلنا قطع الرقاب، تداعت الأفكار لتصل الى «داعش»، وإذا تذكرنا نسبة 99% تداعت افكارنا لتصل إلى انتخابات بعض الدول العربية، وإذا جاء آخر الشهر تداعت الأفكار مع الراتب الشهري، وإذا ذكرنا المخالفات المرورية تداعت أفكارنا لتصل الى «ساهر» ثم تلتها الأفكار عن «هدف» ثم لحقته الى «حافز وطاقات» وتبعه «جدارة»، وتلاها «ساند»... إنه تداعي الأفكار، وليس توارد الخواطر!!.
وهنا نأتي إلى إعادة السؤال الذي تصدر هذا المقال: هل تتوارد خواطرك أم تتداعى افكارك؟!، فإن كنت من الذين تتوارد خواطرهم فأنت من القلة القليلة، وإن كنت ممن تتداعى أفكارهم فنحن جميعا نشترك في تداعي الأفكار!.