نشرت وزارة العمل تقريرها السنوي في مطلع أغسطس ويحاول تقديم آخر تحديث للبيانات المتعلقة باتّجاهات سوق العمل.
ومع أن هذا الجهد جيد، إلا أنه يفتقر إلى التحليل المتعمق. مع ذلك، ندعو الوزارات الأخرى إلى السير على خطى وزارة العمل عبر نشر التقارير السنوية في مواعيدها. وقد نشرت وزارة العمل تقريرها الأخير باللغة العربية، علماً بأن أحدث تقرير لها باللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت يعود تاريخه إلى عام 2009!! وهذا أمر غريب بالنسبة لأحد اقتصادات مجموعة العشرين.
ومع أن التقرير يشتمل على أحدث بيانات الدراسة الثانية للقوى العاملة التي أجريت في عام 2013. وتُظهر آخر البيانات أن معدل البطالة سجّل انخفاضاً تدريجياً. فقد تراجع بالنسبة للسعوديين من مستواه القياسي المرتفع والبالغ 12,4% في عام 2011، إلى 11,8% في النصف الأول لعام 2014. كما أن معدّل البطالة البالغ 6% للنصف الأول لعام 2014، يشتمل على بيانات القوى العاملة السعودية وغير السعودية ولكنّه لا يقدّم صورة دقيقة وشاملة لاتّجاهات سوق العمل بالنسبة للسعوديين.
وتراجعت معدلات البطالة لأنها انخفضت في صفوف الرجال والنساء. فقد ازداد تشغيل النساء بنسبة 723% (من 48406 عاملات سعوديات إلى 398538) في أقل من أربع سنوات.
كما تغيَر اتجاه البطالة بين الرجال بعدما كان السبب الرئيس للبطالة بين السعوديين. في المقابل، أصبحت البطالة بين النساء حالياً السبب الرئيس للبطالة بين السعوديين.
ففي عام 2007، كان هناك 182,987 امرأة عاطلة عن العمل في مقابل 271,007 رجال عاطلين عن العمل. وفي عام 2013، كان هناك 363,619 امرأة عاطلة عن العمل في مقابل 265,425 رجلاً عاطلاً عن العمل.
لكن معدّل البطالة في صفوف الشباب والبالغ 41% يمثّل مشكلة حقيقية لكلا الجنسيْن، ويبرهن على مدى صعوبة التحدي المتمثل في التوظيف.
ليس هذا وحسب، بل إن تحقيق هدف الخطة الخمسية التاسعة المتمثّل في خفض معدّل البطالة إلى 5,5% في عام 2014، بات مستحيلاً ( ما لم ما يتم توفير ما مجموعه 600 ألف وظيفة للسعوديين خلال العام الجاري).
وهدفت الخطة الخمسية الثامنة (2005-2009) إلى خفض معدل البطالة إلى 2,8%. لكنْ مع نهاية الخطة وصل هذا المعدّل إلى 10,5% ( طبقاً لإحصاءات العمل الرسمية ).
وسيستمر عدم تحقيق مثل هذه الأهداف ما لم يتوافّر الانسجام بين الأهداف والنتائج وبين وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة العمل. ومن الإيجابي أنْ يتمّ تبنـّي أهداف عالية لكنّ عدم تحقيقها بفارق شاسع يجعل التخطيط عملية عقيمة. علاوة على ذلك، ينبغي أن تكون هناك آلية لتعديل السياسات خلال عملية تنفيذ الخطط لتلافي الفوارق الشاسعة بين النتائج والأهداف الوطنية المنشودة.
وتُظهر الإحصاءات أنّ سعودة القطاع الخاصّ تسير بشكل تدريجي، علماً بأن 85% من وظائف هذا القطاع مازالت تذهب للوافدين. وفي عام 2010، كانت هذه النسبة 90%.
واستناداً إلى التركيبة السكانية التي تمتاز بالنمو السريع لشريحة الشباب وإلى تقديرات نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي وإلى الاتّجاهات السابقة للتوظيف، فإنه من المتوقع أن تتجاوز معدلات البطالة بين السعوديين الـ «17%» خلال العقد المقبل، ما لم تتم معالجة اتّجاهات سوق العمل بشكل دؤوب.
وفي الحقيقة، أصبح الوضع الحالي أكثر حساسية بكثير من ذي قبل بسبب التغيير السكاني ودخول أكثر من 2,4 مليون شاب سعودي سوق العمل خلال العقد المقبل.
لقد خلق برنامج نطاقات بعض الوظائف منذ إطلاقه في عام 2011، لكنّه حمّل القطاع الخاصّ تكاليف إضافية حدّت من نموه وأدّت إلى إغلاق العديد من الشركات الخاصة.
وخلصت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتقنية إلى أنّ برنامج نطاقات أرغم الشركات الخاصة على توظيف 96 ألف عامل سعودي إضافي خلال الشهور الستة عشر الأولى، ولكنه تسبّب في إغلاق نحو 11 ألف شركة. كما قلّص برنامج نطاقات التوظيف الكليّ في الشركات التي حافظت على بقائها، بينما تراجع التوظيف في مجمل القطاع الخاصّ بواقع 418 ألف عامل.
وكان ينبغي على التقرير السنوي لوزارة العمل أن يعالج ثلاث قضايا مهمة من شأنها أن تمثّل الأساس لاستراتيجية وطنية شاملة: (أ) ما نسبة التوظيف الكلية للاقتصاد؟ وكيفية الوصول إلى هذه النسبة؟ وينبغي على وزارتيّ العمل والاقتصاد والتخطيط أن تنخرطا في هذا النشاط؛ (ب) ما تفاصيل إستراتيجية العمل التي تكلّف 14.9 مليار ريال؟ ومَن يدفع هذه التكاليف؟ و(ج) كيف سيرفع الاقتصاد إنتاجية العمال والموظفين مع مرور الوقت؟
إن تغيير هيكلية سوق العمل مهمّة تستغرق أجيالاً وتتطلّب مراقبة مستمرة لفترات طويلة من الزمن. وهذه المهمّة ليست سهلة: ففي الوقت الذي يـُخلق فيه المزيد من الوظائف للسعوديين، يتعيّن على الاقتصاد أن يحافظ على قدرته التنافسية، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتنويع بعيداً عن النفط، فضلاً عن التحول من اقتصاد يعتمد بشكل مكثف على رأس المال إلى إقتصاد يعتمد بشكل مكثّف على القوى العاملة.
وإذا أضفنا الدعم الحكومي للطاقة إلى هذه العناصر، فإن المرء يستطيع أن يتصوّر مدى تعقيد مثل هذه المهمّة الصعبة!!