لما كان الأولاد الصغار قاصرين في تفكيرهم وعاجزين عن معرفة ما فيه مصلحتهم ومضرتهم كان من واجب الآباء أن يبينوا لهم الصحبة الصالحة، وأن يحذروهم من الصحبة السيئة، ولقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على قضية الصحبة واختيار القرناء لأولادهم.
وهذه مجموعة من أصناف الناس التي يجب أن يحذر الولد من مخالطتهم: أولاد الكفار والمبتدعة، إذ الأولاد على دين آبائهم، وذلك حفاظا على عقيدة الولد من الانحراف. والفساق التاركين للصلاة وأهل السرقة وأهل التدخين، لأنه بمخالطتهم يتعلم الفسق والخروج عن الطاعة، وكم من مدخن كانت السيجارة الأولى التي تناولها في حياته من يد صديق، وكم ممن وقعت في شراك اتخاذ الأخدان ومصاحبة الذكران بسبب الصديقة الفاسقة. والبطالين الذين تركوا المدرسة، لأنه بمخالطتهم يتأثر بهم ويؤدي به ذلك إلى ترك الدراسة، ومن يكبره في السن بفارق كبير.
كما نُحذر الولد من مخالطة أهل الأوصاف السيئة ونَحثه على مخالطة أهل الخير الذين من صفاتهم الإيمان بالله والاستقامة على شرعه، وبر الوالدين، والعقل والصدق والوفاء والحياء والنصيحة والأمانة وكتمان الأسرار، وحسن الخلق، والجد وعلو الهمة، وقد أمرنا الله تعالى بصحبة أهل الصدق والتقوى والحرص على مجالستهم، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119).
وقد لا يكفي الآباء في هذا الزمن الاكتفاء بذكر الأوصاف والأصناف في الوصية والتحذير، بل الواجب عليهم تعيين أعيان الأشخاص فيقال اصحب فلانا واجتنب علانا، ذلك أن الابن قد لا يقدر على اختيار الصاحب بنفسه وقد يعجز عن إيقاع معاني الوصية على واقعه.
ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم كما حذر من جليس السوء حثنا على الجليس الصالح فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».
ولمجالسة الأشرار وجلساء السوء أضرار منها: التشكيك في معتقداته الصحيحة ويصرفُه عنها، والدعوة إلى المماثلة في اقتراف المحرمات والمنكرات. والتذكير بالمعصية والدعوة إلى اقترافها. وجليس السوء لا ينصح صاحبه بما يصلحه، بل ربما يضره بالاعتداء عليه وأخذ ماله.
ومجالسة الصالحين لها ثمار طيبة، منها: الشمول ببركة مَجالِسِهم، ويعمُّه الخيُر الحاصلُ لهم وإن لم يكن عمله بالغاً مبلغَهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم. والتأثر بهم، لأن الإنسان إذا رأى قرينًا له يفوقه في عبادته أو زهده أو ثقافته أو سلوكه فإنه يتأثر به غالبًا ويتطلع إلى مشابهته. وتبصرته بعيوبه لإصلاحها، فالمؤمن مرآة أخيه. وأن أهل الخير يدلونه على أمثالهم فينتفع بمعرفتهم. والصالحون الذين صفتهم الوفاء أُنس في الرخاء، وعُدّة في الشدة والبلاء. وتحقيق المحبة في الله تعالى.