أنا أشفق على رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي. يقوم بإخبار الحكومات الأوروبية أنها تحتاج لبذل المزيد من الجهد لإنعاش الاقتصاد، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتصل به هاتفياً لتستفسر منه عما إذا كان قد تخلّى عن سياسة التقشف. كما قام بتحذير الحكومات أنها لا تستطيع التهرّب من مسؤولياتها، وفرنسا تخلّت عن هدف تقليص عجزها ليكون ضمن نسبة مئوية محددة من الناتج المحلي الاجمالي. يقوم باقتراح برنامج لشراء السندات، لكن شخصاً ما في مجلس المحافظين في البنك المركزي الأوروبي -من المرجح تقريباً أنه رئيس البنك المركزي الألماني يينز فايدمان- يعترض.
بالنسبة لكامل حديثه عن تدابير السياسة غير التقليدية لمكافحة خطر الانكماش وإنعاش النمو، فإن استراتيجية دراجي في الواقع هي ذكرى مفاجئة من الماضي -الاستراتيجية عتيقة الطراز الجيدة المعروفة باسم آخر، وهو تخفيض قيمة العملة. قال يوم أمس إن التباطؤ في التضخم هو بسبب انخفاض غير متوقع في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، و «ارتفاع سعر الصرف» الذي اكتسب 7 في المائة من شهر أيلول (سبتمبر) عام 2013 حتى أول أسبوع من شهر (ايار) مايو. هنا، على الأقل، هو ضمن سلسلة انتصارات لمدة ثلاثة شهور.
حتى مع انخفاض اليورو إلى أقل من 1.30 دولار لأول مرة منذ شهر تموز (يوليو) عام 2013، بدا دراجي غاضباً على نحو غير معهود في المؤتمر الصحفي الشهري، الذي كشف فيه النقاب عن مجموعة من تخفيضات أسعار الفائدة فضلاً عن برنامج لشراء السندات المدعومة بالأصول الذي سيبدأ الشهر المقبل. لقد أصبح السبب واضحاً عندما تم سؤاله ما إذا كانت قرارات اليوم بالإجماع. حيث قال: «لا. بعض أعضاء مجلس المحافظين كانوا يؤيدون القيام بأكثر مما قمت بتقديمه للتو، والبعض الآخر كان يؤيد القيام بأقل من ذلك. لقد كانت هناك أغلبية مريحة تؤيّد القيام بالبرنامج».
وهذا بدوره يعني أن هناك أقلية غير مريحة تعارض الخطة. فايدمان من ألمانيا وصف برنامج شراء السندات بأنه «مسبب للمشاكل»، وهو ما يضعه في الإطار باعتباره المُعترض الرئيسي.
ولأن البنك المركزي الأوروبي لا يقوم بنشر محاضر مداولاته (وهو غموض ينوي حلّه في الشهور القادمة)، فإن من المستحيل معرفة مدى الدموية التي كانت عليها المعركة الفلسفية بين صنّاع السياسة. حيث يبدو كما لو أن دراجي عليه المحاربة من أجل كل تنازل، الأمر الذي قد يعني أن الانتقاد بأنه لم يبذل ما يكفي من الجهد هو في غير محله.
المفاجأة الكبرى في التصريحات الأخيرة كانت تلميح دراجي لمدى الحجم الذي قد يكون عليه برنامج شراء الأصول. حيث قال إن نية البنك المركزي الأوروبي هي «توجيه حجم ميزانيتنا العمومية نحو الأحجام التي كانت عليها» في عام 2012.
إذا كان دراجي جاداّ في ذلك، وإذا كان بإمكانه استمالة فايدمان إلى جانبه، فذلك يُشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي قد يكون مستعداً لإطلاق ما يصل إلى تريليون يورو (1.3 تريليون دولار) من القوة النارية في الاقتصاد. وذلك قد يكون كافياً ليكسب دراجي بعض الأصدقاء خارج سوق العملة.